ما تزال المنشئات الحكومية الواقعة شرق مدينة تعز، مهجورة حتى الأن، على الرغم من إعادة ترميمها وتأهيلها بمبالغ باهضة. وفيما عدى مبنى إدارة عام شرطة تعز الذي تم افتتاحه في نوفمبر الماضي عقب تأهيله، رفضت قيادات المحور والشرطة العسكرية والخدمة المدنية وغيرها، الإنتقال إلى مقراتها الجاهزة في منطقة الجحملية ومحيطها، بسبب قربها من المواجهات المسلحة.
منطقة حي الجحملية نفسها، ما تزال خالية من السكان، حتى بعد تفضل السلطة المحلية بإعادة تأهيل شوارعها وتوسعتها بتكلفة إجمالية بلغت 82 مليون و 455 ألف ريال.
وفي المنطقة الأبعد عن المواجهات، حيث المجمع الحكومي الواقع جوار البريد، لا تجد سوى مكتبي المالية والضرائب عادا إلى العمل بعد إعادة تأهيلهما، فيما لا يزال البريد مهجورا وعدد من المكاتب الحكومية الأخرى رغم إعادة تأهيلها، حيث المنطقة نفسها تكاد تخلو من السكان، حتى الأن، ولا تجد فيها سوى القليل من المارة، على عكس ما كانت عليه من إزدحام شديد قبل الحرب.
عقب تعيينه أوأخر العام 2017 محافظا لتعز، ذهب المحافظ السابق أمين محمود، للتركيز أكثر على الجانب التنموي، في محافظة ما زالت تمر بحرب طاحنة وحصار مفروض عليها من كافة مداخلها الحيوية الرئيسية من قبل ميليشيات الحوثي الانقلابية. في الوقت الذي كانت فيه المنطقة الأكثر تضررا، وذهب الرجل لصرف مبالغ كبيرة لإعادة تأهيلها، هي المنطقة الأقرب إلى المواجهات العسكرية!!
ومع ذلك، وحتى إذا ما تركنا جانبا الحديث عن هذا التوجه "الغريب" في العمل على حساب الأولويات الرئيسية، على رأسها وأهمها أولوية تحرير المحافظة قبل البناء والتنمية، فأن تلك المشاريع التنموية التي أعُتمدت وتم العمل عليها في عهد المحافظ السابق، لم ترقى حتى إلى المستوى المطلوب من التنفيذ!!
فوسط درزينة مخالفات مالية وقانونية متنوعة، تعثر العمل في مشاريع إعادة تأهيل عدد من المؤسسات الحكومية والشوارع الداخلية بمدينة تعز، فيما تسلمت السلطة المحلية بالمحافظة عدد منها دون المواصفات المطلوبة، في إطار ما عرف بمشاريع "إعادة تطبيع الحياة" بمدينة تعز، كانت الحكومة اعتمدت ميزانيتها وصرفتها في عهد المحافظ السابق.
بين يدي هذا التحقيق
وكشفت المعلومات التي حصل عليها "يمن شباب نت"، بالوثائق الرسمية، وعلى لسان مسئولين ومهندسين ذوو علاقة، أن معظم المشاريع التي تم العمل عليها في هذا الجانب، تحت متابعة وإشراف المحافظ السابق أمين محمود ووكيله المساعد للشئون الفنية مهيب الحكيمي، اتسمت بالاتكالية والعشوائية وعدم التخطيط المسبق، فضلا عن وجود مخالفات مالية وقانونية إجرائية فاضحة.
يأتي ذلك، على العكس تماما مما قدمته الألة الإعلامية التابعة للمحافظ السابق. والتي اعتمد عليها ودعمها بشكل مبالغ فيه، لتبالغ في تسويق مشاريعه الفاشلة، كإنجازات تنموية ضخمة في إطار إعادة تطبيع الحياة بالمدينة. حتى أنك تجد المدافعين عنه يقولون لك: صحيح إن المحافظ محمود أهمل الجانب العسكري والأمني وفشل فيهما، إلا أنه قدم شيئا لتعز في الجانب التنموي وأعاد تأهيل المؤسسات الحكومية والشوارع المتضررة من الحرب.
ولقد ظل مثل هذا التوصيف مجرد دفاع "إعلامي"، أما في العمق فكان العكس تماما، حيث يكشف هذا التحقيق الاستقصائي، الذي عمل عليه "يمن شباب نت" على مدى شهر ونصف، حجم التعثر والفشل والمخالفات والمبالغات التي اعترت وشابت معظم تلك المشاريع.
الأمر الذي بدوره يكشف- ضمنيا: لماذا أصر المحافظ، مع معاونيه ومستشاريه، العمل على هذا الجانب في مثل هذا التوقيت غير المناسب، رغم الانتقادات التي ظهرت حينها بهذا الشأن، كون المدينة ما تزال معرضه للخطر جراء الحرب المستمرة على مختلف أطرافها القريبة؟!
لا شفافية في المعلومات
العام الماضي، وفي خضم ما تمر به المدينة من حرب شرسة مع ميليشيات الحوثي الانقلابية، بذل المحافظ السابق أمين محمود جهودا مكثفة لإطلاق وصرف الميزانية التي كانت اعتمدتها الحكومة للسلطة المحلية بتعز في عهد المحافظ السابق علي المعمري، تحت بند خاص باسم "إعادة تطبيع الحياة في المدينة"، والتي خصصت لتنفيذ مشاريع ترميم وإعادة تأهيل البنية التحتية للمدينة والمحافظة، بما في ذلك ترميم وإصلاح عدد من شوارع المدينة الداخلية المتهالكة.
