منذ بدأت الحرب على محافظة تعز، أواخر مارس 2015، شهدت المدينة قتالاً شرساً بين قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية من جهة، ومليشيات الحوثي وصالح من جهة أخرى، كان من اللافت أن معظم المعارك والمواجهات تركزت أكثر حول مفاتيح السيطرة على المدينة: المرتفعات الجبلية والتباب (التلال والهضاب المرتفعة) التي تزخر بها المحافظة الجبلية، وأيضا المدينة المحاطة بسلاسل جبلية على أطرافها الأربعة ووسطها أيضا.
وحيث أن معظم تلك المرتفعات كانت تشكل مفاتيح السيطرة والقوة، ذهب الطرفان – منذ البداية - نحو محاولة التموضع على أكبر عدد ممكن من الجبال والتلال الجبلية الاستراتيجية والهامة.
ولعل من المهم التذكير، أنه ومع بداية الحرب والمواجهات، كانت مليشيات الحوثي-صالح تبسط يدها على معظم تلك الجبال والتلال الجبلية الاستراتيجية في تعز، والتي منحتها – على مدى أشهر طويلة من المواجهات – الأفضلية في فرض القوة والسيطرة النارية على مختلف أنحاء المدينة، إلى جانب استخدامها لقصف الأحياء السكنية وسط المدينة.
ولاحقا، تمكنت المقاومة – وبشكل تدريجي - من استعادة معظم تلك المواقع الجبلية والهضاب، في وسط المدينة وأطرافها الجنوبية والغربية والجنوبية الغربية والجنوبية الشرقية، وأحكمت السيطرة عليها، الأمر الذي منح المقاومة المزيد من مفاتيح السيطرة والقوة، في الوقت الذي خففت فيه من وطأة القصف العشوائي والعنيف الذي كان أشبه بوجبة يومية على أحياء وابناء المدينة.
ملاذات آمنة وأهمية استراتيجية
عن أهمية الجبال والمرتفعات والهضاب في الحروب، تحدث الباحث والمحلل السياسي والعسكري علي الذهب لـ"يمن شباب نت"، مشيرا إلى أن الجبال: توفر ملاذاً طبيعيا للمقاتلين من العصابات والجماعات الثورية التي عادةً ما تقوم بأعمال إغارة وكمائن ضد السلطات، ويمكن الاستشهاد بنشاط الحوثيين في صعدة في الحروب الستة.
وبالنسبة لمحافظة تعز، بشكل خاص، يعتقد أن "الوضع في تعز متعلق بأهميتها في تأمين المسيطر على الأرض، لذلك يجري التنافس عليها، فهي تستخدم كمرابض للمدفعية بأنواعها المختلفة، والقناصة، والتحكم بالطرق المارة عبرها أو الواقعة تحت نيران رحمتها".
ويؤكد الباحث في شئون النزاعات المسلحة، علي الذهب، في حديثه لـ"يمن شباب نت"، على أن الجبال ذات أهمية استراتيجية وجيوعسكرية، وتأخذ قدراً كبيراً من تفكير واضعي خطط الحرب، ولعل خبرة الحوثيين بالقتال في الجبال مكنهم من خوض هذه المواجهة، ولا شك أنهم ليسوا بمفردهم، بل هناك معاونين لهم من ذات المناطق الجبلية أو محيطها.
كما لفت الذهب، إلى أن أهمية السيطرة على هذه المواقع الهامة تظل مقرونة بأمرين هما: الاستخدام الايجابي لها، والدفاع المستميت عنها. فإذا توفر ذلك فسيكون أثرها أكثر إيجابية، لأن الجبال بقدر ما لها من منافع عسكرية إلا أنها تظل مناطق كاشفة للحركة وأكثر عرضة للهجمات الجوية.
بين يدي الملف
ولتلك الأهمية، أعد قسم التحقيقات الاستقصائية والملفات الساخنة بـ"يمن شباب نت" هذا الملف الخاص، الذي يتناول حرب الجبال والتباب في مدينة تعز ومحيطها، وكيف سارت المعارك منذ بدايتها وحتى اليوم، مركزا بشكل خاص على تلك التي استهدفت السيطرة على الجبال والمرتفعات الجبلية، تلك التي يُعتقد أنها تمثل جزء رئيسيا هاما من مفاتيح الحرب والسيطرة والبقاء.
