أطلقت الامم المتحدة في فبراير/شباط الماضي نداءً دوليا بضرورة توفير 511 مليون دولار أمريكي للأعمال الإنسانية المتعلقة بالتعامل مع الألغام المضادة للأفراد في المناطق التي شهدت نزاعات.
النداء الدولي، الذي جاء بالتزامن مع مرور 18 عامًا على بدء تنفيذ معاهدة "أوتاوا" لحظر استخدام الألغام التي تستهدف الأشخاص في مارس/آذار 1999، يعد بمثابة إعلان عن زيادة بنسبة 50% في احتياج الأمم المتحدة من المال لمواجهة الألغام خلال العام 2017، بعد أن شهد العام 2016 إطلاق نداء مماثل لكن بهدف جمع 347 مليون دولار فقط.
ووفقا لإحصائيات العام 2017 لحافظة مشاريع الأمم المتحدة للإجراءات المتعلقة بالألغام التي تستهدف الأشخاص، والعاملة على 200 مشروع موجه لمكافحة الألغام وآثارها بالتعاون مع 22 دولة، هناك حاجة ملحة لمكافحة الألغام في مناطق النزاع النشطة، وعلى رأسها أفغانستان والعراق.
وتشير الإحصائيات إلى أنه خلال العام الجاري، ستحتاج أفغانستان 124 مليون دولار أمريكي، والعراق 75 مليون دولار، وسوريا 52 مليون دولار، واليمن 17 مليون دولار، وذلك لمكافحة الألغام.
وتنوه الأمم المتحدة إلى أن العام المقبل يتطلب أيضًا توفير مبالغ قدرها 23 مليون دولار أمريكي لكمبوديا، و26 مليون دولار لجمهورية لاو الديمقراطية الشعبية لمكافحة الألغام في البلدين.
من جهتها، ورغم أن الولايات المتحدة لم توقع على معاهدة "أوتاوا" لحظر استخدام الألغام الأرضية، إلا أنها ساعدت في إعلان موزمبيق دولة خالية من الألغام عام 2015، بعد أن كانت تضم أراضيها قرابة 3 ملايين لغم أرضي.
دول تعج بالألغام
لكن ما هي أكثر الدول معاناة من الألغام الأرضية؟
سؤال أجاب عليه موقع "ليستفيرس" (موقع متخصص في صحافة القوائم)، الذي أعد في العام 2008 قائمة بأكثر الدول التي تعج بالألغام الأرضية، وتصدرت هذه القائمة مصر بوجود 23 مليون لغم أرضي معظمها من مخلفات الحرب العالمية والحربين بين مصر وإسرائيل خلال عامي 1956 و1967.
وجاءت إيران في المرتبة الثانية بوجود 16 مليون لغم في المناطق الغربية والجنوبية منها، تبعتها في القائمة أنغولا بعدد ألغام يتراوح بين 10 و20 مليون لغم أرضي.
وتضم القائمة أيضًا كل من أفغانستان، والعراق، وكمبوديا؛ حيث يتواجد على أراضي كل دولة من هذه الدول حوالي 10 مليون لغم.
فيما جاءت البوسنة والهرسك في المرتبة السابعة ضمن قائمة "ليستفرس" بوجود ثلاثة ملايين لغم، تلتها الصومال بوجود مليون لغم فقط على أرضها.
أفريقيا الأخطر
وبخصوص ضحايا هذا السلاح المدمر، خلصت إحصائيات حديثة للأمم المتحدة إلى أن 85 في المئة من ضحايا الألغام وقعوا في أفغانستان، وأنغولا، وكمبوديا، وإن أطفال إفريقيا يعيشون في القارة التي تحتوى على أكبر عدد من الألغام الأرضية المزروعة.
وتوضح الأمم المتحدة في تقاريرها المتعلقة بمكافحة الألغام المضادة للأفراد، أن هناك 37 مليون لغم في 19 دولة إفريقية؛ تضم أنغولا وحدها أكثر من 10 ملايين لغم أرضي، والتي أسفرت عن بتر أطراف 70 ألف مواطن انغولي، من بينهم 8 آلاف طفل.
فيما بلغت نسبة الأطفال الذين لقوا حتفهم أو أصيبوا ببتر أطرافهم بسبب الألغام في رواندا قرابة 100 ألف منذ مايو/أيار 1995.
بدروها، تصنف منظمة "كير" الدولية (منظمة إنسانية تهتم بمحاربة الفقر في العالم)، كل من أفغانستان، وأنغولا، وكامبوديا، وجمهورية لاو الديمقراطية الشعبية، على أنهم الدول الأكثر خطرًا من حيث تواجد الألغام الأرضية، فيما اعتبرت المنظمة أن الألغام تمثل مشكلة حقيقية في كل من البوسنة، وكرواتيا، وجورجيا، والصومال، وسيريلانكا، والسودان.
زيادة مفزعة في الضحايا
من جهته، يكشف تقرير العام 2016 لـ"الحملة الدولية لمنع الألغام الأرضية المضادة للأفراد"؛ وهو أحدث تقرير خاص بجهود مكافحة الألغام في العالم؛ عن زيادة مفزعة في ضحايا الألغام الأرضية خلال عامي 2015 و2016، وذلك مقارنة بالأعوام العشرة الماضية.
