تطرقنا في الجزئيين الأول والثاني لتفاصيل المرحلتين الأولى والثانية من التهريب، بدء بتفصيل رحلة التهريب البحري الأولى خارج المياه اليمنية، ثم رحلة التهريب الثانية داخل المياه اليمنية، وصولا إلى سواحل شبوة، ومنها تبدأ الرحلة الثالثة والأخيرة للتهريب عبر الخطوط البرية الداخلية وصولا إلى يد الميليشيات الإنقلابية.
وهنا، ننتقل إلى الجزء الثالث والأخير من الملف، والذي نخصصه لمعرفة موقف السلطة المحلية من مشكلة التهريب المستشرية في المحافظة والحلول المطلوبة للمعالجة.
- للعودة إلى مقدمة الملف التوضيحية أضغط هنا
- للعودة إلى الجزء الأول/المرحلة الأولى/ تفاصيل رحلتي التهريب البحري خارج المياه اليمنية وداخل المياه اليمنية أضغط هنا
- للعودة إلى الجزء الثاني/المرحلة الثانية/ تفاصيل رحلة التهريب البري داخل محافظة شبوة أضغط هنا
موقف السلطة المحلية
السلطة المحلية بالمحافظة، من الواضح أنها تائهة وعاجزة عن عمل شيء إزاء مشكلة التهريب المستشرية عبر المحافظة، بما في ذلك التحكم أو إغلاق تلك الموانئ العشوائية التي أنشئت لهذا الغرض.
ويتأكد لنا ذلك أكثر من خلال الأمر الإداري الذي أصدره محافظ المحافظة عبدالله علي النسي، بتاريخ 8 مارس الماضي (2016). وتضمن هذا الأمر تشكيل لجنة برئاسة مدير مكتب النقل البري بالمحافظة، وعضوية مدير شركة النفط، ومدير عام البيئة ومستشار المحافظ، لدراسة وضع ميناء المجدحة الحالي والمستقبلي، ودراسة جدوى الشراكة مع المكتب الذي يدير الميناء حاليا (لم يشر القرار من هي الجهة التي تديره).
"المجدحة"..تكشف خلافات عميقة
من صيغة هذه الأمر الإداري، الذي حصل "يمن شباب نت" على نسخة منه، يتضح أن المحافظة سعت إلى عمل عقد شراكة مع الجهة التي تدير الميناء، وبشكل مؤقت لمدة عام ويتم تجديده كل ستة أشهر، بحيث تتحصل السلطة المحلية بموجب هذه الشراكة على نسبة من الرسوم التي يتحصلها الميناء. كما حدد الأمر الإداري أن يتضمن العقد شرطا باستعداد مكتب الميناء بإخلائه في حال طلبت الدولة ذلك، وأن يكون للمحافظة حق الرقابة والإشراف على الميناء وأن يقتصر نشاطه فقط على توريد المواد النفطية فقط.
[caption id="attachment_4733" align="aligncenter" width="500"]صورة للقرار الإداري الصادرعن محافظ شبوة بتشكيل لجنة لدراسة مشكلة ميناء المجدحة[/caption]
ومنذ الوهلة الأولى، نشبت خلافات بين أعضاء اللجنة حول هذه المسألة. ولمعرفة تفاصيل تلك الخلافات، توجهنا إلى رئيس اللجنة المشكلة، إلا أنه رفض الإدلاء بأية تصريحات حول هذا الأمر. غير أن مصدرا خاصا، طلب عدم الإشارة إلى هويته، كشف لنا بعض تلك التفاصيل، منها ان بعض أعضاء اللجنة سعوا إلى افشال اجتماعات اللجنة، بهدف الاستفراد لاستكمال عملية فتح الميناء بعيدا عن يد وإدارة السلطة المحلية وبالتنسيق مع أحد رجال القبائل بمنطقة "المجدحة".
وكشف المصدر لــ"يمن شباب نت" ان مدير شركة النفط صالح بافياض، رفض حضور اجتماعات اللجنة، بهدف افشال مهامها، كونه كان قد سعى مع قائد محور عتق اللواء ناصر النوبة إلى إبرام اتفاق جانبي مع أحد الشخصيات الاجتماعية ويدعى (عيسى باخرخور) بهدف انشاء الميناء المذكور بحيث يحصل الأخير على (10%) من الإيرادات اليومية للميناء.
وفي 11 مايو الماضي، وجه القائم بأعمال المحافظ علي الحارثي، رسالة إلى مدير شركة النفط بمباشرة عمله في الميناء وتحصيل الرسوم المستحقة للدولة "أسوة بالموانئ الأخرى في حضرموت والمهرة وعدن وغيرها" كما جاء في المذكرة الرسمية التي حصل "يمن شباب نت" على نسخة منها.