وتفاوتت الروايات التي حصل عليها "يمن شباب نت" بخصوص حجم المبالغ التي خصصت لهذه المشاريع، والتي اعتمدتها الحكومة بناء على ما رفع إليها من دراسات فنية تضمنت المواصفات الفنية، والتكلفة التقديرية لها.
وقال مصدران، لهما علاقة بهذه المشاريع، لـ"يمن شباب نت"، إن المبلغ المعتمد من الحكومة لهذه المشاريع يصل إلى 4,000,000,000 ريال، (أربعة مليارات ريال)، على الأقل. وأكد أحد المصدرين أن هذا المبلغ وضع في البنك المركزي في العاصمة المؤقتة عدن، تحت حساب خاص باسم "موازنة إعادة تطبيع الحياة" بمدينة تعز، وكان يتم الصرف منه بأوامر مباشرة من المحافظ السابق أمين محمود.
لكن مدير عام مكتب الأشغال العامة بالمحافظة، المهندس عبد الحكيم الشميري، أفاد "يمن شباب نت"، في لقاء مقتضب وسريع معه في مكتبه، أن المشاريع الخاصة بهذا البند، قسمت على مرحلتين؛ خصص للمرحلة الأولى منها مبلغ: 2,000,000,000 ريال (أثنين مليار ريال)، والذي- على حد علمه- تم صرفه بالكامل، لكنه نفى معرفته بحجم المبلغ المخصص للمرحلة الثانية، أو متى سيتم البدء بها!! لافتا إلى أن مكتبه لم يتقاضى حتى الأن مستحقاته السابقة من الإشراف على المشاريع المنفذة في المرحلة الأولى.
مصادر أخرى مطلعة، رجحت لـ"يمن شباب نت" أن يكون أجمالي المبالغ المخصصة لهذه المشاريع مقدارها ثلاثة مليار ريال، شاملة تغطية المرحلتين.
وفي لقاء خاص مع صحيفة الأيام، نشره موقع الصحيفة في 10 أكتوبر 2018، قال الوكيل المساعد للشئون الفنية بالمحافظة "مهيب الحكيمي"، إنه "تم تخصيص 2 مليار ريال تحت مسمى «ميزانية التطبيع» كمرحلة أولى في عام 2017م، وبدأ تنفيذ الأعمال في شهر فبراير 2018م وفق الرؤية العامة لقيادة المحافظة، وتوجيهات القيادة العليا للدولة".
وأضاف، إن "المحافظ أمين محمود، قدم في يونيو 2018، مصفوفة لمشاريع كمرحلة ثانية، بتكلفة 5 مليارات و 549 مليونا، للجانب الحكومي، وما تم تعزيزنا به هو مليار ريال فقط".
في 4 يوليو الجاري، وجه "يمن شباب نت" مذكرة رسمية إلى مكتب الوكيل الحكيمي؛ وأخرى إلى مكتب مدير الأشغال بالمحافظة، بطلب معلومات حول إجمالي حجم المبالغ التي خصصتها الحكومة؟ وتفاصيل المشاريع المخصصة لها؟ وما نفذ منها وما تعثر منها حتى الأن...؛ إلا أننا لم نتلق أي رد حتى كتابة هذا التحقيق، رغم المتابعة المستمرة!!
عشوائية وسوء تخطيط
كشفت الوثائق التي حصل عليها "يمن شباب نت"، واللقاءات التي أجراها، أن المشاريع المنفذة شابها عشوائية في التخطيط والدراسات الأولية إبتداء، ثم تبعها قصور في إجراءات التنفيذ منذ البداية، بما في ذلك مخالفات واضحة في اختيار المقاولين المنفذين، الذين تم اختيار عدد منهم بالتكليف المباشر من المحافظة بدون مناقصات..
كما كشفت عن وجود مخالفات قانونية، ومبالغات مالية، وأخطاء وتقصير واضح في الأداء وتطبيق المواصفات المطلوبة، مع إهمال كبير وانعدام المسئولية في الإشراف والرقابة، وعدم الامتثال لشروط العقود المبرمة، سواء تلك التي بالتكليف المباشر، أم حتى عبر المناقصات..!!
وسنبدأ بالإشارة أولا، وبشكل سريع، إلى مشاريع ترميم عدد من الطرقات والشوارع الداخلية، والتي ما تزال متعثرة، أو لم تستكمل حتى الأن رغم انتهاء فترة التنفيذ بموجب العقود.
ونتيجة للعشوائية وعدم التخطيط المسبق والتسرع، منحت بعض هذه المشاريع لمقاولين لا يملكون القدرات والإمكانات، بما في ذلك الآلات والمعدات اللازمة لإنجاز العمل كما يفترض وطبقا للعقود الموقعة معهم، واللذين غالبا ما تم منحهم الامتياز دون التزام الإجراءات القانونية، أو بالالتفاف عليها، أحيانا!! وكان ملاحظا أنه تم توزيع الأعمال بين عدد من المقاولين المعروفين لدى المحافظة حتى أنك لا تجد مقاولا مكررا في أكثر من عمل، ما يدل على حدوث عملية توزيع لاستيعاب عدد أكبر من المقاولين بدون أي إجراءات قانونية (مناقصات). وقد نجم عن ذلك عدد من الاختلالات والقصور في الأداء والتنفيذ.
