أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، قائد الحرس الوطني السعودي السابق الأمير متعب بن عبدالله ورئيس تحرير جريدة "العرب" اللندنية سابقاً الصحافي السعودي عبد العزيز الخميس. ما الذي يجمع بين الأمير والأمير والصحافي؟
الثلاثة وقعت هواتفهم في دائرة التجسّس الإماراتي بمساعدة مجموعة "NSO" المصنّعة لبرامج التجسس، والتي تتخذ من "إسرائيل" مقراً لها، حسب ما كشف الصحافيان ديفيد كيركباتريك وعزام أحمد في تحقيق نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية.
استند الصحافيان، بحسب موقع "رصيف22" إلى مجموعة رسائل إلكترونيّة جرى تسريبها في إطار قضيتين مرفوعتين ضد الشركة المصنّعة لبرامج التجسس، وقد بيّنت (الرسائل) سعي الإمارات لاختراق هواتف الشخصيات الثلاثة، إضافة إلى ما أظهرته من استخدام قادتها لبرامج التجسس الإسرائيلية لمراقبة آخرين يقعون في دائرة اهتمامها ومنهم رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري.
كيف بدأت القصة؟
يقول التقرير إنه "حين عُرض على كبار المسؤولين الإماراتيين، من قبل الشركة، تحديث باهظ الثمن لتكنولوجيا التجسّس لديهم، أرادوا التأكد من فعاليتها". حينها سأل الإماراتيون، حسب ما تفيد الرسائل المسربة، إذا ما كان بإمكان الشركة اختراق هواتف أمير قطر، الأمير السعودي القوي الذي أدار الحرس الوطني للمملكة ورئيس تحرير الصحيفة العربية في لندن.
لم يتأخر الردّ، فقد وصلت بعد أربعة أيام رسالة إلى الإماراتيين من الشركة جاء فيها "الرجاء الاطلاع على التسجيلين المربوطين بالبريد"، وكان التسجيلان عبارة عن اتصالين أجراهما عبد العزيز الخميس. أكّد الأخير للصحافيين أنه بالفعل كان قد أجرى هاتين المكالمتين ولم يكن يعلم أنه تحت المراقبة.
وفي إشارة إلى الدعوى المرفوعة ضد "NSO"، والتي ساعدت بكشف هذه التفاصيل، فهي تأتي نتيجة اتهام تواجهه الشركة بالمشاركة النشطة في التجسس غير القانوني، كجزء من جهد عالمي لمواجهة سباق التسلح المتزايد في عالم برامج التجسس.
وكانت الدعاوى رُفعت في إسرائيل وقبرص من قبل مواطن قطري وصحافيين وناشطين مكسيكيين اشتكوا من استهدافهم عبر برنامج التجسس التابع للشركة، التي تُعدّ واحدة من أشهر منشئي برامج التجسس عبر الهواتف الذكية.
في محاولاتها السابقة للدفاع عن نفسها، كانت الشركة تدعي أنها تبيع فقط التكنولوجيا إلى الحكومات، التي تتعهّد باعتمادها حصرياً ضد المجرمين، ومن ثم تنتهي مسؤوليتها حيث تتولى الجهة الشارية التشغيل بمفردها.
وهنا يقول الصحافيان إن الدعاوى القضائية الجديدة وما تضمنته من وثائق مسربة تكذّب ادعاءات الشركة، إذ تُظهر أن إحدى الشركات التابعة لـ"NSO" ساعدت في التجسس على مسؤولين غير إماراتيين - ونجحت في تسجيل مكالمات الصحافي - بناءً على طلب الزبون الإماراتي، وذلك قبل أربع سنوات.
لماذا أرادت الإمارات التجسّس على الأميرين؟
تُظهر رسائل البريد الإلكتروني المسرّبة أن الإمارات وقعت عقداً للحصول على ترخيص برنامج المراقبة من الشركة في أغسطس عام 2013.
بعد توقيع العقد بعام ونصف، طلبت شركة بريطانية تابعة لـ"NSO" من الإمارات الدفعة السادسة وقيمتها 3 مليون دولار، ليظهر أن الكلفة الإجمالية كانت 18 مليون دولار والتي حصلت بموجبها الإمارات على الترخيص.
وذكرت الصحيفة أن التجسس على هاتف أمير قطر يعود إل مطلع عام 2014، بعدما توترت العلاقات بين الإمارات وقطر على خلفية التنافس على النفوذ في مصر، بعد دعم قطر للإسلاميين ومن ثم دعم الإمارات للعسكر. في ذلك الوقت، تبادل الطرفان الاتهامات بالتجسس، واتهمت الإمارات قطر باختراق البريد الإلكتروني لسفيرها في واشنطن يوسف القتيبة ولداعمها إليون برويدي، الذي رفع بدوره على قطر تهمة التجسس عليه.
لاحقاً دخل قراصنة إلى وكالة قطر للأنباء ونشروا تقارير مغلوطة، في حين اتهمت الدوحة الإمارات بتسريب الإيميلات التي أظهرت تفاصيل صفقة تحرير الرهائن القطريين في العراق.
تضمنت القائمة الإماراتية أهدافاً سعودية كذلك، ففي مناقشات البريد الإلكتروني التي كانت تتعلق بتحديث تكنولوجيا التجسّس، طلب الإماراتيون اعتراض المكالمات الهاتفية للأمير متعب بن عبد الله، الذي كان يعُتبر في ذلك الوقت منافساً محتملاً للعرش.