وفي 5 يونيو 2016، دعا المكتب التنفيذي بالمحافظة اعضاء اللجنة إلى اجتماع خاص، لمعرفة آخر مستجدات المشروع. وحسب المصدر قام رئيس اللجنة – خلال الاجتماع – باتهام مدير شركة النفط بالتهرب من اجتماعات اللجنة، والسعي للانفراد واستكمال عملية فتح الميناء بعيدا عن اعين السلطة المحلية. الأمر الذي أدى إلى تصاعد حدة الخلافات، فأضطر المكتب التنفيذي إلى اتخاذ قرارا بعدم فتح اي ميناء الا بعد اطلاع المكتب على الاجراءات القانونية والموافقة من قبل قيادة السلطة المحلية.
[caption id="attachment_4734" align="aligncenter" width="500"]وثيقة تشكف مخاطبة القائم بأعمال المحافظ لمدير شركة النفط تخطره البدء بممارسة مهامة في ميناء المجدحة المختلف حوله [/caption]
وفي حين سرت شائعات بتوقف أعمال اللجنة بشكل نهائئ، نفى وكيل المحافظة فهد سالم الطوسلي، تلك المعلومات. وأكد لـ"يمن شباب نت" أن اللجنة "لم يتوقف عملها، لكنه تعثر لوجود بعض التباينات في الرؤى والافكار بين بعض اعضائها من جهة، مع بعض قيادات السلطة المحلية من جهة أخرى"، مضيفا "وسيتم تجاوز تلك الإشكاليات، بإذن الله، وحل جميع الامور الشائكة في القريب العاجل".
ويعتبر ميناء "المجدحة"، في وضعه الحالي، أحد موانئ التهريب الهامة في محافظة شبوة.
ردود وتوضيحات السلطة المحلية
لماذا تقف محافظة شبوة على رأس قائمة منافذ التهريب، رغم انها تحكم بسلطة محلية تابعة للشرعية؟ ومن هم الأشخاص والجهات الذين/التي تقوم بهذه العمليات المضرة بالوطن؟ ومن هم المستفيدون منها؟
توجهنا بهذه الأسئلة وغيرها إلى السلطة المحلية بالمحافظة للحصول على إجابات مناسبة. حيث تجاوب معنا وكيل المحافظة فهد سالم الطوسلي، الذي مع انه أعترف بداية بوجود المشكلة، إلا أنه رفض قصر هذه المشكلة على محافظة شبوة فقط، متهما الإعلام بالمبالغة في هذا الجانب.
وقال – ضمن ردوده على اسئلة "يمن شباب نت": إن السلع المهربة التي يتم انزالها الى سواحل شبوه، مثلها مثل السلع التي يتم تهريبها وانزالها الى المحافظات الساحلية اليمنية الاخرى، مضيفا: ومن الملاحظ، وهذا أمر غريب، ان هناك ضجه اعلاميه كبيره حول مسالة التهريب في شبوه..!! ونحن لا ننكر ان شبوه تعاني من آفة التهريب كأخواتها من المحافظات الساحلية الأخرى، بل ربما ان التهريب في بعض المحافظات الاخرى أكبر واخطر، ولكن الاعلام جعل من شبوه مرفئ التهريب الرئيس وهذا بعيد عن الواقع ويجافي الحقيقة. كما يقول.
وأرجع أهم الأسباب التي جعلت من شبوة أحد منافذ التهريب، إلى الحرب وتداعياتها والتي يعتقد انها "اكلت الاخضر واليابس وأدت الى تدمير شبه كلي لمؤسسات الدولة في المحافظة وخصوصاً المؤسستين الأمنية والعسكرية، مما اوجد فراغا امنيا كبيرا.
ويضيف أنه، وبسبب ذلك "اصبحت مسألة مكافحة التهريب بالغة الصعوبة والتعقيد"، مستدركا: "وفي ظل انعدام الإمكانيات، تواجه السلطة المحلية تحديات كبيرة، وتتعامل مع ظاهرة مكافحة التهريب بجهود ذاتيه وبتعاون مجتمعي جيد"، غير أنه يرى ان تلك الجهود "لا ترقى الى ما ننشده ولا يلبي الطموح"، مضيفا "ولكن نعمل بكل ما نملك من طاقة وجهد ووفقاً لما هو متاح لدينا".
أما نوعية المهربات التي يتم تهريبها عبر سواحل شبوة، يذكر "المشتقات النفطية والأسلحة والأدوية والألعاب النارية، والمخدرات وغيرها"، وهي – كما يقول -الأنواع الأكثر رواجا في كافة منافذ التهريب وليس في شبوة فقط.
