تستعد دفعة جديدة من المدنيين والمقاتلين للخروج الاثنين من جنوب الغوطة الشرقية استكمالاً لاتفاق اجلاء ترعاه روسيا، في وقت تستمر المفاوضات بشأن مصير دوما، آخر معقل للفصائل في المنطقة.
وتشكل خسارة الغوطة الشرقية التي حاصرتها قوات النظام بشكل محكم منذ العام 2013 واستهدفتها بهجوم عنيف منذ 18 شباط/فبراير، ضربة موجعة للفصائل المعارضة تعد الاكبر منذ خسارة مدينة حلب نهاية العام 2016.
وتوصلت روسيا تباعاً مع فصيلي حركة أحرار الشام في مدينة حرستا ثم فيلق الرحمن في جنوب الغوطة الشرقية، الى اتفاقين تم بموجبهما اجلاء آلاف المقاتلين والمدنيين الى منطقة ادلب (شمال غرب)، في عملية من شأنها أن تحكم قبضة قوات النظام على كامل الغوطة الشرقية بعدما باتت تسيطر على اكثر من تسعين بالمئة منها.
وأفادت وكالة الأنباء الرسمية السوري (سانا) الإثنين أنه تم "تجهيز 18 حافلة تقل 1101 شخص بينهم 238 مسلحاً من جوبر وزملكا وعربين وعين ترما في الغوطة الشرقية تمهيدا لنقلهم إلى إدلب".
وأكد الناطق باسم فيلق الرحمن الذي يسيطر على هذه البلدات وائل علوان لفرانس برس أن عملية الاجلاء متواصلة من جنوب الغوطة بموجب الاتفاق مع الجانب الروسي.
وأضاف "لا توجد أعداد واضحة لدينا، المتوقع خروج سبعة آلاف من الثوار والعسكريين ومعهم أهاليهم وجزء من المدنيين، وقد يصل العدد الى نحو ثلاثين ألفاً".
وتعد القافلة التي تستعد الاثنين للتحرك الثالثة التي تخرج من جنوب الغوطة الشرقية حيث تم في اليومين الماضيين اجلاء أكثر من 6400 شخص بين مقاتلين وأفراد عائلاتهم ومدنيين آخرين.
- اشراف روسي-
وتشرف روسيا مباشرة على تنفيذ عملية الاجلاء منذ خروج الحافلات عبر ممر عربين.
وتتوقف الحافلات بعد خروجها عند نقطة تجمع في حرستا، حيث ينتشر ضباط وعناصر روس وفق ما شاهد مراسل فرانس برس. ويستقل عنصر من الشرطة الروسية كل حافلة حتى وصولها الى مناطق سيطرة الفصائل في قلعة المضيق في ريف حماة الشمالي.
ووصلت بعد ظهر الاثنين الى قلعة المضيق عشرات الحافلات التي انطلقت بعد منتصف الليل من جنوب الغوطة الشرقية، حيث كان بانتظارها عشرات المدنيين ومنظمات غير حكومية ومحلية، وفق ما أفاد مراسل فرانس برس.
وقال أبو ليث الذي خرج قبل عشرة أشهر بموجب اتفاق اجلاء من حي القابون في شمال دمشق أثناء انتظاره وصول الحافلات "أنتظر أهل زوجتي بعدما كانوا محاصرين في عين ترما" مضيفاً "ننتظرهم منذ مساء أمس بفارغ الصبر. اشتقنا لهم كثيراً".
وتعرضت الغوطة الشرقية منذ 18 شباط/فبراير لحملة عسكرية عنيفة، تمكنت خلالها قوات النظام من تضييق الخناق وبشكل تدريجي على الفصائل وتقسيم مناطق سيطرتها إلى ثلاثة جيوب منفصلة، ما دفع بمقاتلي المعارضة الى القبول بالتفاوض مع روسيا.
وأدى القصف الجوي والمدفعي في الغوطة إلى مقتل أكثر من 1600 مدني، بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان.
