اتسع يوم الاثنين فيما يبدو نطاق حملة مكافحة الفساد التي شملت أفرادا من العائلة الحاكمة السعودية ووزراء ورجال أعمال بعد تردد أنباء عن اعتقال مؤسس واحدة من أكبر شركات السياحة في المملكة.
وهبط مؤشر البورصة السعودية بنسبة 1.1 بالمئة في التعاملات المبكرة ونزل سهم مجموعة الطيار للسفر السعودية بنسبة عشرة بالمئة بعد دقائق من بدء التداول بعد أن نقلت الشركة عن تقارير إعلامية قولها إن السلطات أوقفت ناصر بن عقيل الطيار عضو مجلس إدارة الشركة.
ولم تذكر الشركة مزيدا من التفاصيل لكن صحيفة سبق الإلكترونية الاقتصادية التي تربطها صلات وثيقة بالحكومة ذكرت أن الطيار اعتقل في إطار تحقيق تجريه هيئة عليا جديدة لمكافحة الفساد يرأسها ولي العهد محمد بن سلمان.
واعتقل عشرات الأشخاص في إطار الحملة التي تعزز قبضة الأمير محمد على السلطة في حين تقلق الكثير من مؤسسات الأعمال التقليدية. وقال مسؤولون في مطلع الأسبوع إن الملياردير الأمير الوليد بن طلال أحد أبرز رجال الأعمال السعوديين المعروفين دوليا ضمن المقبوض عليهم.
وتحدت صحيفة عكاظ السعودية في صفحتها الأولى يوم الاثنين رجال الأعمال أن يكشفوا عن مصادر أصولهم قائلة في عنوان باللون الأحمر ”من أين لك هذا؟“
وحذر عنوان آخر نشرته صحيفة الحياة المملوكة للسعودية يقول ”’من أين لك هذا؟’ تطوق الأعناق... بعد تفعيل ‘كائنا من كان’.“
وذكرت صحيفة الشرق الأوسط أنه تم إعداد قائمة بأسماء الممنوعين من السفر وأن قوات الأمن في بعض مطارات المملكة تمنع الطائرات الخاصة من الإقلاع بدون تصريح.
وقال مسؤولون سعوديون إن من بين المعتقلين 11 أميرا وأربعة وزراء حاليين وعشرات الوزراء السابقين.
وقال مسؤول سعودي لرويترز إن من بين الاتهامات الموجهة لهم غسل الأموال وتقديم رشا وابتزاز بعض المسؤولين واستغلال النفوذ لتحقيق مصالح شخصية. ولم يتسن التحقق بشكل مستقل من هذه الاتهامات أو الاتصال بأسر المقبوض عليهم.
وأفاد أمر ملكي صدر يوم السبت أن الحملة تأتي ”نظرا لما لاحظناه ولمسناه من استغلال من قبل بعض ضعاف النفوس الذين غلبوا مصالحهم الخاصة على المصلحة العامة، ... مستغلين نفوذهم والسلطة التي اؤتمنوا عليها في التطاول على المال العام وإساءة استخدامه واختلاسه متخذين طرائق شتى لإخفاء أعمالهم المشينة“.
ومن سلطات الهيئة الجديدة لمكافحة الفساد مصادرة الأصول في الداخل والخارج قبل صدور نتائج التحقيقات. ويخشى المستثمرون أن تسفر الحملة في نهاية الأمر عن بيع إجباري لأصول لكن لم يتضح إلى أي مدى تصل نوايا السلطات.
* ”إجراء مبالغ فيه“
يقول محللون إن الحملة إجراء استباقي آخر من ولي العهد البالغ من العمر 32 عاما لاستبعاد شخصيات قوية بينما يسعى لإعادة تشكيل الاقتصاد والمجتمع في أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم.
وقد تم احتجاز الأمير متعب بن عبد الله وزير الحرس الوطني، أحد مراكز القوى الرئيسية التي تضرب بجذورها في قبائل المملكة، بعد إعفائه من منصبه وحل محله الأمير خالد بن عياف.