ويتضمن الملف أهم وأبرز تفاصيل خارطة السيطرة على الجبال والهضاب (التباب)، منذ بداية المعارك وحتى يومنا هذا. حيث افردنا لكل جبل وهضبة استراتيجية فقرة خاصة بها، مقسمين الملف إلى ثلاثة أجزاء رئيسية، هي: -
- خارطة ومفاتيح السيطرة الأولية: وتناولنا في هذا الجزء الجبال والهضاب الرئيسية الأكثر أهمية، داخل المدينة أو في محيطها القريب، الذي يجعل المسيطر عليها يفرض سيطرته تقريبا على مدينة تعز، عاصمة المحافظة.
- خارطة السيطرة الثانوية: وخصص هذا الجزء، للجبال والهضاب الثانوية، ذات الأهمية الاستراتيجية الأقل، والتي تقع معظمها، أو جلها تقريبا، في الأجزاء البعيدة إلى حد ما من مركز المدينة (وسط المدينة).
- الخلاصة: تفصل الخلاصة للنتيجة القائمة حاليا، وتلخيص خارطة السيطرة التي آلت إليها المعارك حتى يومنا هذا، بالأرقام والنسب النهائية.
أولا: خارطة مفاتيح السيطرة الأولية
بداية المواجهات المسلحة الشرسة، التي اندلعت أواخر الأسبوع الأول من شهر أبريل 2015، كانت ميليشيات الانقلاب التابعة للحوثي-صالح، تستحوذ على أهم مفاتيح السيطرة على المدينة، من الاتجاهات الثلاثة الرئيسية: شرق، وغرب، وجنوب تعز عاصمة المحافظة. وقد ساعدها في ذلك كونها كانت تمثل مواقع عسكرية استراتيجية وتحت استلام قوات الجيش أو الأمن أو الشرطة العسكرية التي كانت في معظمها ما زالت تتبع وتوالي المخلوع صالح. بينما تموضعت المقاومة في بعض الهضاب والتلال والتباب الصغيرة الواقعة معظمها في وسط المدينة.
وسنستعرض أهم وأبرز تلك المرتفعات الجبلية التي تمثل مفاتيح سيطرة على وسط المدينة ودارت حولها أشرس المعارك.
1) جبل "العروس"
يعتبر أعلى قمة جبلية في تعز، وثاني أعلى قمة جبلية في اليمن والشرق الأوسط (كما تقول معظم المراجع الجغرافية). ويقع جبل "العروس" أعلى قمة جبل صبر، جنوب المدينة، ويبلغ ارتفاعه (3200) متر عن سطح البحر، و (1500) متر مدينة تعز.
كان هذا الجبل يقع تحت سيطرة ويد الميليشيات الإنقلابية، بحكم تواجد قوات عسكرية تابعة للمخلوع صالح فيه، باعتباره يمثل أهم موقع عسكري استراتيجي مطل على المدينة. ومع بداية اندلاع المواجهات في المدينة، تلقى الموقع دعما بالسلاح والمقاتلين، أواخر مارس 2015، من قائد اللواء 35 السابق، الموالي للمخلوع. الأمر الذي أثار غضب كتيبة في معسكر اللواء الواقع بالمطار القديم، وأعلنت تمردها عليه والولاء للشرعية والانضمام للمقاومة الشعبية، ومثلت بذلك أول نواة للمقاومة العسكرية، ليس في تعز وحسب، بل ربما في الجمهورية التي تساقطت معسكراتها الواحد تلو الأخر بدون أي مقاومة.
دارت حول هذا الجبل معارك شرسة، بدأت بفرض حصار عليه من شباب المقاومة من أبناء جبل صبر الموادم. وبعد أسابيع من الحصار سقط الموقع بيد المقاومة في 30 إبريل 2015. لكن الانقلابيين شعروا بفداحة خسارتهم لهذا الموقع فظلوا يحاولون العودة إليه وخاضوا معارك ضارية مع المقاومة هناك، خسروا خلالها الكثير من مقاتليهم الذين كانوا يتساقطون أسفل الجبل برصاص المقاومة وهم يحاولون الصعود إليه. استمرت المعارك ثلاثة أسابيع على أشدها لينجح الإنقلابيون من استعادة السيطرة عليه مجددا في 22 مايو 2015.
