ينتظر الفلسطينيون بفارغ الصبر، وخاصة في قطاع غزة، جني ثمار اتفاق المصالحة الفلسطينية، الذي وقعته حركتا "فتح" و"حماس" في العاصمة المصرية القاهرة، يوم الخميس الماضي، والذي سينهي، في حال تطبيقه، الانقسام الفلسطيني الذي استمر لقرابة 11 عامًا.
وخلّفت سنوات الانقسام، أوضاعًا معيشية "كارثية" لسكان قطاع غزة، كما يقول خبراء ومؤسسات دولية، حيث ارتفعت نسبة البطالة في قطاع غزة إلى 44% حسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني.
وكما تسبب الانقسام في توقف العديد من المصانع والخدمات الإنشائية بغزة؛ لعدم سماح إسرائيل، بدخول العديد من المواد الخام للقطاع، جراء الحصار الذي تفرضه على غزة، عقب سيطرة "حماس" على القطاع، كنتيجة لأحداث الانقسام الفلسطيني عام 2007.
ويرى خبراء فلسطينيون أن تنفيذ اتفاق المصالحة الفلسطينية، على أرض الواقع، سيدير عجلة الاقتصاد الضعيف في قطاع غزة، وينعش "الحياة المتوقفة بغزة"، ويزيل آثار 11 عام من "المعاناة الإنسانية".
ويتوقع البدء في تنفيذ اتفاق المصالحة، بشكل فعلي، مع استلام حكومة التوافق لمهام عملها في قطاع غزة، والمفترض أن يتم في موعد أقصاه بداية ديسمبر/كانون أول القادم، بحسب نص الاتفاق الذي اطلعت وكالة الأناضول على نسخة منه.
ووقعت حركتا "فتح" و"حماس"، الخميس الماضي، 12 أكتوبر/تشرين أول الجاري، في العاصمة المصرية القاهرة، على اتفاق المصالحة، بحضور مدير المخابرات المصرية، خالد فوزي.
ونص الاتفاق على تنفيذ إجراءات لتمكين حكومة الوفاق الوطني من ممارسة مهامها والقيام بمسؤولياتها الكاملة، في إدارة شؤون قطاع غزة، كما في الضفة الغربية، بحد أقصاه الأول من ديسمبر/كانون أول المقبل، مع العمل على إزالة كافة المشاكل الناجمة عن الانقسام.
كما تضمن الاتفاق دعوة من القاهرة لكافة الفصائل الفلسطينية، الموقعة على اتفاقية الوفاق الوطني في 4 مايو/أيار 2011، لعقد اجتماع آخر في 21 نوفمبر/تشرين ثاني المقبل، دون توضيح جدول أعماله، إلا أنه يتوقع أن يناقش ترتيبات إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية، وإعادة هيكلة منظمة التحرير.
*إعادة الإعمار
ويقول المحلل الاقتصادي، مازن العجلة، إن إصلاح الواقع الاجتماعي والاقتصادي في غزة، متوقف على تنفيذ اتفاق المصالحة.
وأضاف لوكالة "الأناضول":" في حال تنفيذ الاتفاق، سيشهد الفلسطينيون، تغييرا سريعا، وآخر جذري ستتضح نتائجه بعد عدة سنوات، لأننا أمام بنية تحتية مدمرة وأوضاع معيشية صعبة".
وأردف:" وجود السلطة الفلسطينية كممثل للفلسطينيين في قطاع غزة، يعني أن المساعدات الخارجية ستتدفق بشكل أكبر وأوسع إلى القطاع".
وتابع:" كما أن عملية إعادة إعمار قطاع غزة بعد الحروب الإسرائيلية، ستنطلق بشكل فعلي وسريع، فقد كانت تسير بوتيرة بطيئة من قبل المانحين، بدعوى أن حماس تسيطر على القطاع، وإسرائيل لا تسمح بدخول الكميات المطلوبة من مواد البناء".
وشنت إسرائيل ثلاثة حروب على قطاع غزة بين عامي 2008-2014، خلفت دمارًا هائلة في المساكن والبنى التحتية، ولم يتم إعمار إلا جزء بسيط منها حتى اللحظة، لبطء إدخال إسرائيل لمواد البناء إلى القطاع، بدعوى أن فصائل فلسطينية، تستخدمها في عمليات المقاومة ضدها.