وفي كل عملية اجلاء، يتكرر المشهد في الغوطة الشرقية حيث لا يتمكن بعض الأهالي من حبس دموعهم وهم يهمون بالصعود الى الحافلات وسط شوارع مملوءة بالركام وعلى جانبيها أبنية مهدمة وأخرى تصدعت واجهاتها او طوابقها العلوية جراء كثافة القصف.
ويأتي اخلاء جنوب الغوطة الشرقية حيث لهيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) تواجد محدود، بعد اجلاء اكثر من 4500 شخص من مدينة حرستا بينهم 1400 مقاتل من حركة احرار الشام يومي الخميس والجمعة.
وقبل التوصل الى اتفاقات الاجلاء، تدفق عشرات الآلاف من المدنيين الى مناطق سيطرة قوات النظام مع تقدمها ميدانياً داخل مناطق سيطرة الفصائل. وقدرت دمشق عدد الذين غادروا من بلدات ومدن الغوطة الشرقية منذ نحو أسبوعين بأكثر من 107 آلاف مدني عبر "الممرات الآمنة" التي حددتها الحكومة السورية
- مفاوضات في دوما-
وبعد انتهاء عملية الاجلاء من جنوب الغوطة الشرقية، ستصبح دوما كبرى مدن الغوطة الشرقية، المعقل الأخير للفصائل قرب دمشق، وتحديداً جيش الاسلام الذي يجري مفاوضات مستمرة مع روسيا للتوصل الى اتفاق نهائي بشأن المدينة.
وأعلن الناطق الرسمي باسم جيش الاسلام حمزة بيرقدار في تصريحات الأحد أن "المفاوضات الجارية هي للبقاء وليس للخروج" من المدينة.
وأفادت اللجنة المدنية التي تشارك في التفاوض عن حصول لقاء مع الوفد الروسي، تمت خلاله مناقشة نقاط عدة على أن يعقد اجتماع مقبل الاربعاء.
وعلى عكس الاتفاقات التي تم التوصل اليها في المنطقة حتى الآن، تتطرق المفاوضات بحسب المرصد السوري، الى تحويل المدينة الى منطقة مصالحة، أي "بقاء المقاتلين الموافقين على الاتفاق داخل المدينة" مقابل تسليم أسلحتهم مع "دخول شرطة عسكرية روسية إلى المدينة، وعودة الدوائر الرسمية التابعة للنظام للعمل.. لكن من دون دخول الجيش السوري".
وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لوكالة فرانس برس إن "المفاوضات متواصلة، إلا أنها تأخرت بسبب خلافات داخل فصيل جيش الاسلام"، مشيرا الى أن قادة الفصيل المعارض "منقسمون، وبعضهم يعارض اتفاق الإجلاء".
نقلت صحيفة "الوطن" المقربة من السلطات الاثنين، عن مصادر مطلعة على الملف، توصل الجانب الروسي مساء الأحد إلى "تفاهم أولي" بعد "مفاوضات مكثفة بين الجانبين".
وأوردت أن المفاوضات قد تفضي إلى اتفاق يقضي "بحل جيش الاسلام، وتسليم الأسلحة الثقيلة، وعودة مؤسسات الدولة إلى العمل داخل المدينة". وأشارت الى أن "جميع الأطراف ستقوم بدراسة مضمون التفاهم في مدة ثلاثة أيام".
وجعل النظام السوري، مطلع هذا العام، من استعادة السيطرة على الغوطة الشرقية أولوية له نظرا لرمزيتها الكبيرة بسبب قربها من العاصمة، وهي تعد من أولى المناطق التي شهدت تظاهرات احتجاج مناهضة للنظام في عام 2011.
وخلال سنوات النزاع، شهدت مناطق سورية عدة بينها مدن وبلدات قرب دمشق عمليات إجلاء لآلاف المقاتلين المعارضين والمدنيين بموجب اتفاقات مع القوات الحكومية إثر حصار وهجوم عنيف، أبرزها الأحياء الشرقية في مدينة حلب نهاية العام 2016.