وفي منتصف أغسطس الماضي 2015، تمكنت المقاومة من استعادة الجبل وتطهير كافة مديريات جبل صبر بشكل شبه كامل. ومنذ ذلك الحين وحتى الأن ما يزال جبل "العروس" بيد المقاومة، مع محاولات فاشلة يقوم بها الانقلابيون للعودة اليه من الجهة الخلفية (الجنوبية)، حيث يقومون بين الحين والأخر بهجمات في منطقة الشقب خلف جبل العروس جنوبا، دائما ما تبوء بالفشل.
2) قلعة القاهرة
تعتبر الموقع الاستراتيجي الأهم، بعد جبل العروس، لكنها قد تكون الأكثر أهمية منه من ناحية فرص السيطرة النارية على جميع أجزاء المدينة، كونها أقرب منه إلى وسط المدينة من جهتها الجنوبية. وتذكر بعض المصادر الموثوقة أن ارتفاعها يبلغ (1500) متر عن سطح البحر.
وكما كان الحال بالنسبة لجبل العروس، كانت الميليشيات الانقلابية تستحوذ على هذا الموقع منذ ما قبل المواجهات المسلحة الأخيرة، كونه سُلم الى حراسة قوات الأمن الخاصة (الأمن المركزي سابقا) التابعة للمخلوع صالح.
وظلت القلعة تستخدم كموقع استراتيجي للقصف على كافة مواقع المقاومة الشعبية بتعز لموقعها القريب منها، كما استخدمت لفرض السيطرة النارية ومنع أي تقدم للمقاومة في مختلف خطوط التماس. وحاولت المقاومة أكثر من مرة لاستعادة السيطرة عليها لكنها فشلت، حتى تحقق لها ذلك في منتصف أغسطس 2015، حين تدشنت حملة عسكرية واسعة لتحرير المدينة وتمكنت حينها من تحرير معظم المواقع الهامة.
3) جبل جرة
يقع جبل جرة وسط شمال مدينة تعز، ويمتد من وادي القاضي جنوب-غرب، وحتى عصيفرة شمال شرق المدينة. وارتفاعه يبلغ ثلث ارتفاع قلعة القاهرة تقريبا، لكنه كان يمثل أهمية استراتيجية كونه يطل على المدينة من كامل جهته الشمالية والشمالية الغربية، ويشكل حزام أمن ومفتاح عبور وسيطرة على المدينة.
ومع بداية المواجهات سارعت المقاومة للاستحواذ عليه، وطردت بالقوة الخفيفة قوات الشرطة العسكرية التي كانت تتواجد فيه كطرف محايد، إبان أحداث ومعارك ثورة فبراير 2011.
وعلى مدى المواجهات الأخيرة، خسرت الميليشيات الكثير من مقاتليها وهم يحاولون مرارا وتكرارا بلوغ الجبل والسيطرة عليه، حيث باءت كل محاولاتهم بالفشل، مع أنها كانت كبيرة وكثيرة ومنظمة وتستخدم فيها مختلف أنواع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، إلى جانب التغطية النارية والقصف المتواصل الذي كان الجبل يتعرض له من مختلف المرتفعات الاستراتيجية الأخرى التي بيد الميليشيات. لتهدئ المحاولات بعد سيطرة المقاومة على قلعة القاهرة وتبة الأمن السياسي جنوب غرب المدينة. وشكل جبل جرة "اسطورة" بالنسبة لأبناء مدينة تعز، لكثرة المحاولات التي نفذتها الميليشيات للسيطرة عليه، لكنها كانت تبوء بالفشل الذريع لصمود واستماتة رجال الجيش الوطني والمقاومة الشعبية على هذا الجبل، الذي لو سقط لسقطت المدينة بعده بيد الميليشيات.
4) جبل الزنوج
يقع جبل الزنوج، بمحاذاة جبل جرة من الشمال. ومع أنه يحاذي بالارتفاع لجبل جرة، إلا أنه كان قد تحول إلى أحد الأحياء السكنية المكتظة بالمنازل والسكان. ومع ذلك لجأت إليه الميليشيات وفرضت سيطرتها عليه لبرهة من الزمن مع مطلع مايو 2015 تقريبا، من أجل التقدم عبره نحو جبل جرة. ولاسترداده، خاضت فيه المقاومة مواجهات شرسة (من بيت إلى بيت) حتى نجحت من تطهيره كليا في 25 مايو 2015.