فعلى سبيل المثال، لا الحصر، نجد أن الشوارع الداخلية مثل: شارع "النسيرية" المؤدي إلى صينة، وشارع "المصلى"، وشارع محمد علي عثمان، وشارع العواضي..؛ جميعها انتهى مقاولوها من أعمالهم الرئيسية في ترميم وتجديد شبكات المياه والصرف الصحي، أو الاتصالات.. الخ، (والتي تسبق عادة عمليات إعادة تأهيلها سواء بالإسفلت أو بالخرسانات الأسمنتية)، لكنهم جميعا لم يقوموا، حتى الأن، بإعادة ردمها بالأسفلت كما تنص العقود!!
والسبب في ذلك، كما علم "يمن شباب نت" من مصادر ذات علاقة بالعمل، أن جميعهم (المقاولين) لا يملكون المواد والآلات اللازمة (مادة الأسفلت، خلاطة الأسفلت، عربة الدك...) لإكمال أعمالهم بموجب العقود الموقعة معهم!!
وحاليا ما تزال هذه الشوارع متعثرة ومشوهة، حيث يظهر جزء الأسفلت المجتزئ منها وقد تم ردمه بالأتربة فقط. ولانعدام الأشراف وقصور الرقابة من قبل الجهات المسئولة، ما يزال الحال كما هو عليه منذ عام تقريبا!!
(أنظر الصور المرفقة أدناه لعدد من هذه الشوارع المشوهة بعد أن تم الانتهاء منها)
مثال آخر: مشروع ترميم وإعادة تأهيل منطقة جولة الصقر ببير باشا، على مدخل جامعة تعز (غربا)، ما يزال العمل فيه متعثرا، حتى الأن، رغم اعتماد ميزانيته منذ عام تقريبا لعمل خرسانات اسمنتية مسلحة. وأرجع مسئول رسمي في "مركز صيانة طريق التربة - تعز"/ التابع للمؤسسة العامة للطرقات، وهو الجهة المكلفة بتنفيذ هذا المشروع/ السبب في ذلك إلى عدم البدء أولا بالأعمال التمهيدية في إصلاح شبكات المياه والصرف الصحي والاتصالات في المنطقة المطلوب صبها بالخرسانات الأسمنتية. (أنظر الصورة المرفقة أدناه، الموضحة لموقع المشروع)
مثال آخر: وفي منطقة "القبة"، مقابل مقر شركة سبأفون، أوقف "مركز صيانة طريق التربة – تعز" أيضا، أعماله في تنفيذ خرسانات اسمنتية، بعد أن كان قد قطع شوطا لا بأس به في المشروع على أحد خطي الطريق. والسبب- كما يقول المسئول الرسمي في مركز الصيانة لـ"يمن شباب نت"- يرجع إلى اكتشاف أخطاء أثناء العمل في عبارة السيول الواقعة اسفل المنطقة!! ما أضطرهم إلى التوقف عن مواصلة العمل بإنتظار إصلاح هذا الخلل أولا، مؤكدا أن هذا الجزء من العمل لا يندرج ضمن مسئولية المركز. (أنظر الصورة المرفقة أدناه، الموضحة للمشروع المتعثر)
وفي الخلاصة، تؤكد هذه الاختلالات والتعثرات، على عشوائية الدراسات والتخطيط، ولا مسئولية القائمين على هذه المشاريع، الذين سارعوا فقط إلى تقديمها ضمن الخطة بهدف اعتمادها دون دراسات كافية يفترض بها أن تشمل كافة الجوانب الفنية والعملية، إلى جانب الشروط والقدرات اللازمة لأي جهة يتم اختيارها للتنفيذ، على أساس الكفاءة وامتلاك كافة الإمكانات اللازمة لتنفيذ المشاريع وفقا للمواصفات المطلوبة.
طريق السوق المركزي.. مخالفات كبرى
يعتبر مشروع إعادة تأهيل منطقة السوق المركزي (وسط المدينة) أحد المشاريع الرئيسية الهامة، التي حدثت فيه عدد من المخالفات القانونية الواضحة والكبيرة.
وقبل الدخول في تفاصيل تلك المخالفات، هناك توضيحات تمهيدية سريعة لا بد منها، نوردها بشكل فقرات متسلسلة على النحو التالي: -
- قام المحافظ بمنح "مركز صيانة طريق التربة - تعز" امتيازات تنفيذ كافة مشاريع إعادة تأهيل "الشوارع الداخلية" في المدينة. فيما منح "دائرة الأشغال العسكرية" بالمحافظة، امتيازات تنفيذ معظم مشاريع إعادة ترميم المنشآت والمؤسسات الحكومية. وكلا الأمرين تمّا عن طريق التكليف المباشر، دون مناقصات عامة، أو حتى محدودة.
- وبحسب مصدر في الجهاز الفني للمحافظة، تحدث مع "يمن شباب نت" عن هذا الأمر شريطة حجب هويته، فقد برر المحافظ هذا التصرف إلى كون الجهتان حكوميتان؛ وبالتالي فإنه يرغب في دعمهما، من جهة، ومن جهة أخرى فإن الموارد المالية الضخمة التي ستحصل عليها الجهتان ستصب في خزينة الدولة. بحسب تبريرات المحافظ بالطبع.
- وبصرف النظر عن مخالفة هذا التصرف لقانون المناقصات والمزايدات والمخازن الحكومية ولائحته التنفيذية، (وهذا ما سنوضحه لاحقا)، فإن الشق الثاني من التبرير لم يكن صحيحا بالمطلق. ومرد ذلك إلى حقيقتين، هما: -
1- أن الجميع يعرف، بما في ذلك المحافظ نفسه، أن كلا الجهتان المكلفتان لا تقومان بتوريد مواردهما المالية إلى خزينة الدولة. حيث وأنهما انفصلتا كليا عن رأسهما في العاصمة صنعاء منذ انقلاب ميليشيات الحوثي على السلطة الشرعية، لتصبحا حاليا بلا رأس رسمي، حتى أنهما لم تعودا تتعاملان مستنديا مع أي جهة حكومية مسئولة، وكل ما يتحصلان عليه من موارد تصب في حساباتها الشخصية دون خضوع لأي رقابة أو حسابات حكومية رسمية، حتى الأن على الأقل.