كان الإماراتيون ينشطون حينها لدعم منافس متعب، وهو ولي العهد الحالي الأمير محمد بن سلمان الذي قام في العام الماضي بإزاحة الأمير متعب من منصبه كوزير للحرس الوطني وأمر باعتقاله المؤقت بسبب تهم فساد.
وبحسب التسريبات، طلب الإماراتيون أيضاً اختراق هاتف سعد الحريري، الذي يتولى رئاسة الحكومة اللبنانية حالياً، والذي بالرغم من تحالفه مع السعودية اتُهم بعدم الالتزام بوضع حد لـ"حزب الله" في لبنان، أما التجسّس على الخميس فكان لما فسّره بأنه ناتج ربما عن مقالات حساسة كتبها عن دول الخليج.
كيف تعمل التقنيّة؟
تقوم التقنية على إرسال رسائل نصية إلى الهاتف الذكي الخاص بالهدف، على أمل دفع هذا الشخص للنقر عليها، ليتم بعدها تنزيل برامج التجسس المعروفة باسم "Pegasus"، فتصبح الجهة المتجسسة قادرة على مراقبة المكالمات الهاتفية ورسائل البريد الإلكتروني وجهات الاتصال وحتى المحادثات التي تتم وجهاً لوجه.
في حالة الإمارات، أظهرت المستندات أن إحدى الشركات التابعة لـ "NSO" طوّرت رسائل وخدع تناسب منطقة الخليج مثل "رمضان قريب - خصومات لا تصدق" و "حافظ على إطارات سيارتك من الانفجار في الحرارة". كما ساعدت الشركة الزبون الإماراتي على نقل البيانات المكتسبة من خلال التجسّس لتحليلها عبر شبكة حاسوب متطورة.
وعلّق كل من كيركباتريك وأحمد بالقول إن هذه التسريبات تسلّط الضوء على كيفية تحوّل التجسس إلى سلاح سياسي لدى إسرائيل ودول الخليج، والتي أصبحت تستخدمه ضد بعضها البعض أحياناً.
وبينما لا تعترف الإمارات العربية المتحدة بإسرائيل، يشير الكاتبان إلى ما يظهر من أن الاثنين لديهما تحالف متنام خلف الكواليس، نظراً لأن إسرائيل تعتبر برنامج التجسس سلاحاً في وقت أظهرت الدعاوى القضائية أنه لم يكن بإمكان "NSO" والشركات التابعة لها بيع التكنولوجيا للإمارات إلا بموافقة من وزارة الدفاع الإسرائيلية.
الإمارات… لائحة من الاختراقات
كان اعتماد الإمارات على برامج "NSO" للتجسّس قد كُشف للمرة الأولى عام 2016، من خلال المحامي الإماراتي أحمد منصور، وهو ناشط في مجال حقوق الإنسان، بعدما لاحظ وجود رسائل غريبة ومحاولات لاختراق هاتفه. لاحقاً، اعتقلته السلطات الإماراتية لتهم غير مرتبطة - في الظاهر - بما كشفه، وتمّ رميه في السجن.
بعد عشر أيام من فرض الحصار على قطر، في 5 حزيران 2017، وبحسب ما كشفته رسائل داخلية مسربة، ظهر أن 159 عضواً من العائلة المالكة القطرية، ومسؤولين آخرين، تمّ وضع هواتفهم تحت المراقبة، مع وعد بإعداد تقرير عن "ما وجدناه لدى أهم 13 هدفاً"، بحسب ما كتب مسؤول إماراتي في رسالة إلى الأمير خالد بن محمد وهو مسؤول في جهاز الاستخبارات وابن حاكم البلاد محمد بن زايد.
وكانت العديد من التقارير كشفت نشاط الإمارات في هذا عالم الاختراق والتجسّس.
في عام 2016، دخل موقع "ذا إنترسبت" الإلكتروني - في تقرير مفصّل - إلى عالم الاستخبارات الإلكترونية الذي "تقوده الإمارات للتجسّس على الإماراتيين والمقيمين". هكذا لاحقت الكاتبة جينا ماكلفين خيوط القصة بين إيطاليا والإمارات لتكشف سعي شركة "دارك ماتر" الإلكترونية إلى تجنيد خبراء إلكترونيين في مجال القرصنة ومكافحتها للعمل لحسابها من أجل "مراقبة حواسيب الإماراتيين وحساباتهم بشكل جماعي".
وكانت مؤسسة "سكاي لاين" الدولية حذّرت، في أكتوبر الماضي، من تداعيات التعاون الإسرائيلي - الإماراتي في مجال لتجسس على حرية الرأي والتعبير في الإمارات.
وفي نهاية يوليو الماضي، أثارت "لوموند" الفرنسية فضيحة تجسس الإمارات على السفارة الإيرانية في العاصمة أبوظبي من خلال زرع كاميرات مراقبة لرصد مداخل ومخارج السفارة.
وفي تقرير لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية بدا أن الإمارات تسعى لبناء شبكة تجسس ضخمة في الخليج، وذلك عبر التعاقد مع موظفين سابقين في أجهزة استخبارات أجنبية.
ووثقت مؤسسة "سكاي لاين" منذ فترة قصيرة عدداً من محاولات تجسس نفذتها السعودية والإمارات على موظفي "منظمة العفو الدولية" وناشطين يعملون في منظمات حقوقية في الخليج.