كشف الدكتور محمد البرادعي نائب رئيس الجمهورية السابق، في مصر، تفاصيل جديدة حول عزل الرئيس المصري محمد مرسي "أول رئيس مدني منتخب"، وجميع أحداث تلك الفترة وما أعقبها من عمليات قتل واعتقالات ضد المعارضين في مصر.
ونقلت صحيفة "العرب القطرية" عن البرادعى في تدوينة عبر صفحته الرسمية على "فيس بوك" قوله، إنه فوجئ باحتجاز الرئيس محمد مرسي، صباح يوم 3 يوليو على يد القوات المسلحة.
وأضاف، عندما دعت القوات المسلحة ممثلي كافة القوي السياسية إلى اجتماع بعد ظهر 3 يوليو 2013 كان المفهوم أنه اجتماع لبحث الوضع المتفجر على الأرض نتيجة مطالب الجموع الغفيرة المحتشدة فى كل أنحاء مصر منذ 30 يونيو إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، نظرا للاستقطاب الحاد فى البلاد الذى أصبح يهدد الوحدة الوطنية.
وأكد أنه فوجئ في بداية الاجتماع، أن رئيس الجمهورية كان قد تم احتجازه بالفعل صباح ذلك اليوم من قبل القوات المسلحة- دون أي علم مسبق للقوى الوطنية – وهو الأمر الذى أدى إلى عدم مشاركة رئيس حزب الحرية والعدالة- الذى كانت قد تمت دعوته- فى الاجتماع، أصبحت الخيارات المتاحة محدودة تماماً وبالطبع لم يعد من بينها إمكانية إجراء استفتاء على انتخابات مبكرة.
وتابع: أنه فى ضوء هذا الأمر الواقع - رئيس محتجز وملايين محتشدة في الميادين - أصبحت الأولوية بالنسبة لى هي العمل على تجنب الاقتتال الأهلى والحفاظ علي السلمية والتماسك المجتمعي من خلال خارطة طريق- تمت صياغتها في عجالة - بنيت على افتراضات مختلفه بالكامل عن تطورات الأحداث بعد ذلك : رئيس وزراء وحكومة تتمتع "بجميع الصلاحيات لإدارة المرحلة الانتقالية"، انتخابات برلمانيه ثم رئاسية مبكرة وكذلك - وهو الأهم - لجنة للمصالحة الوطنية.
وأشار إلى قبوله فى ضوء ما تقدم أن شارك فى المرحلة الانتقالية على هذا الأساس كممثل للقوى المدنية بهدف المساعدة للخروج بالبلاد من منعطف خطير بأسلوب سلمى بقدر الإمكان.
وأكد أنه بالتوازى مع خارطة الطريق فقد ساهمت وغيرى، بما فى ذلك ممثلين لقوى عربية وأجنبية، فى مساعى للوساطة مع مؤيدى الرئيس السابق ، بمعرفة وتوافق الجميع بما فى ذلك ممثلى المجلس العسكري، للتوصل إلى أُطر وتفاهمات لتجنب العنف الذى كان بدأ يتصاعد فى اشتباكات بين مؤيدى الرئيس السابق وقوات الأمن والذى أدى الى وقوع الكثير من الضحايا. وقد كان الهدف اثناء وجودى فى المنظومة الرسمية هو التوصل إلى صيغة تضمن مشاركة "كافة أبناء الوطن وتياراته " في الحياة السياسية حسبما ماجاء فى بيان 3 يوليو.
واستطرد ولكن للآسف، وبالرغم من التوصل إلى تقدم ملموس نحو فض الاحتقان بأسلوب الحوار والذى استمر حتى يوم 13 أغسطس، فقد أخذت الأمور منحي آخر تماما بعد استخدام القوة لفض الاعتصامات وهو الأمر الذى كنت قد اعترضت عليه قطعيا فى داخل مجلس الدفاع الوطنى، ليس فقط لأسباب أخلاقية وإنما كذلك لوجود حلول سياسية شبه متفق عليها كان يمكن أن تنقذ البلاد من الانجراف فى دائرة مفرغة من العنف والانقسام وما يترتب على ذلك من الانحراف بالثورة وخلق العقبات امام تحقيقها لاهدافها.
وأكد أنه قد أصبح واضحا أن هذا الطريق كان يخالف قناعات الكثيرين، وهو ما يفسر الهجوم الشرس على من "الإعلام " وكذلك التهديدات المباشرة التى وصلتنى خلال الفترة القصيرة التى قبلت فيها المشاركة الرسمية فى العمل العام وذلك بسبب محاولاتى التوصل إلى حل سلمى للأزمة السياسية.
وبالطبع فى ضوء ما تقدم من عنف وخداع وانحراف عن مسار الثورة فقد كان من المستحيل علي الاستمرار فى المشاركة فى عمل عام يخالف كل قناعتى ومبادئي وخاصة قدسىيه الحياه وإعلاء قيمة الحرية والكرامة الإنسانية، حتى وان كان ذلك عكس التيار العام والهيستيريا السائدة فى ذلك الوقت.
