"أقسم بالله شفيق لم يتراجع ولا يزال يدرس قرار ترشحه للرئاسة".. بهذا القسم دافع مسؤول بارز في حزب رئيس وزراء مصر الأسبق، أحمد شفيق، عن الأخير، المتهم بإضفاء الغموض على قراره النهائي بشأن استمرار اعتزامه الترشح للانتخابات الرئاسية، عام 2018، أو التراجع.
غير أن ثلاثة مصادر سياسية، أحدها قريب الصلة من شفيق والآخيرين مطلعان على التحالفات السياسية، يذهبون إلى تراجع متوقع لشفيق، الفريق العسكري المتقاعد، تحت وطأة "ضغوط كبيرة يتعرض لها"، إلا إذا حدثت تطورات غير متوقعة (لم يحددوها).
ومرَّ نحو شهر على إعلان شفيق اعتزامه الترشح للرئاسة، منذ عودته الإجبارية إلى مصر قادمًا من الإمارات على غير ما كان معلنًا من بجولة انتخابية تبدأ من فرنسا، ورغم ذلك لم يحسم موقفه بشكل نهائي، فيما يقترب ماراثون الرئاسة.
وفي 29 نوفمبر/ تشرين ثانٍ الماضي، أعلن شفيق (76 عاما)، عبر بيان متلفز بثه من مقر إقامته بالعاصمة الإماراتية أبو ظبي، اعتزامه الترشح للانتخابات الرئاسية، التي يعد الرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي (63 عاما)، أبرز المرشحين المحتملين لخوضها.
وعاد شفيـق، الذي حصل على أكثر من 12 مليون صوت (49% من الأصوات) في رئاسيات 2012، إلى مصر على متن طائرة خاصة بقرار من السلطات الإماراتية، يوم 2 ديسمبر/ كانون أول الجاري، بعد تسجيله فيديو بثته قناة "الجزيرة" القطرية، قال فيه إن الإمارات تمنعه من مغادرة أراضيها، وهو ما نفته أبو ظبيا.
** غموض يعزز التراجع
مما يعزز، خيار تراجع شفيق عن خوض الانتخابات هو تصريحه في 3 ديسمبر/ كانون أول الجاري عبر فضائية مصرية، حيث نفى سوء معاملته من قبل السلطات المصرية أو احتجازه لدى عودته من الإمارات، مضيفا أنه سينزل الشارع لفحص وتحرى صحة قراره الترشح من عدمه، ما اعتبره محللون تراجعا ضمنيا عن الترشح.
هذا الغموض يقرأه السياسي المصري، ممدوح حمزة، في حديث مع الأناضول، ضمن مقدمات عدم خوض شفيق للرئاسيات المقبلة، مستدركًا "إلا إذا تغيرت الأمور في مصر"، دون توضيح.
ويستبعد أن يكون وراء غموض موقف شفيق مناورة سياسية، قائلاً: "ما أعلمه أن شفيق كان مصممًا على الترشح، ولكنه تعرض لضغوط (لم يحددها) هزت موقفه".
ويستند حمزة في حديثه إلى "كون شفيق ليس حرًا في تحركاته أو أحاديثه الصحفية، حتى أنه غير مسموح له بإجراء أية مشاورات أو لقاءات مع قوى وشخصيات سياسية وحزبية".
وسبق أن كشفت محامية شفيق، دينا عدلي، عن تواجده في أحد الفنادق شرقي القاهرة، لحين تجهيز منزله، فيما ذكرت تقارير صحفية أنه يخضع لمراقبة أمنية مشددة.
ولم يتسن الحصول على تعقيب رسمي بشأن طبيعة ما يثار عن تضييقات مفروضة على شفيق، إثر إعلان اعتزامه الترشح للرئاسة.
لكن وزير الخارجية المصري، سامح شكري، أعلن، بوجه عام، مطلع الشهر الجاري، أنه "من حق أي شخص الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، شريطة توافر الشروط القانونية فيه".
** قرار مفتوح
ويكشف الناشط السياسي المصري المعارض، حازم عبد العظيم، أن شفيق أخبره، خلال لقائهما في مقر إقامته الفندقي (لم يحدد الموعد)، أنه ترك قرار الترشح للرئاسة مفتوحا حتى تظهر أمور جديدة، "لأنه اتضح لديه أن كل شيء تحت سيطرة النظام الحاكم".
ويوضح عبد العظيم، في حديث مع الأناضول، أن "شفيق لن يقبل بأن يؤدي دور كومبارس (دور الممثل المساعد) في الانتخابات الرئاسية كما يريد البعض".
وخلال البيان الذي بثه من الإمارات، حمل شفيق النظام الحاكم مسؤولية ما تعانيه مصر من مشكلات، رغم أنها ليست فقيرة، وتمتلك ثروة بشرية هائلة، كما قال.
وواجه شفيق اتهامات في قضايا فساد نال البراءة في أغلبها وأسقطت أخرى، قبل أن ترفع السلطات اسمه من قوائم الترقب والوصول، في نوفمبر/ تشرين ثانٍ 2016.
ووفق القانون المصري، يحتاج شفيق، الذي يلاحق حاليا ببلاغات قضائية، كي يترشح للرئاسيات، إلى الحصول على توقيع 20 نائبا من نواب البرلمان، الذي يتألف من 596 نائبا، ويهمين عليه ائتلاف يدعم السيسي.