ومن المهم الإشارة هنا، إلى أن هذا الجبل قد لا يمثل أهمية استراتيجية كبيرة، إلا بقدر أنه يمثل أحد مفاتيح السيطرة على جبل جرة الاستراتيجي بالنسبة للميليشيات الانقلابية. وعلى هذا النحو أيضا، فإنه بالتأكيد يمثل أحد مفاتيح الحماية لجبل جرة من أي هجوم بالنسبة للمقاومة الشعبية. إلى جانب أنه يمثل لها أيضا موقعا استراتيجيا لاستهداف وقصف مواقع تموضع الميليشيات في جبل "الوعش"، شمال المدينة، أو الرد على قصفها من هذا الموقع.
ويمكن القول، أن سيطرة المقاومة على جبل "الزنوج" خفف من خطورة جبل "الوعش" الذي كان يمثل للميليشيات في السابق موقعا هاما لاستهداف مواقع المقاومة الشعبية في المدينة، في الوقت الذي خفف أيضا من كثافة القصف على أحياء المدينة من هذا الموقع. كما قد يمكن – في السياق ذاته - الحديث أيضا عن أهمية جبل "الزنوج" في فرض الرقابة وكذا فرض السيطرة النارية جزئيا على مقر الدفاع الجوي الذي تتواجد على نصفه الشمالي قوات الميليشيات.
5) تبة الأمن السياسي
تطل هذه التبة على المدينة من الجنوب الغربي، ومن يسيطر عليها يسيطر على معظم المساحات الواقعة غرب وجنوب غرب المدينة حتى منتصف شارع جمال. وكانت التبة مع قلعة القاهرة تشكلان قوة سيطرة نارية على نصف مساحة مدينة تعز تقريبا، إضافة إلى أنها كانت تشارك القلعة بالقصف على معظم مواقع المقاومة.
ولاستعادة السيطرة عليها، خاضت المقاومة الكثير من المحاولات الفاشلة نتيجة ارتفاع التبة الواقعة أعلى هضبة جبلية مكشوفة من الجهة المطلة على المدينة، فيما كانت الميليشيات ما تزال تسيطر على بقية المساحات الأخرى الواقعة في بقية الاتجاهات الغربية والجنوبية والشمالية، الأمر الذي كان يمنح معتليها القوة والسيطرة النارية.
تكللت محاولات المقاومة باستعادة التبة، في حملتها العسكرية منتصف أغسطس 2015، أيضا.
6) تبة الأخوة
تقع وسط المدينة، على جبل مفتوح يطل على معظم اتجاهاتها الأربعة. ولكون هذا الموقع يربض وسط مناطق آهلة بالسكان، فقد ظل لفترة من الزمن بعد اندلاع المعارك خاليا من أي سيطرة، قبل أن تلجأ إليه المقاومة لاستخدامه كحماية للمدينة من القصف الذي كانت تتعرض له من المناطق المجاورة لها، وخصوصا من البريد والمالية والمجلية ومعسكر الأمن المركزي.
وباستخدام المقاومة لهذا الموقع تمكنت من تخفيف حدة القصف على المدينة والسيطرة النارية التي كان يشكلها الرباعي التابع للميليشيات: القلعة والمالية والأمن السياسي والهضبة الواقعة أسفل جبل صبر.
وبعد أن شعرت الميليشيات بأهمية هذا الموقع، سعت للسيطرة عليه، لتتمكن منه في 9 مايو 2015، لكن المقاومة، وشعورا بخطورة الموقف، لم يستغرق الأمر أمامها سوى بضع ساعات لاستعادته مجددا في نفس ليلة سقوطه.
7) جبل المكلكل الاستراتيجي
يقع هذا الجبل المهم استراتيجيا في الجبهة الشرقية والجنوب شرقية إلى حد ما. وكانت الميليشيات تفرض سيطرتها عليه منذ بداية المعارك في تعز، وتستخدمه، مثل بقية المواقع الجبلية التي تسيطر عليها، في فرض السيطرة النارية على الجبهة الشرقية بالكامل، إلى جانب المشاركة مع بقية المواقع الأخرى – تحت سيطرتها – في القصف على الأحياء المدينة.
لأكثر من عام ونصف ظل هذا الموقع بيد الميليشيات، قبل أن تستعيده قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية في الحملة العسكرية التي نفذتها في 18 أغسطس الماضي (2016)، حيث نجحت من تطهيره بعد تضحيات كبيرة.