2- الأمر الأخر، وهو أيضا لا يقل أهمية عن سابقه: أن دائرة الأشغال العسكرية بالمحافظة قد أصبحت بحكم المنتهية عمليا، ولم تعد تمتلك أي مقومات للعمل، من آلات ومعدات وكادر بشري...الخ، بالمطلق، كما أكد أكثر من مصدر لـ"يمن شباب نت".
وكل ما قامت به هنا أنها أبرمت عقودا رسمية مع المحافظة بتنفيذ العمل (بالتكليف المباشر طبعا)، لتقوم هي بإبرام عقودا أخرى، من "الباطن"، مع شركات ومقاولين آخرين لديهم الإمكانات اللازمة بالتنفيذ وإنجاز العمل بالنيابة. وهذا أمر- مع أنه يعد التفافا واضحا، وفضيحة بحد ذاته- فقد حدث بعلم الجميع وتحت سمع وبصر المحافظة، والمكتب الفني التابع لها، والذي يعمل تحت إشراف وكيل المحافظة المساعد للشئون الفنية.
- على أن هذا الحال لم يكن ينطبق تماما على "مركز صيانة طريق التربة – تعز"، الذي يمتلك كافة تلك المقومات الفنية والعملية، على العكس تماما من حال دائرة الأشغال العسكرية، الذي أوضحناه آنفا. فالمركز، مع أنه لم يعد يتبع المؤسسة العامة للطرقات بصنعاء، وأصبح مستقلا ماليا وإداريا ولا يتعامل مستنديا مع الجهات الحكومية، إلا أنه مع ذلك مازال يمتلك كافة الإمكانيات (من معدات وأدوات وأجهزة وكادر بشري كبير من إدارة ومهندسين وعمال..الخ)..
- ومع ذلك، كان من المثير جدا أن يتجاوز المحافظ كل هذه الحقائق ويمنح الثقة الأكبر لدائرة الأشغال العسكرية بستة مشاريع تصل تكلفتها الإجمالية بمبلغ 425 مليون 454 ألف ريال. بينما يمنح مركز صيانة الطرق ثقة أقل بتنفيذ مشاريع ترميم طرق بتكلفة إجمالية بلغت 234 مليون و 826 ألف و 425 ريال، فقط. على الرغم من هذا الفارق الواضح في القدرات والإمكانيات الفنية والبشرية الموجودة على الأرض!! حتى أن دائرة الأشغال العسكرية كانت تستعير معدات وأجهزة مركز صيانة الطرق لتسريع أعمالها!!
- ويزداد الشك والريبة أكثر، حين نجد أن المحافظة استثنت مركز الصيانة من تنفيذ أهم مشاريع الطرقات: "مشروع إعادة تأهيل طريق السوق المركزي"!! إلى جانب مشروع "تنفيذ المخطط العام لشوارع منطقة الجحملية"، مع أن مجال عمله الرئيسي في هذا الجانب. وبدلا من ذلك، تم تسليم هذين العملين إلى دائرة الأشغال العسكرية، بشكل استثنائي. (هذان المشروعان هما الوحيدان اللذان يمنحان للدائرة في مجال إعادة تأهيل الطرقات، فيما بقية المشاريع الأربعة الأخرى الممنوحة لها، جميعها ترميم "مؤسسات ومنشآت" حكومية)!!
- وإذا كان من الممكن استثناء مشروع تنفيذ مخطط شوارع الجحملية، بإعتباره قريبا من منطقة المواجهات ولا أحد من المقاولين سيقبل العمل عليه خشية الخسارة، بحسب تبريرات الوكيل المساعد للشئون الفنية بالمحافظة ضمن مقابلته التي اشرنا إليها سابقا مع صحيفة الأيام..
- إلا أنه من غير الممكن تبرير الاستثناء الثاني، الأهم، بخصوص تنفيذ طريق السوق المركزي، كونه يقع في منقطة وسط المدينة هي الأبعد عن المواجهات، والأكثر أمنا منذ بداية الحرب وحتى الأن!! الأمر الذي يضفي المزيد من الريبة والشك من وراء هذا الإستثناء، وهو ما سنحاول إثباته بالتفصيل في ما تبقى من هذا التحقيق.
مخالفات قانونية بيّنه
حين رفع مكتب الأشغال العامة بالمحافظة الدراسة الخاصة بمشروع السوق المركزي، حدد لها تكلفة إجمالية قدرها 77 مليون و 130 ألف و388 ريال، وأقترح إنزال هذا المشروع عبر "مناقصة محدودة" (أي بين ثلاث جهات معروفة على الأقل، سبق لها وأن عملت مشاريع ناجحة مع الجهات الحكومية بالمحافظة، ويكون سجلها نظيف وتمتلك كافة القدرات اللازمة للعمل..)، لكن المحافظ، تجاوز هذه التوصية وسلم المشروع بـ"التكليف المباشر" لدائرة الأشغال العسكرية، التي لا تمتلك أي قدرات لازمة للعمل، كما سبق وأن أوضحنا ذلك.
