أبلغ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عدد من رؤساء الدول العربية، في اتصالات هاتفية أجراها أمس الثلاثاء معهم، نيته نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، برغم صدور تحذيرات عربية وعالمية من أن ينسف ذلك عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية.
ولم يحدد ترامب، خلال اتصالاته مع القادة العرب، موعدا لإتخاذ قراره المزمع والمثير للجدل بشكل رسمي. لكن المتحدثة باسم البيت الأبيض "ساره ساندرز" أعلنت، أمس الثلاثاء، في مؤتمرها الصحافي اليومي، أن الرئيس ترامب سيلقي اليوم الأربعاء كلمة بشأن موضوع القدس.
وقالت ساندرز للصحفيين "أعرف ان هناك الكثير من التساؤلات بشأن مشروع الرئيس حول القدس. ان الرئيس سيدلي بتصريح غدا" بهذا الشأن.
وأعرب معظم القادة العرب الذين تواصل معهم الرئيس الأمريكي، عن مخاوفهم من خطورة اتخاذ مثل هذا القرار المستفز لمشاعر المسلمين، وحذروا من أن خطوة كهذه ستنسف عملية السلام المعقدة من عقود بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
واعلنت الرئاسة الفلسطينية مساء الثلاثاء ان الرئيس الاميركي أبلغ الرئيس عباس "نيته نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس".
ولم يتضح من اعلانها ما اذا كان ترامب ينوي نقل السفارة على الفور او في المستقبل القريب. وحذر عباس "من خطورة تداعيات مثل هذا القرار على عملية السلام والأمن والاستقرار في المنطقة والعالم".
وقال المتحدث باسم الرئاسة نبيل ابو ردينة "يؤكد الرئيس مجدداً على موقفنا الثابت والراسخ بأن لا دولة فلسطينية دون القدس الشرقية عاصمة لها وفقاً لقرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية".
واشار الى أن عباس "سيواصل اتصالاته مع قادة وزعماء العالم من أجل الحيلولة دون اتخاذ مثل هذه الخطوة المرفوضة وغير المقبولة".
كما ابلغ ترامب العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني عزمه المضي قدما في هذه الخطوة. وافاد بيان للديوان الملكي أن ترامب اتصل هاتفيا بالعاهل الاردني مساء الثلاثاء حيث اطلعه "على نيته بالمضي قدما في نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس".
ولاحقا دعت الأردن لاجتماع للجامعة العربية ولمنظمة التعاون الإسلامي حول قرار ترامب بشأن القدس.
وفي وقت لاحق، حذر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز واشنطن من نقل سفارتها الى القدس، قائلا إن مثل هذا القرار "يستفز مشاعر المسلمين" في العالم.
ونقلت قناة "الاخبارية" عن الملك قوله اثناء محادثة هاتفية مع ترامب أن قرار نقل السفارة "خطوة خطيرة تستفز مشاعر المسلمين كافة حول العالم".
وفي القاهرة، افاد بيان للمتحدث باسم الرئاسة "باسم راضي" أن الرئيس عبد الفتاح السيسي أكد اثناء محادثة هاتفية مع ترامب "ضرورة العمل على عدم تعقيد الوضع بالمنطقة من خلال اتخاذ إجراءات من شأنها تقويض فرص السلام في الشرق الأوسط".
وتابع انه أكد "الموقف المصري الثابت بشأن الحفاظ على الوضعية القانونية للقدس في إطار المرجعيات الدولية والقرارات الأممية ذات الصلة".
وفي الرباط، عبر الملك محمد السادس، وهو رئيس لجنة القدس المنبثقة عن منظمة التعاون الإسلامي التي تضم 57 دولة، في رسالة موجهة للرئيس الأمريكي، ونشرتها الوكالة الرسمية، عن قلقه "الشخصي العميق، والبالغ الذي ينتاب الدول والشعوب العربية والإسلامية" ازاء قرار محتمل له بهذا الخصوص.
وقال الملك المغربي في رسالته لترامب "إن القدس يجب أن تبقى أرضا للتعايش".
وأعلنت الخارجية القطرية "رفض دولة قطر التام لأي إجراءات للاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل".
واعتبرت جامعة الدول العربية في ختام اجتماع طارئ الثلاثاء أن أي اعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل هو "اعتداء صريحا على الأمة العربية".