وبسيطرة المقاومة عليه، يمكن التأكيد أن السيطرة النارية على الجبهة الشرقية باتت تحت يد المقاومة الشعبية، في الوقت الذي خفت فيه موجة القصف الممنهج على أحياء المدينة من هذا الجبل. ومنذ فقدته نفذت الميليشيات الانقلابية الكثير من الهجمات المرتدة بهدف استعادته، مشفوعة بغطاء ناري وقصف على الموقع من مواقع تمركز الميليشيات في تبة سوفتيل وفي الحوبان أيضا. غير أن كل محاولات استعادة الموقع باءت بالفشل حتى الأن.
8) مازال هناك تبتي السلال وسوفتيل..شرقا
بعد أن فقد الحوثيون وأنصار المخلوع صالح معظم الجبال والمرتفعات الاستراتيجية الهامة، في غرب وجنوب وجنوب غرب وجنوب شرق المدينة، يستميتون حاليا للتمسك بما تبقى لهم من مرتفعات وهضاب وتباب هامة في أطراف تعز، خاصة تلك الواقعة شرق المدينة، وأهمها: تبتي السلال وسوفتيل، واللتان تطلان على الأجزاء الشرقية من مدينة تعز.
وتمثل هاتان التبتان، أهمية استراتيجية كبرى بالنسبة للميليشيات، التي تسيطر عليهما منذ بداية المعارك في تعز.
- تبة السلال: تأتي أهمية هذا الموقع، أنه يقع على هضبة مرتفعة يطل على القصر الجمهورية شرق تعز، الأمر الذي يجعله يمثل مفتاح السيطرة على القصر الجمهوري والمنطقة المحيطة به. والتي تفرض عليها الميليشيات سيطرتها النارية من التبة، ومازالت تعمل على منع أي تقدم للمقاومة هناك.
ويعتقد الكثير من المراقبين العسكريين أن السيطرة على القصر الجمهوري بشكل كلي، لن يتم مالم تتم السيطرة أولا على تبة السلال. ولتأكيد تلك الحقيقة العسكرية، فقد تقدمت المقاومة الشعبية أكثر من مرة نحو القصر الجمهوري، بل إنها لأكثر من مرة تمكنت من الدخول إليه، إلا أنها كانت تتراجع مع تعرضها لقصف شديد من تبة السلال وجبل المكلكل قبل السيطرة على الموقع الأخير.
- تبة سوفتيل: استمدت أسمها من فندق "سوفتيل" المبني عليها، والذي تحول اسمه حاليا إلى فندق "السعيد"، لكن التبة ما زالت تسمى باسمه السابق. وتأتي أهمية هذا الموقع، الواقع على هضبة مرتفعة تطل على الجزء الشمالي بدرجة رئيسية والشمالي الشرقي بدرجة ثانوية، بكونه يستخدم من قبل الميليشيات كموقع اسناد لها في بعض الجبهات.
وترتكز في هذا الموقع دبابة تابعة للميليشيات، يتم اخفاؤها داخل الفندق، ولا تظهر منها سوى ماسورتها، عند القصف، ثم تعود للاختباء داخل الفندق. وغالبا تعرضت الدبابات الرابضة هناك لقصف طيران التحالف، إلا أنه دائما تكون الدبابة البديلة جاهزة، وسريعا ما تحل محل المنتهية، إذ لا يمكن للميليشيات الاستغناء عن هذا الموقع الاستراتيجي الهام، الذي تتواجد فيه أيضا مدافع الهاون والهوزر.
ومع أن أهمية هذا الموقع قلت كثيرا مؤخرا، من الناحية الاستراتيجية العسكرية، وبشكل خاص فيما يتعلق بإسناد عمليات التوسع والتقدم، كون معظم قوات الميليشيات تراجعت للخلف في الكثير من المساحات المتقدمة، إلا أن أهميته الكبرى تكمن بكونه ما زال يستخدم بفعالية كبيرة لمواصلة القصف المستميت على مواقع المقاومة والأحياء السكنية المختلفة في المدينة. فضلا عن استخدامه في اسناد بعض عمليات الكر والفر في خطوط التماس الواقعة في شارع الـ40، الذي تطل عليه تبة السوفتيل مباشرة، إلى جانب بعض العمليات العسكرية الأخرى التي تتم بين الحين والأخر في وسط الجبهة الشمالية وما بعد وادي عصيفرة.