وتعهدت دول عربية ودولية في أكتوبر/ تشرين الأول 2014 بتقديم نحو 5.4 مليار دولار أمريكي، نصفها تقريباً تم تخصيصه لإعمار غزة، فيما النصف الآخر لتلبية بعض احتياجات الفلسطينيين.
ويشتمل الاتفاق الخاص بتوريد مواد البناء إلى قطاع غزة، على آلية لمراقبة ضمان عدم استخدام مواد البناء التي سيتم توريدها لأغراض أخرى بخلاف عملية الإعمار (في إشارة لاتهامات إسرائيلية لفصائل فلسطينية باستخدام مواد البناء في تشييد الأنفاق).
*توفير فرص عمل وانتعاش الاقتصاد
وأشار العجلة إلى أن الحركة المتوقعة في سوق الإنشاءات والبناء في قطاع غزة، من شأنها أن تنعش عشرات القطاعات الأخرى، كالنجارة والحدادة والسباكة وغيرها، مما سيدير عجلة الاقتصاد الهش في غزة، ويوفر آلاف فرص العمل".
ولفت إلى أن الاقتصاد الفلسطيني سيتعافى بعد حل أزمة الكهرباء، حيث سيتم تقليل تكاليف الإنتاج على التجار الذين رفعوا أسعار بعض السلع بسبب استخدام بدائل الكهرباء، وسيزيد الإنتاج.
كما أن غلاء السلع، سينخفض لأن التجار لن يعودوا يدفعوا الضرائب على سلعهم مرتين، الاولى للسلطة الفلسطينية برام الله، والثانية لحماس التي كانت تدير القطاع.
*فتح المعابر
ويرى العجلة بأن القطاع الخاص هو الموظف الرئيسي للعمال وللخريجين الجامعيين، وانتعاشه سيقود إلى الانتعاش الاقتصادي.
وتابع:" فتح المعابر سيسمح بدخول العديد من المواد والبضائع التي كانت إسرائيل تمنع إدخالها، وبالتالي سينتعش القطاع الخاص، وتفتح الفرص أمام المئات من العاطلين عن العمل".
ومنذ أن فرضت إسرائيل حصارًا على قطاع غزة، عقب فوز حماس في الانتخابات البرلمانية لعام 2006، وهي تفرض حصارًا على القطاع، شددته في عام 2007، عقب سيطرة حماس على القطاع.
وتحظر إسرائيل إدخال العديد من المواد الخام والبضائع، التي تقول بأن استخدامها مزدوج، حيث قد تستخدمه المقاومة الفلسطينية في أعمالها ضدها.
وكان لقطاع غزة 7 معابر، 6 منها تخضع للسيطرة الإسرائيلية، فيما يخضع السابع وهو معبر رفح البري، جنوبي القطاع، للسيطرة المصرية.
لكن إسرائيل أغلقت 4 معابر تجارية، في أعقاب سيطرة حماس على القطاع عام 2007، وأبقت على معبرين فقط، هما معبر “كرم أبو سالم”، كمنفذ تجاري (تدخل منه البضائع وفق رقابتها وموافقتها)، ومعبر بيت حانون (إيريز) كمنفذ للأفراد.
ولا يتم سفر أي شخص عبر المعبر الأخير، إلا بعد حصوله على الموافقة الأمنية من قبل السلطات الإسرائيلية، ويرفض كثير من الفلسطينيين، السفر من خلاله خشية التعرض للاعتقال.
*تحسن الاستيراد والتصدير
من جانبه يقول ماهر الطباع، مدير العلاقات العامة في الغرفة التجارية بغزة، إن المصالحة الفلسطينية هي كلمة السر في إعادة الحياة إلى قطاع غزة.
ويضيف لوكالة "الأناضول":" فتح المعابر المحيطة بقطاع غزة، وإدخال كافة الاحتياجات للفلسطينيين، والسماح لهم بالاستيراد والتصدير كفيل بأن يقلل من الأزمة المعيشية التي عانوا منها خلال سنوات الانقسام".
وتابع:" كل القطاعات مرتبطة ببعضها البعض كدائرة، وانتعاش قطاع واحد، يعني تحسن الأوضاع الاقتصادية وانتعاش السوق وتحسن وزيادة دخل الفرد، والناتج المحلي".