وكيل المحافظ المساعد للشئون الفنية، مهيب الحكيمي، كان أكد ضمن لقائه المشار إليه سابقا مع صحيفة الإيام، على أن "القانون صريح في تحديد الجهة المنفذة"، لكنه مع ذلك برر هذه المخالفة بقوله "ويحق للمحافظة تكليف المؤسسات الحكومية مثل دائرة الأشغال العسكرية، أو مؤسسة الطرق، كتكليف مباشر وبسعر التكلفة المرفوع به من اللجنة الفنية للمناقصات".
ومع ذلك، من السهل التأكيد على أن هذا الإجراء- عند هذه الحالة- يعد مخالفا للقانون رقم (23) لسنة 2007 بشأن المناقصات والمزايدات والمخازن الحكومية، في مادته رقم (17) التي لا تُجيز استخدام "التكليف المباشر" إلا في حالات محددة، وردت أيضا في المادة رقم (30) من اللائحة التنفيذية للقانون، مع زيادة حالتين آخريتين، وتحديد ثلاثة ضوابط يجب مراعاتها عند استخدام هذا الإجراء: "التكليف المباشر". (أنظر الصورة المرفقة أدناه والتي توضح نص المادة 30 من اللائحة التنفيذية)
ولا تنطبق أي من هذه الحالات المحددة ولا الضوابط المشار إليها بالمادة، على مشروع طريق "السوق المركزي"، ما يجعل استخدام المحافظة لهذا الإجراء مخالفة صريحة للقانون، توجب المسائلة والتحقيق.
مخالفة تعديل التكلفة
أوضحنا سابقا أن مكتب الأشغال العامة بالمحافظة سبق وأن حدد التكلفة التقديرية لتنفيذ طريق السوق المركزي بـ(77,130,388) ريال. وعلى هذا الأساس تم توقيع العقد مع دائرة الأشغال العسكرية بـ"التكليف المباشر" للتنفيذ. وحتى بصرف النظر عن انتفاء حالات وضوابط "التكليف المباشر" كما أوضحنا آنفا، فقد حدثت مخالفة قانونية أخرى، حين أوقفت دائرة الأشغال العسكرية أعمالها بعد فترة قصيرة من توقيع العقد، مطالبة برفع التكلفة المالية تحت ذريعة ارتفاع أسعار صرف الدولار مقابل العملة المحلية!!
وتعززت المخالفة حين وافق المحافظ على هذه الزيادة، وأبرم معها عقدا آخرا جديدا بمبلغ 97 مليون و 968 ألف و 186 ريال. أي بزيادة بلغت 20 مليون و 837 ألف و 768 ريال؛ وبنسبة تجاوزت 27% من التكلفة التقديرية. (أنظر إلى الوثيقة المرفقة أدناه/ وثيقة رقم "1"/، والتي تتضمن مقارنة بين وثيقتين توضحان الفارق بين التكلفتين التقديريتين قبل وبعد التنفيذ)
للتذكير: إذا عدنا إلى تصريحات وكيل المحافظة المساعد للشئون الفنية لصحيفة الأيام، والتي أوردناها قبل قليل فقط، سنجده قد أشار في نهايتها إلى أن "التكليف المباشر" من المحافظة يتم وفقا لـ"سعر التكلفة المرفوع به من اللجنة الفنية للمناقصات". لكن كيف حدث أن هذه الزيادة تمت الموافقة عليها بالمخالفة لهذا الشرط؟!
وأستنادا إلى قانون المناقصات ولائحته التنفيذية، فإن هذه الزيادة تعد مخالفة للمادتين (27) من القانون و(242) من اللائحة التنفيذية (أنظر الصورة المرفقة أدناه، والتي توضح نص المادة 242 من اللائحة التنفيذية، والتي تشمل أيضا نص المادة 27 من القانون حتى الفقرة "ج")
وبالنظر إلى نصوص القانون ولائحته التنفيذية، يتضح وجود عدد من المخالفات، أبرزها: -
- عدم التزام الأسس والقواعد الضابطة التي بموجبها تكون الموافقة على الزيادة بعد توقيع العقد.
- عدم وجود أي مبررات قانونية حددها القانون تنطبق على مثل هذه الزيادة.
- تجاوز الزيادة نسبة الـ20% (المسموح بها مع التزام الأسس والقواعد المحددة بالقانون)، حيث وصلت الزيادة المقرة هنا إلى أكثر بقليل من 27% من قيمة العقد الأصلي.
- وكان الأصل- وفقا للمادة 242 من اللائحة التنفيذية- العودة إلى اللجنة العليا للمناقصات لأخذ الموافقة المسبقة عليها قبل التنفيذ. وهو مالم يتم قطعا.
وحصل "يمن شباب نت" على وثيقة خاصة، صادرة من فرع مكتب الأشغال بالمحافظة في شهر أكتوبر 2018، بتقديم الرأي القانوني إلى المحافظ للموافقته على هذه الزيادة. وتكشف الوثيقة أن الزيادة شملت المشاريع الستة التي كلفت بها دائرة الأشغال العسكرية، وأنها لم تكن مقتصرة فقط على مشروع طريق "السوق المركزي". حيث تعرض الوثيقة تكلفة كل مشروع بعد الزيادة. ما يضاعف كثيرا المبالغ الضائعة، أو المُتقاسمة بالأحرى. حيث يقترب إجمالي المبلغ المخصص من نصف مليار ريال للمشاريع الستة!!!
وبالقياس بمشروع السوق المركزي، يمكن أعتبار أن متوسط الزيادات في هذه المشاريع الستة يصل إلى 25%، فإن إجمالي المبلغ الزائد قد يصل إلى 120 مليون ريال!!! وهذه مجرد حسبة أفتراضية لستة مشاريع فقط، بينما أن عدد المشاريع المعتمدة والمقرة والتي تم العمل عليها تصل إلى أزيد من 35 مشروعا، بإجمالي مبلغ يقترب من مليارين ونصف (تقريبا)، بالتحديد: (2,318,300,573) ريال.