وقبل أن نختم هذه الجزئية، يلزمنا الإشارة إلى أن أسباب استمرار سيطرة الميليشيات على هاتين الهضبتين الاستراتيجيتين، ترجع إلى كونها ما تزال بعيدة عن نقاط التماس والمواجهات. إذ أنها فقط تطل من بعيد على نقاط التماس في القصر وشارع الـ40.
9) جبال وتباب الجبهة الشمالية
وفي المناطق الشمالية في تعز ثمة سلسلة مرتفعات جبلية هامة أيضا، ما تزال تشكل مفاتيح سيطرة للميليشيات حتى الأن، مع أنها لا تمثل تلك الأهمية الاستراتيجية الكبرى في حسم السيطرة الجديدة على مواقع ومساحات أضافية، منها: جبل الوعش (يمثل موقعا استراتيجيا هاما إلى حد ما)، إلى جانب تبتي: الصبري والحَرايَر.
وفي المقابل، تتموضع المقاومة والجيش الوطني في هذه الجبهة في تبتي الوكيل والقاضي. ومنذ بداية المواجهات في تعز، بذلت الميليشيات جهودا كبيرة، وما زالت تحاول حتى الأن، لفرض سيطرتها على هاتين التبتين، وهما الأقرب إلى حي الروضة، منطقة سكن رئيس المجلس التنسيقي للمقاومة الشعبية بتعز، الشيخ حمود سعيد المخلافي.
ثانيا: خارطة مفاتيح السيطرة الثانوية والمحيطة
كل ما سبق تفصيله، كان يمثل مفاتيح السيطرة الأولية على مدينة تعز، عاصمة المحافظة، ومحيطها الأقرب. وفي هذا الجزء سنتطرق إلى مفاتيح السيطرة الثانوية، التي تشكل مفاتيح سيطرة على أطراف المدينة، وبشكل خاص في الجبهة الغربية والجنوبية الغربية.
1) تباب وهضاب الحصب وبير باشا
تمتاز الجبهة الغربية من المدينة بكونها محاطة بجبال وهضاب وتباب مرتفعة، بشكل كثيف، تمتد من بداية منطقة الحصب مرورا ببير باشا حتى مقر اللواء 35 بالمطار القديم غربا، والضباب في الجنوب الغربي للمدينة.
من اشهر تلك المرتفعات والتباب الممتدة من منطقة الحصب ومحيطها حتى منطقة بير باشا ومحيطها: تبة قاسم عقلان، تبة الزنقل، تبة الأرانب، تبة الإريل، تبة الخوعة، وتبة البركاني..
وفي منطقة بير باشا أيضا، في الجهة المقابلة جنوبا وجنوب غرب المدينة هناك: هضبة نادي الصقر، وتقابله هضبة الجامعة الجديدة.
2) جبال وتباب ما بعد البير نحو الضباب
أما بعد منطقة بير باشا غربا، فهناك: معسكر اللواء 35، الواقع على هضبة بالمطار القديم، مرتفعة عن الطريق الرئيسية، وإلى شماله يمتد معسكر الدفاع الجوي الواقع على جبل يمتد من شمال المعسكر حتى مساحة كبيرة وسط شمال المدين.
وفي الاتجاه المقابل، جنوب غرب المدينة، في منطقة الضباب، توجد جبال ومرتفعات كثيرة، أهمها: جبل هان ذي الموقع الاستراتيجي الهام، والممتد من حدود الضباب جنوبا حتى منطقة الربيعي شمالا، والتي تقع إلى الغرب من مقر اللواء 35 بالمطار القديم؛
وفي الطريق الممتد من بير باشا إلى الضباب أيضا، هناك: تبة الخزان، وتبة الكامل. أما في وسط منطقة الضباب جنوبا، يوجد جبل حدائق "الشهيد محمد اليمني" (حدائق الصالح سابقا) الاستراتيجي، والى الخلف منه هناك جبلي: المقهاية والمقبابة.
ونشير هنا فقط إلى المواقع الجبلية والمرتفعات التي دارت حولها معارك شرسة لفرض السيطرة عليها.
صراع السيطرة على مفاتيح الجبهة الغربية
بعد سيطرتها على مقر اللواء 35 بالمطار القديم، في أواخر إبريل 2015، توجهت الميليشيات صوب المدينة وسيطرت على منطقة بير باشا والحصب حتى حدود حي المرور المتاخم لوسط المدينة. ووضعت مقاتليها ومدافعها على كل تلك التباب الممتدة من بداية الحصب حتى اللواء 35 غربا، والضباب في الجنوب الغربي.