وأعاد ذلك للأذهان قرارا اتخذه الملك سلمان في يونيو حزيران بتعيين ابنه الأمير محمد وليا للعهد بدلا من ابن عمه الأمير محمد بن نايف الذي أعفي أيضا من منصب وزير الداخلية.
وتعزز الخطوة سيطرة الأمير محمد على الأمن الداخلي والمؤسسات العسكرية في المملكة التي تسيطر عليها منذ زمن بعيد أفرع مختلفة من الأسرة الحاكمة.
لكن العديد من المحللين حيرهم استهداف مسؤولين مثل وزير الاقتصاد السابق عادل فقيه ورجال أعمال بارزين تعول المملكة عليهم في إنعاش القطاع الخاص وتنويع موارد الاقتصاد بحيث لا يعتمد على قطاع النفط وحده.
وقال جريج جوز الخبير في شؤون منطقة الخليج بجامعة تكساس ايه اند ام ”يتعارض ذلك فيما يبدو مع الهدف طويل الأمد للاستثمار الأجنبي والمزيد من الاستثمار المحلي وتقوية القطاع الخاص“.
وأضاف ”إذا كان هدفك فعلا هو مكافحة الفساد فإنك ترفع بعض القضايا. لا أن تقبض على مجموعة من علية القوم مما يؤكد أن حكم القانون ليس حقيقة ما يوجه أفعالك. إن هذا يتعارض تماما مع ما علق الكثير من خطته العامة عليه“.
وخلال العام المنصرم أصبح الأمير محمد صاحب القرار النهائي في شؤون الجيش والسياسات الخارجية والاقتصادية والاجتماعية وقاد الترويج لخطته ”رؤية المملكة 2030“ التي تشمل خفض الدعم وزيادة الضرائب وبيع بعض أصول الدولة وتعزيز كفاءة الحكومة وبذل الجهود لجذب الاستثمار الأجنبي.
وحظيت الإصلاحات بتأييد كبير بين العدد الكبير من السكان الشباب في المملكة لكنها تواجه مقاومة من بعض أفراد الحرس القديم ومنهم بعض أفراد الأسرة الحاكمة الذين أحبطهم الصعود الصاروخي للأمير محمد.
وقال جوز ”إنها (إجراءات) مبالغ فيها- بدرجة تجعل من الصعب تحقيق أهدافه بعيدة المدى“.
* ”طال انتظارها“
الخط الفاصل بين المال العام وأموال الأسرة الحاكمة غير واضح دائما في السعودية حيث نظام الحكم هو ملكية مطلقة يحكمها نظام إسلامي لا تكون فيه أغلب القوانين مقننة بشكل ممنهج ولا يوجد بها برلمان منتخب.
وأظهرت برقيات ويكيليكس تفاصيل الرواتب الشهرية الضخمة التي يتلقاها كل أمير في الأسرة الحاكمة فضلا عن عدة برامج استثمارية استخدمها البعض للإنفاق ببذخ.
وقد أشاد عدد كبير من المواطنين السعوديين بالحملة باعتبارها مطلوبة منذ فترة طويلة وضرورية لتحديث الاقتصاد.
وفي سبتمبر أيلول الماضي أعلن الملك سلمان أنه سيتم رفع حظر على قيادة النساء للسيارات وفي الوقت نفسه يحاول الأمير محمد كسر محظورات ظلت قائمة لعشرات السنين بالترويج لوسائل الترفيه وقدوم السياح الأجانب إلى المملكة.
كما خفض الإنفاق الحكومي على بعض المجالات ويعتزم بيع أصول مملوكة للدولة تقدر قيمتها بنحو 300 مليار دولار بما في ذلك طرح حصة من أسهم شركة أرامكو عملاق صناعة النفط السعودية في أسواق المال العالمية.
لكن الأمير قاد السعودية كذلك إلى حرب مستمرة منذ عامين في اليمن حيث تقول الحكومة إنها تقاتل ميليشيات موالية لإيران وإلى خلاف مع قطر المجاورة التي تتهمها المملكة بمساندة الإرهاب وتنفي الدوحة ذلك. ويقول منتقدو الأمير إن كلا من هاتين الخطوتين تمثل مغامرة خطيرة.