واستندت الوثيقة المذكورة على المادة رقم (108) من قانون المناقصات رقم (23)، والتي تنص على: "عندما تكون الحكومة هي المسئولة عن رفع الأسعار للمواد أو الخدمات ذات العلاقة في مكونات العقود أو بعضها يجوز للجان المناقصات المختصة في ضوء المعالجات المقرة من مجلس الوزراء تعديل قيمة الجزء المتبقي من العقد من تاريخ وقوع الأثر. وتحدد اللائحة الضوابط اللازمة لذلك". (أنظر الوثيقة المرفقة أدناه بهذا الخصوص)
ويعد هذا؛ إما جهلا بالقانون، أو محاولة التفاف غبية عليه. حيث تحدد المادة (244) من اللائحة التنفيذية الضوابط اللازمة لمثل هذا الإجراء.. (أنظر الصورة المرفقة أدناه لنص المادة 244 من اللائحة التنفيذية)
من المادة المرفقة أعلاه، نجد أن البند (أ) يلزم بالعودة إلى مجلس الوزراء لدراسة الحالة وإقرارها. وهو مالم يتم بتاتا من قبل المحافظة. كما أنه حتى في حالة موافقة مجلس الوزراء، يلزم البند (ب) من المادة المذكورة أحتساب المعالجة للمشاريع قيد التنفيذ للأعمال المتبقية "من تاريخ الأثر المحدد في قرار مجلس الوزراء وفقا للبرنامج الزمني المحدد في العقد للتنفيذ". على أن ما حدث في حالة السوق المركزي هو الموافقة على الزيادة في كامل المشروع، من بدايته وليس من تاريخ الأثر المحدد في العقد..
أضف إلى ذلك، أن الفقرة (أ) من المادة رقم (267) من اللائحة، تشير إلى أنه في حالة تسوية الخلافات التي نشأت بين الطرفين بالطرق الودية وبما يحفظ حقوق والتزامات الطرفين وذلك عن طريق التفاوض المباشر "وإذا ترتب على التسوية الودية أي أعباء مالية فيجب أخذ الموافقة المسبقة عليها من قبل اللجنة العليا بعد تقديم كافة الوثائق والبيانات والمبررات لتسوية الخلاف".
لكن، على ما يبدو، أنه حدثت محاولة التفاف على هذه النصوص، من خلال توقيع عقد جديد بدون ذكر للتواريخ. وحصل "يمن شباب نت" على وثيقة العقد الجديد الموقع بين المحافظة ومدير دائرة الأشغال العسكرية.. (أنظر الوثيقة المرفقة أدناه/ وثيقة رقم "3"/ والتي تتضمن صفحتي العقد الجديد)
وما يجعل مثل هذا الأمر غريبا، ومثار شك، وربما محاولة "التفاف" على القانون، أن العقد الجديد حدد فترة التنفيذ بثلاثة أشهر، دون أن يذكر أي تاريخ، بما في ذلك تاريخ توقيع العقد نفسه، وتاريخي البدء بالعمل والانتهاء منه. في حين أن العقد المذكور قد تم توقيعه وتعميده بختم الطرفين (المحافظة ودائرة الأشغال)، بما يعني أن تكون التواريخ النهائية قد حددت!!
مخالفات التنفيذ
وعلى أية حال، فإن الوثيقة الخاصة بتقديم "الرأي القانوني"، والتي ارفقناها سابقا، حددت فترة الثلاثة أشهر من 5/9/ 2018 (تسليم الموقع للمقاول)، إلى 6/ 12 / 2018 (تاريخ الاستلام الإبتدائي المفترض). ومع ذلك، لم يتم الانتهاء من هذا العمل وتسليمه إلا في شهر مايو الفائت، على الأرجح، طبقا لمصدر في المحافظة. أي بفارق نصف عام تقريبا عن الفترة المحددة بالعقد.
واختلفت المصادر التي تحدث إليها "يمن شباب نت" في توصيف طبيعة التنفيذ، ما بين مؤكد على انتهاء المشروع بالكامل وفقا للمواصفات المحددة بالعقد على أكمل وجه، وبين من ينفي ذلك، متحدثا عن بعض القصور والنواقص بنسبة 6% تقريبا.
وعند نزولنا إلى موقع التنفيذ، وجدنا بعض المخلفات التالفة، القديمة، التي تم قشعها، ولم ترفع بشكل نهائي. حيث ما زالت موجودة حتى الأن وسط الشارع الرسمي، وقد تحولت تلك المخلفات الترابية إلى طبقة متكلسة فوق الأسفلت القديم، الذي انتهت إليه الخرسانة الإسمنتية في الجانب الغربي من الطريق. على الرغم أن مواصفات وشروط المشروع تؤكد على ضرورة التخلص من المخلفات أولا بأول وتحت نظر السلطة المحلية!! (أنظر الصور المرفقة أدناه والتي توضح وجود تلك المخلفات)
شبهات وراء الصفقة
وثمة حديث شائع في أروقة المحافظة، بعضها لمطلعين على المشاريع، عن وجود صفقات مشبوهة هي التي تقف وراء مثل هذه التجاوزات، خصوصا وأن الجهة المقاولة للعمل (دائرة الأشغال العسكرية) كانت موافقة كليا على مواصفات وشروط المشروع طبقا للتكلفة التقديرية المحددة بـ(77,130,388) ريال، وعلى أساس ذلك وقعت العقد.