وأرجع التقرير تلك الزيادة الحادة في ضحايا الألغام إلى النزاعات المسلحة في كل من أفغانستان، والعراق، وليبيا، وسوريا، وأوكرانيا، واليمن.
وتسلط الحملة الضوء على أن 2015 سجل مقتل 6461 جراء الألغام؛ حوالي 78 في المائة منهم من المدنيين، أي بزيادة قدرها 75 في المائة عن العام السابق، وهو أعلى مجموع يسجل منذ العام 2006 (قتل خلال ذلك العام 6573 شخص جراء الألغام) .
بينما أودت الألغام بأرواح 1310 أشخاص في أفغانستان خلال 2015، وهو رقم مماثل تقريباً لإحصائية العام 2014.
كما أسفر انفجار الألغام عن مقتل 1004 في ليبيا، و988 في اليمن، و864 في سوريا، و589 في أوكرانيا.
وأشارت "الحملة الدولية لمنع الألغام الأرضية" أن الدول التي تزرع قواتها الحكومية ألغام أرضية تنحصر في ميانمار وكوريا الشمالية، وسوريا، موضحة أن الدول الثلاثة لم توقع على معاهدة "أوتاوا" لحظر الألغام الدولية.
مخزونات الألغام لدى الدول
وحول مخزونات الألغام لدى الدول، ذكرت "الحملة الدولية لمنع الألغام الأرضية"، في تقرير حديث آخر لها نشر بالتزامن مع مرور 18 عامًا على نفاذ اتفاقية "أوتاوا"، أن 51 مليون من مخزون الألغام الأرضية دمرته بشكل كامل 28 دولة من الدول الأعضاء في معاهدة "اوتاوا"، وأن بولندا كانت آخر دولة تنتهي من تدمير مخزونها.
ولفت الحملة إلى أن أستراليا كانت أول دولة تنتهي من تدمير مخزونها من الألغام الأرضية، في سبتمبر/أيلول 1999، والذي قُدر عددها بـ128 ألفا و161 لغماً.
وتشير الأمم المتحدة، في تقرير متعلق باتفاقية "أوتاوا"، إلى وجود قرابة 110 ملايين لغم مزروعة في مناطق مختلفة من العالم، فضلًا عن كميات ضخمة أخرى مخزنة لدى الحكومات.
وأوضحت أن الصين وروسيا (دولتين غير أعضاء في اتفاقية أوتاوا ولم يشرعوا في تدمير مخزونهما) يمتلكان أكبر عدد من الألغام المخزنة؛ إذ تمتلك بكين 110 ملايين لغم، في حين يتراوح عدد الألغام الروسية المخزنة ما بين 50 إلى 60 مليون لغم.
معاهدة "أوتاوا
وتظل "معاهدة أوتاوا" - التي تعرف ايضًا باسم "اتفاقية الأمم المتحدة لحظراستعمال أو تخزين أو إنتاج أو نقل الألغام التي تستهدف الأشخاص في كافة انحاء العالم"، إحدى أبرز المعاهدات في مسيرة الأمم المتحدة، وأحد أهم النجاحات التي حققتها الدبلوماسية الدولية، حسب ما قال الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، كوفي عنان، في الثاني من مارس/آذار 2016.
وتلزم معاهدة "أوتاوا" الدول بإزالة التهديد الذي تمثله الألغام المزروعة في الأرض، ومخزونها من الألغام المضادة للأفراد خلال أربع سنوات، بالإضافة إلى تطهير جميع مناطق الألغام الموجودة تحت سيادتها أو سيطرتها خلال عشر سنوات.
وفيما وقع على الاتفاقية 123 دولة في العام 1997، ارتفع عدد الدول الموقعة عليها إلى 162 دولة بحلول العام 2012.
وتشكل نسبة الدول الأعضاء في تلك المعاهدة، استنادًا على بيانات "الحملة الدولية لمنع الألغام"، 80% من إجمالي دول العالم، فيما لا يتعد عدد الدول غير الأعضاء في الاتفاقية 34 دولة، أبرزها الولايات المتحدة، وروسيا، والصين.
وذكرت الحملة أن الدول التي لم توقع على الاتفاقية هي: أرمينيا، أذربيجان، البحرين، الصين، كوبا، مصر، جورجيا، الهند، إيران، إسرائيل، كازاخستان، كوريا الشمالية، كوريا الجنوبية، قيرغيزستان، جمهورية لاو الديمقراطية الشعبية، لبنان، ليبيا، ميكرونيزيا، منغوليا، المغرب، ميانمار، نيبال، باكستان، فلسطين، روسيا،السعودية، سنغافورة، سريلانكا، سوريا، تونغا، الإمارات، الولايات المتحدة، أوزبكستان، فيتنام.
وتوضح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أن تلك الاتفاقية الدولية تحظر استخدام الألغام المضادة للأفراد، لكنها في المقابل لا تحظر الألغام المضادة للمركبات أو الدبابات.
وتشير إلى ان تلك الاتفاقية أنقذت آلاف الأرواح، موضحًة أنه بعد أن كان يقضي قرابة 20 ألف شخص حتفهم بسبب الألغام الأرضية سنويًا، انخفض هذا العدد منذ دخول المعاهدة حيز النفاذ عام 1999؛ إذ يُقدّر اليوم بحوالي 3500 شخص في الظروف العادية.