وبالسيطرة عليها تمكنت الميليشيات من فرض حصار شديد على المدينة من الجهة الغربية (في الدحي-بير باشا) والجنوبية الغربية (في الضباب)، إلى جانب أن الميليشيات المسيطرة على تلك الجبال والمرتفعات (الحصب-بير باشا) استخدمتها لقصف المدينة واسناد مقاتليهم على الميدان عند اشتداد المواجهات.
وطوال الفترة التي تلتها خاض الجيش الوطني والمقاومة معارك شرسة لاستعادة السيطرة على المنطقة الغربية. وبدأ أولا بالضباب عبر قوات الجيش الوطني بقيادة اللواء يوسف الشراجي، حيث انطلقت تلك القوات منذ منتصف يونيو 2015، وخاضت معارك ومواجهات مع الميليشيات، لتتمكن بعد فترة زمنية بسيطة من انطلاقها من استعادة بعض الجبال الاستراتيجية مثل جبل حدائق الشهيد اليمني وجبلي المقبابة والمقهاية، لكنها لم تلبث فيها طويلا حتى استعادتها الميليشيات وأحكمت السيطرة عليها مجددا.
في المقابل خاضت المقاومة الشعبية في الجبهة الغربية (الحصب – بير باشا) معارك شرسة، كانت تتمكن في بعضها من استعادة بعض التباب، لاسيما تبة قاسم والزنقل والأرانب، لكنها تعود لتفقدها بعد أيام في هجمات مرتدة للميليشيات.
استمرت معارك السيطرة وفقدانها فترة طويلة، امتدت من أواخر ابريل 2015، حتى مارس 2016، حين نظمت المقاومة الشعبية في الجبهة الغربية حملة عسكرية لتحرير المنفذ الغربي، أستمرت ثلاثة أيام، من 8 وحتى 11 مارس 2016، لتنجح من تطهير كافة كل تلك الجبال والمرتفعات والهضاب الممتدة من الحصب وبير باشا حتى معسكر اللواء 35 غربا، وجبل الدفاع الجوي شمالا؛ وتبة الصقر والجامعة الجديدة جنوب غرب، حتى وصلت حدود منطقة الضباب، واستعادت فيها تبة الخزان وتبة الكامل تبة المقبابة. لكن التباب الثلاث الأخيرة لم تستمر بيد المقاومة أكثر من أسبوع تقريبا لتستعيدها الميليشيات.
جبل "هان" الاستراتيجي غربا
[caption id="attachment_7952" align="aligncenter" width="600"][/caption]
بعدها، تواصلت المعارك في تعز بين كر وفر، وكان الطرف الذي يسيطر على المفاتيح (الجبال والتباب)، هو القادر على فرض سيطرته على بقية المساحات القريبة والمحيطة والتي تقع على مدى فاعلية النيران والقذائف. وكانت الميليشيات تمتلك مفاتيح السيطرة على الضباب، وهي: جبل هان وحدائق الشهيد اليمني والمقهاية والمقبابة.
وبعد تلك المعركة الرئيسية الأخيرة بخمسة أشهر، جاءت المفاجئة في 18 أغسطس 2016، حين تحرك الجيش الوطني والمقاومة الشعبية في حملة عسكرية أوسع لتحرير المدينة، تمكنت خلالها من استعادة جبل هان، وبقية الجبال والتباب المحيطة بمنطقة الضباب، وبذلك نجحت كليا من فك الحصار عن المدينة من الجبهة الجنوبية الغربية (خط: لحج – التربة – الضباب – مدينة تعز).
ويعتبر جبل هان، هو المفتاح الرئيسي للتحكم بهذا الخط الحيوي الهام. لذلك تستميت الميليشيات حتى الأن من أجل استعادته مستخدمة مختلف الخطط وكافة الأسلحة القتالية الثقيلة والمتوسطة والخفيفة، بشكل يومي، إلى جانب مواصلة القصف المدفعي الشديد على الجبل بما في ذلك استخدام منصات الكاتيوشا. لكنها لم تفلح حتى الأن، حيث قام الجيش الوطني والمقاومة بتعزيز الموقع بالسلاح الثقيل وعدد كبير من المقاتلين.