وذلك على أعتبار أن طريقة أختيار الجهات المنفذة عبر "المناقصات المحدودة" تقوم على أساس أن هذا الأختيار يحدث "عندما يكون مبلغ تنفيذ العمل المطلوب في إطار السقف المالي للمناقصة المحدودة" وفقا لنص الفقرة (1) من المادة (14) للائحة التنفيذية.
وتختتم المادة بالتأكيد على أنه في جميع الأحوال، يجب موافقة لجنة المناقصات المختصة قبل اللجوء إلى هذه الطريقة "وعليها أن تتأكد أن الأسعار متقاربة مع الأسعار في السوق". وهذا ما يعتقد أنه حدث في بداية الأمر. إلا أنه يعتقد أيضا أن مطالبة دائرة الأشغال العسكرية لاحقا بتعديل أسعار التكلفة، جاء بناء على تدخلات من خارج الدائرة ضمن صفقة انتهت- كما خطط لها- بالموافقة وتقاسم تلك الزيادة. كما يشاع على نطاق واسع هنا في أروقة السلطة المحلية. خصوصا وأن دائرة الأشغال العسكرية لم تعد تتبع أي جهة حكومية (عمليا) في الوقت الراهن على الأقل، وبالتالي فإنها لا تتعامل وفقا للإجراءات المستندية المعمول بها رسميا لمعرفة أين ذهبت تلك الأموال، ومنها الزيادة المذكورة!!
ويشمل هذا الأفتراض كافة المشاريع الستة التابعة لدائرة الاشغال العسكرية، وليس فقط مشروع السوق المركزي. (تصل مبالغ الزيادة في جميع المشاريع الستة إلى أكثر من 120 مليون ريال، وفقا للحسبة الأفتراضية التي أجريناها أعلاه).
ويزيد من هذه الشكوك، عدة مؤشرات، أبرزها رفض المحافظة التعامل مع الجهة الحكومية الأخرى، وهي "مركز صيانة طريق التربة – تعز"، بالمثل في هذا الإجراء. بل وقيام اللجنة الفنية بالمحافظة بتسويغ هذا الرفض إستنادا إلى القانون!! وهو القانون نفسه الذي استند إليه سابقا مكتب الأشغال بالمحافظة لتبرير الموافقة على الزيادة المطلوبة لنظيرتها "دائرة الأشغال العسكرية"!!! بما يعزز الشكوك من أن التعامل كان يتم وفقا للطلب والحاجة وليس للقانون!!
وحصل "يمن شباب نت" على وثائق تؤكد هذه التناقضات بشكل واضح وجلي: -
- الوثيقة الأولى: مذكرة من مدير مركز صيانة طريق التربة – تعز، بتاريخ 23/10/2018، وهي أول مذكرة رسمية رفعها المركز إلى مهيب الحكيمي- الوكيل المساعد للشئون الفنية بالمحافظة، تطالبه بتعديل الأسعار لأعمال الترميمات للشوارع الداخلية، التي تم تكليف المركز بها.
- الوثيقة الثانية: مذكرة أخرى رفعها مدير المركز إلى محافظ المحافظة بتاريخ 8/1/ 2019، تجدد المطالبة برفع الأسعار، تأسيسا على نفس المبررات السابقة. (أكد مصدر في المركز لـ"يمن شباب نت" أن بين الرسالتين توجد رسائل أخرى بنفس الطلب، لكن لم يتم إعارتها أي أهتمام)
- الوثيقة الثالثة: رد اللجنة الفنية لدراسة الطلب الأخير. (أنظر الوثائق المرفقة أدناه، والتي تشمل هذه المذكرات الثلاث على الترتيب من اليمين إلى اليسار)
الملاحظات: مع أن المركز برر طلبه بزيادة أسعار أعمال الترميم "نظرا للإرتفاع الكبير لسعر صرف الدولار"، وهو نفس المبرر الذي تم بناء عليه رفع الأسعار الخاصة بأعمال دائرة الأشغال العسكرية. ومع ذلك لم تتم الموافقة (حتى الأن) على مطالب مركز صيانة الطرق!!
والمثير، هنا، أن رد اللجنة الفنية لدراسة الطلب أكدت على تقارب تواريخ توقيع العقود مع الجهتين (الفارق شهر واحد فقط)، إلا أنها لم تحسم أمرها، كما فعلت اللجنة السابقة مع طلب دائرة الأشغال العسكرية بالموافقة على زيادة أسعار التكلفة والتنفيذ!!
وبدلا من ذلك، اقترحت لجنة دراسة طلب مركز الصيانة برفع الموضوع إلى اللجنة الإشرافية "لاتخاذ ما تراه مناسبا"، مختتمة رسالتها بالملاحظة التالية: "مع العلم بأن فوارق الأسعار يتم إقرارها من رئاسة الوزراء". وهي إشارة تؤكد عدم امتلاك المحافظة حق الموافقة المباشرة على مثل هذه الزيادة. ما يعني- ضمنيا- أن عملية تعديل التكلفة السابقة لدائرة الأشغال العسكرية، لم تكن قانونية، هي الأخرى أيضا، كونها تمت مباشرة من المحافظة دون العودة إلى رئاسة الوزراء!!
عقوبات قانونية
وتنص الفقرة (جـ) من المادة رقم (248) من اللائحة التنفيذية على الأتي: "في الحالة التي يثبت فيها تواطؤ بقبول أعمال غير سليمة أو أعمال وهمية، فيتم إحالة كل من تواطأ للمساءلة القانونية من قبل الجهة مع ضرورة تحمل المقاول أو المورد أو الاستشاري مسئوليته عن سلامة وصحة الأعمال التي قام بتنفيذها بحسب العقد".
