رجح محللون سياسيون فلسطينيون، مواصلة الجيش الإسرائيلي استخدام القوة المفرطة تجاه عشرات آلاف المتظاهرين السلميين المتوقع خروجهم نحو الحدود الشرقية لقطاع غزة، يومي الاثنين والثلاثاء المقبلين.
وأجمع المحللون في تصريحات منفصلة لوكالة الأناضول، على أن إسرائيل ستبدأ اتخاذ إجراءات وقائية في منطقة الحدود كـ "تعزيز البنى التحتية للسياج الفاصل وتقويته ورفعه، ووضع أكوام من التراب، ونشر قوات أكبر لحصر أي عملية اختراق جماعي مرجحة".
ودعت "الهيئة الوطنية العليا لمسيرة العودة وكسر الحصار"، الاثنين الماضي، سكان القطاع إلى الخروج في تظاهرات، الاثنين المقبل الموافق 14 مايو / أيار الجاري، رفضا لنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، والثلاثاء الموافق 15 مايو / أيار إحياء لذكرى "النكبة" الفلسطينية.
ومن المتوقع أن يحدث اختراق جماعي للسياج الأمني في ذروة فعاليات المسيرة، والمزمع تنظيمها لمدة يومين (14 ـ 15) مايو / أيار المقبل، بحسب المراقبين.
ومنذ اليوم الأول للمسيرة، واجه الجيش الإسرائيلي المتظاهرين بالقوة المفرطة، ما أدى إلى ارتقاء 49 شهيدا وإصابة الآلاف.
وانطلقت فعاليات المسيرة منذ 30 مارس / آذار الماضي، حيث يتجمهر المتظاهرون في مسافة تبعد عن السياج الفاصل بين شرقي قطاع غزة وإسرائيل بحوالي 650 مترا.
واعتبرت الحكومة الإسرائيلية، الأسبوع الماضي، مسيرة العودة جزءا من "حالة حرب ولا ينطبق عليها قانون حقوق الإنسان".
وتلقى الجيش الإسرائيلي تعليمات صريحة بإطلاق النار على أي فلسطيني يحاول اختراق السياج الفاصل بين قطاع غزة وإسرائيل، بحسب صحيفة "هآرتس" العبرية.
وفي تصريحات سابقة، هدد وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، الفلسطينيين في قطاع غزة بأن اقترابهم من الحدود مع إسرائيل "سيعرض حياتهم للخطر".
وبحسب بيان صدر عن مكتبه، قال ليبرمان: "جميع من يقتربون من السياج (الحدودي) يعرضون حياتهم للخطر"، محذرا فلسطينيي القطاع من استمرار ما سماه "الاستفزازات".
** ذروة الفعاليات
وفي حديث للأناضول، أوضح داود شهاب أحد منسقي الهيئة الوطنية العليا لمسيرة العودة وكسر الحصار، (قيادي في حركة الجهاد الإسلامي) أن الهدف من هذه المسيرة "هو العودة واقتلاع الحدود والأسلاك الشائكة التي وضعها الاحتلال ليفصل بين غزة والأرض المحتلة عام 1948".
وقال إن "الشعب الفلسطيني متسلح بالقوانين والتشريعات الدولية التي تعطيه الحق في العودة لأرضه ووطنه".
وبين أن ذروة فعاليات مسيرة العودة ستكون يومي (14 ـ 15) مايو / أيار المقبل، لكنها لن تكون نهاية المسيرة إنما انطلاقة لمحطة جديدة.
وأكد شهاب أن المسيرة لن تتخلى عن طابعها السلمي والشعبي، لافتا إلى أنها "تستند لكل التشريعات والقوانين الدولية الداعمة للحق الفلسطيني".
وحمل الجانب الإسرائيلي المسؤولية الكاملة جراء تعرضه للمتظاهرين السلميين.
** إجراءات وقائية
بدوره، توقع وديع أبو نصار مدير المركز الدولي للاستشارات بمدينة الناصرة شمالي إسرائيل، أن تلجأ إسرائيل إلى عدة إجراءات وقائية، لردع مسيرة العودة في ذروة فعالياتها يومي الاثنين والثلاثاء القادمين.
وقد تبدأ تلك الإجراءات بتوجيه تهديدات إسرائيلية مباشرة أو غير مباشرة إما بقصف أهداف في قطاع غزة، أو تنفيذ عمليات اغتيال ضد قادة فلسطينيين، أو إطلاق نيران بشكل مباشر تجاه المتظاهرين، وفق أبو نصار.
ومن المرجح أن يبدأ الجيش الإسرائيلي بتعزيز السياج الأمني الفاصل بين شرقي قطاع غزة وإسرائيل ضمن تلك الإجراءات الوقائية.
وأضاف أبو نصار: "قد يستعمل الجيش عدة وسائل رادعة للمتظاهرين، مثل إطلاق النيران، واستخدام وسائل مختلفة لتفريقهم".
وأشار إلى أنه يمكن "توقّع استخدام الجيش لكافة الوسائل، خاصة أن المستوى السياسي الإسرائيلي يغطي على أي عمل تقوم به أجهزته الأمنية، بمعنى أنه يعطي ضوءا أخضر لأي عملية قمع".