ثالثا: الخلاصة
من كل ما سبق ذكره، يمكن القول إن ثمة سبعة مواقع جبلية ومرتفعات استراتيجية رئيسية وهامة في مدينة تعز، عاصمة المحافظة، هي: قلعة القاهرة (جنوبا)، جبل جرة (شمالا)، تبة الأمن السياسي (غربا)، جبل المكلكل (شرقا)، تبة السلال (شرقا)، تبة سوفتيل (شرقا)، وتبة الأخوة (وسط المدينة).
ومع بداية المعارك في تعز كان الجيش والمقاومة الشعبية يسيطران على أثنين من تلك الجبال والمرتفعات هما: جبل جرة، وتبة فندق الأخوة، بينما تسيطر الميليشيات الانقلابية وتستحوذ على بقية الخمسة المرتفعات الجبلية. أي بنسبة (28.6%) للجيش والمقاومة الشعبية، في مقابل (71.6%) للميليشيات الانقلابية.
وبعد مرور سنة ونصف تقريبا من الحرب والمعارك الشرسة في المدينة تحولت النسبة أعلاه نفسها إلى العكس بين الطرفين. حيث أصبحت خمسة مواقع جبلية ومرتفعات تحت سيطرة الجيش والمقاومة الشعبية، وهي:
- قلعة القاهرة (جنوبا)
- جبل جرة (شمالا)
- تبة الأمن السياسي (غربا)
- جبل المكلكل (شرقا)
- تبة فندق الأخوة (وسط المدينة)
أما الموقعين الاستراتيجيين، اللذين ما يزالان تحت سيطرة الميليشيات الانقلابية، هما:
- تبة السلال
- تبة السوفتيل.
وكليهما تقعان إلى الشرق من مركز مدينة تعز.
أما إذا تحدثنا عن كافة الجبال والهضاب والمرتفعات في المدينة ومحيطها، سواء الاستراتيجية الهامة أم الثانوية، فإن عددها يرتفع تقريبا إلى 20 جبل ومرتفع جبلي، لا تستحوذ الميليشيات منها سوى على خمسة جبال ومرتفع جبلي وهضبة (تبة)، أي بنسبة تقل إلى 25% فقط، بينها تبتين استراتيجيتين هما: سوفتيل، والسلال (شرقا)؛ وجبل متوسط الأهمية هو: جبل الوعش؛ وتبتين ليس لهما أهمية استراتيجية كبيرة، هما: الصبري والحَرَاير (شمالا)..
وفي المقابل تسيطر قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية بقية العدد، أي بنسبة ترتفع إلى 75%، بينها
جبل جرة، جبل المكلكل، قلعة القاهرة، تبة الأمن السياسي، جبل هان (غربا)، ومقر اللواء 35 بالمطار القديم (الواقع على هضبة مرتفعة غرب المدينة).
وقد استثنينا موقع الدفاع الجوي، الممتد من شمال غرب المدينة إلى منتصفها الشمالي، والذي يتقاسمه الطرفان بنسبة متساوية تقريبا.
كما استثنينا من هذه الحسبة أيضا: كافة السلسلة الجبلية الواقعة في جبل صبر الممتد من جنوب شرق المدينة حتى جنوب وسط المحافظة، على الرغم من كونها أصبحت جميعها تحت سيطرة الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، وتعتبر مؤثرة جدا من حيث أنها تمثل مفاتيح سيطرة هامة على أجزاء كبيرة من المدينة.
وبهذه الحسبة، يمكن القول أن مدينة تعز، عاصمة المحافظة، باتت محررة بنسبة تصل إلى 90%، ومؤمنة من أي محاولات اقتحام بنسبة تصل إلى 80% تقريبا.
وحتى هنا، نكون قد فصلنا الجزء المتعلق بحرب الجبال والتباب وخارطة السيطرة فيها في مدينة تعز (عاصمة المحافظة) وأطرافها ومحيطها القريب. فيما يظل الجزء الأخر المتعلق ببقية مساحات المحافظة، التي تتوزع على 23 مديرية (تشكل منها مدينة تعز –العاصمة - ثلاث مديريات فقط)، بحاجة إلى مساحة مستقلة لتفصيله.
[caption id="attachment_7951" align="aligncenter" width="800"]خارطة توضيحية لكافة المرتفعات الجبلية والهضاب التي دارت رحى الحرب حولها في مدينة تعز ومحيطها [/caption]
حقوق النشر محفوظة 2016 © "يمن شباب نت"