كما تنص المادة رقم (249) على : أ- إذا ثبت أن أحد أعضاء لجان المناقصات أو اللجان الفنية أو اللجان المتخصصة أو لجان الفحص والاستلام استغل عمله بطريقة مباشرة أو غير مباشرة بالتواطؤ مع أحد المقاولين أو الموردين أو الاستشاريين بإفشائه أسراراً تتعلق بالمناقصة أو قام باستلام توريدات بالمخالفة للمواصفات أو وقع على مستخلصات أو على شهادة استلام المقاولات أو أعمال الخدمات بخلاف المواصفات فعلى الجهة إحالته إلى النيابة العامة لاتخاذ الإجراءات وفقاً للقوانين النافذة وبما لا يخل بمهام واختصاصات الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد والهيئة العليا والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة.
مخالفات إضافية
لم تقتصر المخالفات على مشاريع تأهيل الشوارع الداخلية فحسب، بل طالت أيضا مشاريع ترميم المقار والمنشئات الحكومية. وهذا ما سنفرد له تحقيقا خاصا بعد اكتمال جمع المعلومات والوثائق اللازمة.
ومع ذلك، لا ضير من الإشارة إلى بعض تلك المخالفات. على سبيل المثال: مشروع ترميم وتأهيل مبنى المالية، الذي تم فيه الموافقة على زيادة أعمال ترميم مبنى المالية – المرحلة الثانية- من مبلغ 100,350,016 ريال كتكلفة تقديرية إلى مبلغ 126,569,737 ريال. أي بزيادة 26,219,721 ريال. وهي زيادة تتجاوز نسبة 26%، وتنطبق عليها مخالفة المادة رقم (27) من قانون المناقصات، والمادة (242) من اللائحة التنفيذية، بشكل رئيسي.
ومع أن أعمال ترميم المنشئات والمقار الحكومية، يمتلئ بالمخالفات، لاسيما سوء التنفيذ وعدم مطابقة معظمها للعقود المبرمة، على نحو كبير جدا، ربما يفوق ما سبق بخصوص ترميم طريق السوق المركزي.. إلا أننا سنكتفي هنا بإيراد وثيقتين تكشفان حجم المخالفات التي أعترت أعمال الترميم المتعلقة بالمقار الحكومية، كنموذجين للقياس فقط. على أمل أن تتاح لنا فرصة قريبة لأستعراض المزيد من التفاصيل في هذا الجانب.
والوثيقتين المرفقتين أدناه خاصتين بالمخالفات التي اعترت مشروعي: "أعمال ترميم وإعادة تأهيل مبنى قيادة الشرطة العسكرية"؛ و "أعمال ترميم وإعادة تأهيل مبنى قيادة إدارة أمن شرطة تعز"، وهما بالمناسبة يندرجان ضمن أعمال "دائرة الأشغال العسكرية"، وقد تم تسليمهما للسلطات المحلية، برغم الكم المهول من المخالفات التي تشكفها الوثيقتان أدناه..
أرقام فلكية:
- 35 هو إجمالي المشاريع التي تم اعتمادها، بينها مشاريع ترميم جهات على مرحلتين، ومشاريع شراء أدوات وأثاث وتجهيزات.
- 2,318,300,573 ريال، هو إجمالي المبالغ المعتمدة لها.
- 1,774,091,908 ريال، فقط، ما تم صرفه منها حتى مارس 2019.
- 543,209,663 ريال، إجمالي المبالغ المتبقية (التي لم تصرف بعد).
- 146,980,845 ريال، من إجمالي المبلغ المعتمد، خصصت فقط لتوريدات أثاث وتجهيزات مكاتب السلطة المحلية.
- 525,000,000 ريال، من إجمالي المبلغ المعتمد، خصصت تحت بند "مشروع توريد معدات نظافة"- لمرحلتين (أولى وثانية)، فيما لا تزال أحد مشاكل تعز الكبرى أنها تعاني من تكدس النفايات في كافة شوارعها!!!
- 166,803,920 ريال، من إجمالي المبلغ المعتمد، خصصت تحت بند "مشروع تأهيل وبناء مبنى واستراحة المحافظة"- على مرحلتين (أولى وثانية).
- 147,726,425 ريال، من إجمالي المبلغ المعتمد، خصص تحت بند مشروع "ترميم مباني السجن المركزي"، فيما تفيد المعلومات المؤكدة أن بيت هائل سعيد تكفلت بكافة نفقة إعادة تأهيل السجن المركزي!!!
وبالجملة، ومما سبق، يمكن القول إن مشاريع البنية التحتية الرئيسية المرتبطة مباشرة بالمواطن، غابت عن هذه المشاريع والأموال الكبيرة التي صرفت لها، مثل مشاريع الكهرباء والمياه (ماتزال شبكتي الكهرباء والمياه منقطعتين عن المحافظة منذ بداية الحرب)!!!
تنويه ختامي:
- تقدمنا إلى كل من: مكتب وكيل المحافظة المساعد للشئون الفنية؛ ومكتب مدير عام الأشغال العامة بالمحافظة، بمذكرات رسمية للحصول على معلومات بخصوص المشاريع وتكاليفها والمتعثر منها..، إلى جانب طلب توضيحات بشأن عدد من المخالفات القانونية، إلا أننا لم نحصل على أي استجابة بعد مرور فترة ثلاثة أسابيع (حتى ليلة نشر هذا التحقيق)