يتوجه البابا فرنسيس، الاثنين 15 يناير/كانون الثاني 2018، للمرة السادسة، إلى أميركا اللاتينية، لكنه يتجنب مرة أخرى مسقط رأسه الأرجنتين، ويطرح هذا الخيار تساؤلات لا تنتهي.
وأوجز المؤرخ الإيطالي جياني لا بيلا، من مجموعة سانت إيجيديو الكاثوليكية التي تضطلع بدور الذراع الدبلوماسية غير الرسمية للفاتيكان، المسألة بالقول: "في كل رحلاته، يواجه خطر استغلاله. لكن مستوى هذا الخطر عالٍ جداً في الأرجنتين".
وخلال 5 سنوات منذ تولِّيه المنصب، زار البابا -وهو أول أميركي/لاتيني يصل إلى المنصب- قِسماً كبيراً من بلدان أميركا اللاتينية، بدءاً بالبرازيل والباراغواي وبوليفيا وكوبا أيضاً، والإكوادور وكولومبيا. كذلك، توافرت مناسبات عديدة لتوجيه نداءات من أجل المصالحة والسلام والحوار.
ويعتبر عدد كبير من المراقبين، بالفاتيكان والأرجنتين، أن رسائله تنطوي على معنى خاص في بلاده، حيث غالباً ما تفسَّر بأنها تدخُّلات سياسية أو انتقادات فعلية موجَّهة الى الرئيس الأرجنتيني الليبرالي ماوريسيو ماكري.
وقال المؤرخ لا بيلا، الذي رافق البابا في سبتمبر/أيلول 2017، إلى كولومبيا التي عانت نزاعاً مسلحاً استمر أكثر من 50 عاما: "أعتقد أن البابا فرنسيس يتخوف من أن تسيء حالة الاستقطاب القوي الذي تعيشه الأرجنتين إلى مهمته الرعوية".
واعتبر غوستافو فيرا، الناشط الاجتماعي الأرجنتيني الذي كان على صلة وثيقة بخورخي برغوليو في بوينس آيرس: "لطالما دافع عن ثقافة اللقاء والحوار والبحث عن النقاط المشتركة، من خلال العمل على المدى البعيد من أجل مصلحة الجماعة. واعتقد في المقابل أن الأرجنتين لم تحرز تطوراً نحو التشاور والحوار والسياسات الحقيقية للدولة الجديرة بهذا الاسم".
"عامل انقسام"
وأضاف أن قرار عدم العودة إلى البلد الذي أمضى فيه حياته كلها تقريباً، شخصي جداً على ما يبدو. وقال: "يحاول ألا يكون عاملَ انقسام، أو انتهازية، أو تعصُّب. أعتقد أنه يتمسك بهذا التوجه حتى النهاية. أعتقد أن البابا فرنسيس سيأتي إلى بلده العزيز، إلى وطنه العزيز، عندما سيشعر بأنه عامل يوحِّد ويؤمِّن ظروفاً للحوار".
وقد عدَّدت الخبيرة الفاتيكانية الإيطالية فرانكا جيانسولداتي في الفترة الأخيرة، مختلف الأسباب الممكنة لتفسير تحفُّظ البابا فرنسيس على زيارة مسقط رأسه، حيث لا بد أن تستقبله الجموع الغفيرة بالترحاب.
وقالت إنه يريد أن يحول "دون أن تستخدمه الحكومة الحالية التي تطبق سياسة اجتماعية لا يؤيدها، ويريد أن يحول دون تمييز بلاده عن البلدان الأخرى؛ لأن البابا يريد الاضطلاع بدور كوني، ولتجنب الحنين والرغبة في العودة إلى أماكن يحبها وعزيزة على قلبه".
وقد وجه الأساقفة الأرجنتينيون إلى البابا فرنسيس دعوةً لزيارة الأرجنتين، 5 مرات على الأقل، وانتهوا إلى خلاصة ممزوجة بالمزاح بأن الأرجنتينيين لا يشعرون بأنهم محبوبون.
وما زالت الأرجنتين غير مدرَجة في لائحة رحلاته في 2018.
وكان البابا فرنسيس قال قبل سنة، إن "العالم أكبر من الأرجنتين، ويجب الاقتناع بذلك. أضع نفسي بين يدي الرب حتى يدلني على الطريق".
ويولِّد الرفض القاطع من البابا لزيارة مسقط رأسه الأرجنتين، مجموعة من التكهنات. وقال جوليان، المتقاعد الأرجنتيني (65 عاماً): "لديه بالتأكيد أسبابه، ويعرف جيداً الوضع في البلاد، حتى لا يأتي. أعتقد أن ذلك نوع من العقوبة الموجهة إلى حكومة ماكري والتي يستحقها".
استقبل البابا، الذي يوجه عموماً انتقادات حادة إلى السياسات الليبرالية وهيمنة المال، في فبراير/شباط 2016، الرئيس ماكري إثر انتخابه، وسط أجواء رسمية جداً طغت عليها برودة كبيرة.
ويَعرف الرجلان بعضهما معرفة جيدة، فقد كان الأول رئيس أساقفة بوينس آيرس فترة طويلة، والثاني رئيس بلدية العاصمة الأرجنتينية.