بدوره، حذر رئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية من ان نقل السفارة من تل ابيب الى القدس سيشكل "تجاوزا لكل الخطوط الحمر".
تحذيرات ومخاوف دولية
وقال الرئيس التركي رجب طيب اردوغان في خطاب بثه التلفزيون "السيد ترامب! القدس خط احمر للمسلمين" في موقف يعكس تحذيرات صدرت ايضا من عدة قادة في الشرق الاوسط.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، أيضا، أعرب لترامب عن قلقه من احتمال اعتراف واشنطن بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وحذرت وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي فيديريكا موغيريني اثر اجرائها محادثات مع وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون في بروكسل من اي خطوة من شأنها نسف جهود استئناف عملية السلام "يجب تجنبها".
وقالت موغيريني "يجب ايجاد حل عبر المفاوضات للتوصل الى حل لوضع القدس باعتبارها عاصمة لدولتين (اسرائيلية وفلسطينية) في المستقبل بطريقة تلبي تطلعات الطرفين".
كما حذر الأمين العام للأمم المتحدة من "أي إجراء أحادي بشأن القدس يؤدي لتقويض حل الدولتين".
خلفية المشروع الأمريكي
واحتلت اسرائيل القدس الشرقية في عام 1967، واعلنتها عاصمتها الابدية والموحدة في 1980 في خطوة لم يعترف بها المجتمع الدولي وضمنه الولايات المتحدة.
وفي عام 1995، أقرّ الكونغرس الاميركي قانونا ينص على "وجوب الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة اسرائيل"، ويطالب بنقل السفارة من تل أبيب الى القدس.
ورغم ان قرار الكونغرس ملزم، لكنه يتضمن بندا يسمح للرؤساء بتأجيل نقل السفارة ستة أشهر لحماية "مصالح الامن القومي".
وقام الرؤساء الاميركيون المتعاقبون من الحزبين الديموقراطي والجمهوري بصورة منتظمة بتوقيع أمر تأجيل نقل السفارة مرتين سنويا، معتبرين ان الظروف لم تنضج لذلك بعد. وهذا ما فعله ترامب في حزيران/يونيو الماضي.
وكان ترامب تعهد في حملته الانتخابية بنقل السفارة، ولكنه قام بالتأجيل من اجل "اعطاء فرصة" امام السلام.
ويعتبر المجتمع الدولي القدس الشرقية مدينة محتلة. ويرغب الفلسطينيون في جعلها عاصمة لدولتهم المنشودة.
يقول البيت الابيض ان مثل هذه الخطوة لا تهدد محادثات الوضع النهائي للقدس. لكنها في المقابل قد تقضي على جهود ترامب للتوصل الى تسوية سلمية في الشرق الاوسط وتشعل منطقة تشهد اساسا عدة ازمات من لبنان الى سوريا وصولا الى العراق واليمن وقطر.
متى؟
وقد أعلن البيت الابيض مساء الاثنين ان ترامب أرجأ قراره في شأن نقل السفارة الاميركية في اسرائيل الى القدس، علما أن المهلة المحددة لاتخاذ قرار بهذا الشأن انتهت الاثنين.
وقال متحدث باسم البيت الابيض ان "الرئيس كان واضحا حيال هذه المسالة منذ البداية: السؤال ليس هل (ستنقل السفارة من تل ابيب الى القدس) بل السؤال هو متى" سيتم نقلها.
وأعتبر وزير الدفاع الاسرائيلي افيغدور ليبرمان أن هذه "فرصة تاريخية لتصحيح الظلم".
لكن مراقبين يرون ان ترامب قد ينجح في تأجيل نقل السفارة عبر الاكتفاء في الوقت الحالي بالاعتراف بطريقة او بأخرى بالقدس رسميا عاصمة لاسرائيل. وقد يعلن عن قراره الثلاثاء او الاربعاء، بحسب ما اوردت وسائل الاعلام ومسؤولون اميركيون.
وتتجه أنظار العالمين الإسلامي والعربي، بشكل خاص، إلى العاصمة الأمريكية واشنطن اليوم الأربعاء بانتظار ما سيقوله الرئيس الأمريكي في خطابه المزمع بهذا الشأن، وسط كل تلك التحذيرات التي تلقاها، وما إذا كان سيتجاهلها ويمضي قدما في تنفيذ مشروعه المتعارض مع القرارات الدولية المتصلة، ومبادرة السلام العربية.
- المصدر: يمن شباب نت + وكالات