وأضاف، بعد أن قمت بتقديم استقالتى للأسباب التى وردت بها وبدلا من احترام حقى فى الاختلاف فى أمر غير قابل للتفاوض بالنسبة لى ولضميري، ازدادت حدة الهجوم الشرس على من قبل آلة إعلامية تقوم على الإفك وتغييب العقول، وهو الهجوم الذى بدأ منذ أواخر عام 2009 عندما طالبت بضرورة التغيير السياسي.
وأضاف، قد يكون أحد الأمثلة الصارخة فى هذا الشأن تسجيل وإذاعة مكالماتى الخاصة بالمخالفة لكل الدساتير والقوانين والقيم الأخلاقية المتعارف عليها- باستثناء الأنظمة الفاشية- ومنها مكالمة مع وزير أمريكى بعد قيام الثورة مباشرة أطلب منه أن تقوم حكومته بتقديم مساعدات اقتصادية وتقنية لمصر. وهذا الاتصال كان عقب اجتماع لى مع قيادات المجلس العسكري ذُكر فيه الوضع الإقتصادى الحرج للبلاد مما أدى إلى أن أبدى أنا وغيرى من الحاضرين ممن لهم علاقات خارجية الاستعداد للاتصال بكل من نعرفهم طلبا للمساعدة. وقد قام الإعلام بإذاعة مكالمتى على أنها تخابر مع المخابرات الأمريكية!! وبالطبع ما زال من سجلها وأمر باذاعتها – وهى بالضرورة أجهزة رسمية- بعيدا عن أية محاسبة، بالاضافة بالطبع الى من أذاعها .
وأشار إلى أن أحد الأمثلة الصارخة الأخرى هو الاستمرار فى تحريف وتشويه دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية فيما يتعلق بعملها فى التفتيش على برنامج العراق النووي بمقتضى قرارات مجلس الأمن، وهو العمل الذى نال التقدير الجماعى من كافة الدول أعضاء الوكالة، بما فيها مصر، باستثناء الولايات المتحدة وبريطانيا .
وقد تعذر على تلك الدولتين نتيجة تقارير الوكالة وكذلك تقارير لجنة الأمم المتحدة الخاصة بالتفتيش على الأسلحة الكيمائية والبيولوجية التى ذكرت بوضوح أننا لم نجد أى دليل على أحياء العراق لبرامج أسلحة الدمار الشامل، أدت هذه التقارير إلى تعذر حصول تلك الدولتين على قرار من مجلس الأمن بمشروعية الحرب على العراق مما أدى إلى شنهما حرب غير شرعية مازلنا ندفع ثمنها حتى الآن.
وقد أشاد الإعلام المصرى فى هذا الوقت – مثله مثل باقى إعلام العالم- بدور الوكالة إلى أن أعلنت ضرورة التغيير السياسي فى مصر والذى على أثره تم تغيير التوجه الإعلامى بالكامل يمكن مراجعة موقف الإعلام المصرى المخزى قبل وبعد 2009 (كما هو الحال بالنسبة لأكاذيب أخرى لا تعد ولا تحصى بالنسبة لشخصى استمرت منذ نظام مبارك وحتى الآن دون انقطاع.
وأشار إلى أن الأمر المحزن والمؤسف أن الكذب وتغييب العقول استمر من كافة الأطراف وحتى الآن فمن جانب هناك من يدعى أننى سافرت إلى الخارج قبل 30 يونيو للترويج والتمهيد لعزل الرئيس السابق، وإننى سافرت لإسرائيل، وأنه كانت هناك خطة من جانب الاتحاد الأوروبي لعزل الرئيس السابق، وإننى كنت على اتصال بالمجلس العسكري فى هذا الشأن بل وإننى كنت على علم بقرار المجلس العسكري احتجاز الرئيس السابق، والذى – كما عرفت لاحقا - سبقته مفاوضات بين المجلس العسكري والرئيس السابق وجماعته، تلك المفاوضات التى لم يعن أحد من الطرفين بإخطار ممثلى القوى المدنية بها لعل وعسى أنه كان قد يمكننا ألمساعدة فى التوصل إلى حل مقبول للطرفين.
وأوضح أنه من جانب آخر هناك من مازال يدعى أنه لم يكن هناك مسار واعد لفض الاعتصامات بأسلوب سلمى، وإننى وافقت فى أى وقت على قرار استخدام القوة لفض رابعة، وإننى كنت السبب فى عدم التدخل المبكر لفض الاعتصامات قبل أن يزداد الاحتقان، بل وصل الفجر بالادعاء زورا وجهلا بأننى لا أدين الإرهاب والتطرف.
وأكد أن هناك الكثير الذى يمكننى أن أضيفه من أمثلة على منهج الخداع والكذب واختطاف الثورة التى كنت شاهدا عليها التى أدت بِنَا إلى ما نحن فيه، التى تمنعنى بالطبع مقتضيات الفترة الحرجة التى يمر بها الوطن من الخوض فيها.
واختتم غنى عن الذكر أن رأيى كان وما زال هو أن مستقبل مصر يبقى مرهونا بالتوصل إلى صيغة للعدالة الانتقالية والسلم المجتمعى وأسلوب حكم يقوم على الحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والعلم والعقل.