وحزب الحركة الوطنية، الذي يترأسه شفيق، لديه أربعة نواب فقط في البرلمان.
وإذا لم يتمكن شفيق من الحصول على توقيع عشرين نائبا، فعليه جمع 25 ألف توكيل من مواطنين في 15 محافظة (من أصل 27 محافظة)، وبحد أدنى ألف مؤيد من كل محافظة.
** كواليس الغموض
وخلال نحو شهر، ظهر شفيق في لقاءين بمقر إقامته مع قيادات بحزبه، خرج عنهما بيانان يفيدان بأنه لا يزال يبحث قرار الترشح، دون أن يعلن عن أي لقاء مع قوى سياسية مؤيدة أو معارضة بالبلاد.
ويقول الناشط السياسي ممدوح حمزة إنه حصول على "معلومات بأن شفيق غير مسموح له بالتشاور مع أحد من الأحزاب أو القوى السياسية".
وهو ما يتفق معه الأكاديمي المصري، حازم حسني، أحد المطلعين على التحالفات السياسية في مصر.
ويقول حسني للأناضول إن "إذا كان شفيق يلتقي بشخصيات سياسية كما يقول حزبه فهذا أكبر دليل على أنه لا يعتمد على الحزب، إن كان من الأساس يلتقي بأحد".
ويضيف: "المؤكد لدى أن شفيق تعرض لضغوط حتى لا يترشح للرئاسة، وكان جادا في قرار ترشحه واستراتيجيته التي خطط لها، وهي السفر إلى عدد من الدول لترتيب أموره حتى يعود إلى مصر على أرض صلبة".
ويدعو حسني إلى "الفصل بين شفيق وحزبه السياسي"، مبررا بأن "الحزب يبحث عن مكاسب سياسية، ولا يمكن اعتباره مرجعية في ترشح شفيق".
ولم تعلن أية قوى سياسية أو حزبية لقائها بشفيق، سوى قيادات حزبه والسياسي المعارض، حازم عبد العظيم، وهو يقول: "تجمعني بالفريق علاقات إنسانية وشخصية وليست سياسية، لذا كان واجبا عليه زيارته بعد عودته إلى القاهرة".
ويتوقع حسني أن يستمر ما وصفه بالغموض في موقف شفيق إلى أن يستطع ترتيب أوراقه، وبناء عليها إما يقرر الترشح أو التراجع.
ومقابل احتمال تراجع شفيق، قال حسن نافعة، المحلل السياسي المصري البارز، في حديث سابق للأناضول: "لدي معلومات مؤكدة أن شفيق لم يعدل عن فكرة الترشح، وكان على اتصال دائم طوال الأشهر الثلاثة الماضية لمحاولة إقناع آخرين (لم يسمهم) بتأييده، ولا يزال النقاش دائرا حوله".
** لا تراجع لا ضغوط
بينما ينفي رؤوف السيد، نائب رئيس حزب الحركة الوطنية الذي يترأسه شفيق، ما يتردد عن وجود ضغوط يتعرض لها الفريق بقوله: "هذا حديث أناس تريد الظهور الإعلامي".
ويستنكر السيد، في تصريح للأناضول، حديث البعض عن قرار شفيق بالتراجع، قائلاً: "أقسم بالله هذا غير حقيقي، شفيق لم يتراجع ولم يتعرض لضغوط وفي الوقت ذاته لم يحسم الترشح، ولايزال يدرس القرار.. شفيق منافس عتيد".
وحول مستقبل شفيق يوضح السيد أنه "لن يغادر مصر ثانية لو قرر عدم الترشح، وسيظل يمارس عمله السياسي من خلال رئاسة حزب الحركة الوطنية".
وأفادت صحيفة الأخبار الحكومية، الشهر الماضي، بأن الهيئة الوطنية للانتخابات (مستقلة) ستعلن الجدول الزمني لرئاسيات 2018 نهاية ديسمبر/ كانون أول الجاري، وسط أنباء عن أن عدد من يحق لهم التصويت في هذه الانتخابات يبلغ 57 مليونا و600 ألف ناخب.
واعتبر محللون، في أحاديث للأناضول في وقت سابق، أن شفيق حال ترشحه سيكون منافسًا حقيقيًا" للسيسي، لا سيما وأن القاعدة الجماهيرية التي انتخبت السيسي في 2014 هي ذاتها التي انتخبت شفيق، عام 2012، في الانتخابات التي خسرها أمام محمد مرسي، أول رئيس مدني مصري منتخب ديمقراطيا.
وتولى السيسي الرئاسة في 8 يونيو/ حزيران 2014، لمدة أربع سنوات، إثر فوزه في أول انتخابات رئاسية بعد الإطاحة بمرسي، حين كان السيسي وزيرا للدفاع، في 3 يوليو/ تموز 2013.
ومن المتوقع ترشح السيسي لفترة رئاسية ثانية، بجانب إعلان آخرين، في الفترة الأخيرة، اعتزامهما ذلك، وهما: المحامي اليساري خالد علي والسياسي محمد أنور عصمت السادات، نجل شقيق الرئيس الراحل، أنور السادات (1970-1981).