ووفق إحصاءات فلسطينية، فقد توقفت مئات المصانع في القطاع عن العمل، لعدم السماح لها بتصدير منتجاتها خارج القطاع.
كما توقف بعض المزارعين الفلسطينيين عن زراعة بعض النبات لعدم السماح لهم بتصديرها.
*رفع العقوبات عن غزة
وأشار الطباع إلى أن المصالحة الفلسطينية سترفع عقوبات السلطة الفلسطينية التي فرضتها مؤخرًا على قطاع غزة، وسيحرك ذلك السوق المحلية.
وفي مارس/آذار الماضي، شكّلت “حماس″ لجنة إدارية، لإدارة الشؤون الحكومية في قطاع غزة، وهو ما قوبل باستنكار الحكومة الفلسطينية، وبررت الحركة خطوتها بـ"تخلي الحكومة عن القيام بمسؤولياتها في القطاع".
واتخذ الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إجراءات بحق قطاع غزة، قال إنها ردا على تشكيل حماس هذه اللجنة، ومنها تخفيض رواتب الموظفين وإحالة بعضهم للتقاعد المبكر، وتخفيض إمدادات الكهرباء للقطاع.
وحلت حركة حماس اللجنة مؤخرا، وهو ما كان مقدمة للتوصل لاتفاق المصالحة بالقاهرة.
*حل أزمة الكهرباء
ولفت الطباع إلى أن أزمة الكهرباء الخانقة التي يعاني منها قطاع غزة، ستكون في طريقها إلى الزوال قريبًا.
وتابع:" هددت أزمة الكهرباء العديد من القطاعات في غزة ومنها، الصحة والتعليم، والصناعة والبيئة، والواقع الإنساني".
ويحتاج القطاع إلى نحو 450 ميغاواط من الكهرباء على مدار الساعة، بينما لا يتوفر حالياً سوى 210 ميغاوات.
وتحصل غزة على حاجتها من الكهرباء في الوقت الحالي، من إسرائيل بواقع 120 ميغاواط، ومن محطة توليد الطاقة بـ60 ميغاواط (متوقفة عن العمل)، ومن الجانب المصري بنحو 30 ميغاواط (متعطلة حالياً).
*حل أزمة المياه والصرف الصحي
ويقول الطباع إن حل أزمة الكهرباء، سينهي أزمة المياه التي يعاني منها الفلسطينيون، حيث يستمر قطع المياه عن بعض المناطق عدة أيام، لعدو وجود تيار كهربائي، لضخ المياه.
وقالت سلطة المياه" في قطاع غزة، في بيان سابق لها، إن أزمة الكهرباء الخانقة التي يعاني منها قطاع غزة، تؤثر بشكل كبير على خدمات المياه والصرف الصحي.
وأضافت السلطة إن "أزمة الكهرباء في غزة، ستعطل عمل مضخات مياه الصرف الصحي الموجودة داخل مدن القطاع، الأمر الذي قد يتسبب بحدوث فيضانات داخل تلك المدن".
وقالت سلطة جودة البيئة في قطاع غزة (حكومية)، في بيان سابق إن التلوّث يطال 63% من شاطئ القطاع، جرّاء مواصلة ضخ مياه الصرف الصحي دون معالجة، بفعل أزمة الكهرباء.
وترجع سلطة جودة البيئة تلوّث مياه البحر، إلى استمرار تصريف نحو 110 ألف متر مكعب (يومياً) من مياه الصرف الصحي إلى الشاطئ، بدون معالجة أو بمعالجة جزئية.
*تعافي القطاع الصحي
ويلفت الطباع إلى أن قطاعات عديدة ستتعافى بفعل المصالحة، ومنها القطاع الصحي، الذي قالت وزارة الصحة الفلسطينية، إن بعض أرصدة الأدوية فيه وصلت إلى صفر.
وبحسب الوزارة ، فإن مستودعات الأدوية تعاني من نفاد 170 صنف من الأدوية و270 صنفاً من المستلزمات الطبية.
وتقول الوزارة "إن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، أوقفت توريد الأدوية والمستلزمات الطبية، وهو ما تنفيه الأخيرة".