دخلت الهدنة الإنسانية التي أعلنتها روسيا لخمس ساعات حيز التنفيذ في الغوطة الشرقية المحاصرة قرب دمشق بعد نحو عشرة أيام من القصف العنيف الذي أودى بحياة أكثر من 560 مدنياً.
وتأتي الهدنة الروسية بعد أربعة أيام على تبني مجلس الأمن الدولي قراراً ينص على وقف شامل لاطلاق النار في سوريا "من دون تأخير"، لكنه لم يمنع استمرار قوات النظام استهدافها للمنطقة المحاصرة وإن بوتيرة أقل.
وأفاد مراسلان لفرانس برس في الغوطة الشرقية عن هدوء صباح الثلاثاء وخروج بعض السكان من ملاجئهم لتفقد ممتلكاتهم وشراء الحاجيات.
وأورد المرصد السوري لحقوق الانسان أن "الهدوء يسود مدن وبلدات غوطة دمشق الشرقية مع دخول الهدنة حيز التنفيذ".
ويُفترض ان تطبق الهدنة يومياً لمدة خمس ساعات على أن يُفتح خلالها "ممر" عند معبر الوافدين شمال شرق مدينة دوما لخروج المدنيين، وفق الإعلان الروسي.
وقال سامر البويضاني (25 عاماً)، أحد سكان مدينة دوما، "هذه الهدنة (الروسية) مهزلة، روسيا تقتلنا يومياً وتقصفنا يومياً"، معرباً عن رفضه للخروج عبر الممر الذي أعلنت عنه موسكو.
وقال "أنا لا أؤمن على نفسي أو على أهلي الخروج لناحية النظام (...) في حال وافقت وخرجت سيقوم مباشرة بتجنيدي لقتال السوريين".
ونقل التلفزيون الرسمي السوري بثاً مباشراً من معبر الوافدين حيث توقفت حافلات في المكان الذي خيم عليه الهدوء.
ومنذ بدء التصعيد العسكري في 18 شباط/فبراير، وثق المرصد السوري مقتل أكثر من 560 مدنياً بينهم نحو 140 طفلاً. وترافق التصعيد مع تعزيزات عسكرية لقوات النظام في محيط الغوطة الشرقية تنذر بهجوم بري واسع.
وأفاد مكتب الأمم ا لمتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية أن أكثر من 700 شخص بحاجة إلى إخلاء طبي من الغوطة الشرقية، التي تعرضت "76 في المئة" من منازلها لأضرار جراء القصف.
- "سيناريو حلب" -
وأورد مركز المصالحة التابع للجيش الروسي في قاعدة حميميم الجوية أن قرار الهدنة اتخذ "بالتنسيق مع السلطات السورية"، مشيراً إلى أنها تتعلق مناطق معينة في الغوطة الشرقية.
ويأتي إعلان موسكو مع تأكيد أبرز الفصائل المعارضة في الغوطة الشرقية، وبينها جيش الاسلام وفيلق الرحمن، رفضها أي "تهجير للمدنيين أو ترحيلهم".
وسبق لروسيا أن أعلنت خلال معارك مدينة حلب (شمال) في العام 2016 هدناً انسانية مماثلة بهدف اتاحة المجال أمام سكان الأحياء الشرقية للخروج، لكن من غادروا كانوا قلة اذ عبر كثيرون عن شكوكهم بشأن الممرات التي حددت كطرق آمنة.
وانتهت معركة حلب باجلاء آلاف المقاتلين المعارضين والمدنيين في كانون الأول/ديسمبر العام 2016.
وفي مدينة حمورية، شاهد مراسل لوكالة فرانس برس رجلاً يزيل ركام جدار شقته الذي انهار جراء القصف، ومرّ في الشارع أمامه بضعة أشخاص سيرا على الأقدام أو على دراجات نارية.
وطغى الدمار على المشهد في حمورية الذي تحولت فيها مبان إلى جبال من الأنقاض وأخرى فقدت واجهاتها.
وقال محمد العبد الله (30 عاماً) من حمورية "نحن أمام خيارين: الموت او التهجير، الحملة التي مرت علينا كانت حملة إبادة"، مضيفاً "نتمنى هدنة دائمة على مستوى الغوطة كلها وأن يفتحوا لنا المعابر الإنسانية أو يهجرونا من دون قتل".
ورجح العبد الله عدم نجاح الممرات "نتيجة معارضة الفصائل لها وغياب الضمانات"، مضيفاً "نريد ضمانات دولية لإخراج المصابين اولا وكبار السن ثم نفكر بعدها أن كأشخاص مدنيين".
وأوضح "رأينا التجربة التي مرت في حلب، السيناريو ذاته يعيد نفسه".
- "أفضل من لا شيء" -
طالبت واشنطن الاثنين موسكو بأن تستخدم "نفوذها" على النظام السوري لوقف القصف على الغوطة الشرقية.
وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الاميركية هيذر نويرت أن "روسيا لديها النفوذ لوقف هذه العمليات العسكرية إن هي اختارت احترام التزاماتها المنصوص عليها في قرار وقف اطلاق النار الصادر عن مجلس الامن الدولي".
وتعليقاً على الهدنة الروسية، اعتبر المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفن دوجاريك أن "خمس ساعات أفضل من لا شيء. لكن نريد أن نرى تمديداً لأي وقف للأعمال القتالية لثلاثين يومياً كما صدر عن مجلس الأمن".
ويطلب قرار مجلس الأمن الدولي من "كل الاطراف بوقف الاعمال الحربية من دون تأخير لمدة 30 يوماً متتالية على الأقل في سوريا من اجل هدنة انسانية دائمة" لافساح المجال أمام "ايصال المساعدات الانسانية بشكل منتظم واجلاء طبي للمرضى والمصابين بجروح بالغة".
ويستثني قرار مجلس الأمن العمليات العسكرية ضد تنظيم الدولة الاسلامية وتنظيم القاعدة وجبهة النصرة في اشارة الى هيئة تحرير الشام وكل المجموعات والاشخاص المرتبطين بها.
وتفتح هذه الاستثناءات الطريق امام تفسيرات متناقضة لا سيما أن دمشق تعتبر فصائل المعارضة "ارهابية"، ما من شانه أن يهدد الاحترام الكامل لوقف اطلاق النار.