** القوة المفرطة
من جانبه، رأى خلدون البرغوثي الصحفي المتخصص في الشأن الإسرائيلي، أن تل أبيب تعاملت مع مسيرة العودة منذ يومها الأول بالقوة المفرطة من قمع وإطلاق مباشر للنيران، بهدف التسبب بأكبر عدد من الشهداء في سبيل التأثير على المتظاهرين وتخويفهم، وإجبارهم على التراجع.
وقال البرغوثي في حديثه لـ "الأناضول": "السياسة الإسرائيلية فيما يتعلق بقضية إطلاق النار تجاه المتظاهرين غير واضحة، حيث رُفعت قضية ضد الجيش من قبل مؤسسات حقوقية إسرائيلية وفلسطينية للكشف عن تلك السياسة، لكن إسرائيل رفضت ذلك".
ويرجع ذلك لتخوف إسرائيل من "أن يتسبب الكشف بفضيحة حول وجود أوامر بقتل المدنيين"، بحسب البرغوثي.
ويتوقع البرغوثي أن يستخدم الجيش الإسرائيلي "القوة المفرطة تجاه المتظاهرين في حال حدوث اختراق جماعي للسياج المحيط بغزة".
وقد تؤدي تلك القوة، وفق البرغوثي، إلى ارتكاب "مجازر جديدة، كون السياج خطا أحمر بالنسبة إلى الاحتلال الإسرائيلي، يُمنع تجاوزه".
وقال: "إسرائيل تعتبر المتظاهرين الذين يتجمهرون في الجانب الفلسطيني خطرا على الجنود، ما بالنا إذا تم عبور السياج فهنا ستعتبرهم تهديدا مباشرا لحياة الجنود وربما المستوطنين داخل المستوطنات المحاذية للقطاع".
ومن المحتمل أن يترافق استخدام تلك القوة مع تصعيد عسكري في غزة، من خلال شن غارات على بعض الأهداف بالقطاع، أو اغتيال بعض القيادات في حركة "حماس" كما سبق وهدد الجيش الإسرائيلي، بحسب البرغوثي.
وأضاف: "قد يقود ذلك التدحرج في المواجهة، خاصة في حال وجود رد من قبل فصائل المقاومة الفلسطينية على أي مجزرة أو استهداف إسرائيلي، قطاع غزة إلى مواجهة عسكرية جديدة مع إسرائيل".
واستطرد: "المواجهة العسكرية تعتمد على شدة الضربات التي قد توقعها إسرائيل إذا استهدفت قيادات، قد تجر لمواجهة جديدة، أو إذا غاراتها أدت إلى سقوط مدنيين هذا أيضا قد يقود نحو التصعيد".
لكنه في ذات الوقت أشار إلى أن الطرفين (حماس وإسرائيل) غير معنيين بمواجهة عسكرية جديدة، فيما يبقى كل شيء واردا بحسب طبيعة الحدث والرد عليه.
** مفاوضات مع إسرائيل
وفي الوقت الذي تتناقل في مواقع إعلامية وجود مفاوضات عبر وسطاء إقليميين بين الجانبين الإسرائيلي وحركة حماس، لوقف المسيرات مقابل بعض التخفيفات عن قطاع غزة، يستبعد البرغوثي التوصل إلى أي حل وفق تلك المفاوضات.
وقال: "قد تطرح قضية ضغوط أخرى من أطراف عربية (مصر)، وهذا تم الحديث عنه مؤخرا عبر مواقع إعلامية، لكن قوبل برفض فلسطيني".
كما استبعد البرغوثي مبادرة إسرائيل بطرح أي مفاوضات لوقف المسيرات مقابل تحريك ملف "تبادل الأسرى"، قائلا: "إسرائيل تعتبر ملف الجنود بغزة حساسا ويلوي ذراعها، بالتالي لن تقدم أي تنازل فيه".
** تنفيذ التهديدات
بدوره، اعتبر أنطوان شلحت الخبير في الشؤون الإسرائيلية، أن التهديدات الإسرائيلية باغتيال قيادات من حركة "حماس"، في حال تصاعد الأوضاع على حدود غزة، تأتي من أجل شحن ما يسمى "بطارية الردع".
وفي حال عدم تحقق الغاية من تلك التهديدات ـ الردع ـ، هناك احتمال كبير أن تتوجه إسرائيل لتنفيذها، بحسب شلحت.
وكان أفيخاي أدرعي المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي قد قال في تغريدة عبر "تويتر": "لن نسمح أن يواصل قادة حماس الاختباء في غزة فيما يتم إرسال النساء والأطفال إلى الجدار الحدودي".
وأضاف أدرعي "إذا لزم الأمر سنرد في الجدار، وأيضا في عمق القطاع ضد من يقف وراء هذه التظاهرات العنيفة ـ الجناح العسكري لحماس".
ورأى شلحت أن قطاع غزة يعيش في الوقت الحالي في خضم التصعيد العسكري الإسرائيلي، حيث تشن إسرائيل غارات على أهداف متفرقة في قطاع غزة، بدعوى "اختراق سيادتها".
وعن ارتكاب إسرائيل لاعتداءات واسعة حال حدوث اختراق جماعي للسياج الأمني، قال شلحت إن العوامل الداخلية والخارجية تشير إلى أن إسرائيل قد تقدم على ارتكاب مجازر جديدة، خاصة أن لها سوابق في ذلك الأمر، حتى في ظل غياب تلك العوامل الداعمة.