ورفض تسمية أي شخصيات أو جهات بعينها تقف وراء هذه الظاهرة الخطيرة في شبوة، مكتفيا بالقول إن الجهات التي تقف خلف عمليات التهريب "هي نفس الجهات التي تقف خلف التهريب في بقية المحافظات، وهذه الجهات هي عصابات المافيا والفساد وتجار الحروب والمخدرات وسماسرة النفط وغيرهم".
الحلول والمعالجات
وفيما يتعلق بالحلول والمعالجات، يرى الوكيل الطوسلي بضرورة دعم القيادة الشرعية للبلاد وقوات التحالف العربي للمحافظة في القضاء على هذه الأفة المدمرة، مؤكدا بالقول إن التهريب سيستمر "إن لم تقم القيادة الشرعية ودول التحالف بدعم محافظة شبوه بالاحتياجات الأساسية وايلاء قوات البحرية وخفر السواحل الاهتمام والرعاية، كما هو الأمر أيضا بالنسبة لمختلف المجالات"، محذرا: "ودون ذلك سيستمر التهريب وربما سيزداد ويأتي ما هو اسواء منه".
وفيما يتعلق بإشكالية إنشاء الموانئ العشوائية والمؤقتة، بعيدا عن السلطة، أكد على ضرورة "اجراء الدراسات العلمية من قبل جهات وافراد على درجه عالية من الكفاءة والتأهيل، بحيث تشمل تلك الدراسات كافة المناطق المهيئة لإقامه الموانئ، وعلى ضوء ذلك يتم اختيار الانسب والأفضل".
وحيث أعترف بوجود خلافات وتباينات داخلية في هذا الجانب، ارجع أسبابها بدرجة رئيسية الى غياب الشفافية والوضوح، قائلا: "فعلاً لا ننكر حصول بعض الخلافات والتباينات في وجهات النظر خلال اجتماع المكتب التنفيذي، وذلك نتيجة غياب الشفافية والوضوح حول بعض القضايا ومنها ميناء المجدحة"، مشددا على أنه "في مثل هكذا أمور، يجب على الجميع العودة الى اطر العمل المؤسسي وان يحترموا النظام وان يمتثلوا للقانون وينفذوا نصوصه واحكامه على ارض الواقع وفي الاخير سيتم تغليب مصلحه شبوه وكما يقال اختلاف الراي لا يفسد للود قضيه".
خاتمة: لماذا شبوة بالذات؟
ليست سواحل شبوة هي الوحيدة التي يتم عبرها التهريب، كما يشدد على ذلك وكيل المحافظة فهد سالم الطوسلي، الذي التقاه "يمن شباب نت" من طرف السلطة المحلية، ضمن مصادر عديدة في سياق هذا الملف. حيث ينظر وكيل المحافظة إلى مشكلة التهريب في شبوة باعتبارها جزءا من مشكلة البلاد الكلية، ما يعني – من وجهة نظره - أن شبوة ليست هي المشكلة الوحيدة بل هي أحد المشاكل التي تعاني منها كافة المحافظات الساحلية، فيما يتعلق بمسألة التهريب تحديدا.
ومع ذلك، يمكن القول إن محافظة شبوة تعد حاليا هي الأنسب للميليشيات الانقلابية للاعتماد عليها كمنفذ متاح للتهريب، وذلك لعدة أسباب، يمكن تجميعها من مجموعة حقائق وأحداث ومؤشرات، وتلخيصها على النحو التالي:-
- وجود شريط ساحلي طويل: المعروف أن محافظة شبوة تتمتع بشريط ساحلي يزيد طوله عن 300 كيلو متر، الأمر الذي جعلها أحد المحافظات الساحلية الخصبة للتهريب ودخول المواد الممنوعة الى البلاد، مع غياب شبه تام لأي رقابة حكومية او امنية لساحلها الطويل.
- أنها تقع تقريبا في منتصف الشريط الساحلي اليمني الممتد على البحر العربي وخليج عدن، ما يجعلها المكان الأكثر مناسبة لعمليات التهريب بعيدا عن الرقابة البحرية الدولية، حيث وأن ميناء الحديدة وميناء المخأ بتعز اللذين تسيطر عليهما الميليشيات يقعان في البحر الأحمر الذي تعد فيه الرقابة البحرية مشددة من قبل قوات تتبع جنسيات دولية مختلفة لتأمين مضيق باب المندب الإستراتيجي الذي تمر عبره معظم شحنات الطاقة العالمية.
- أنها تعتبر المنفذ الأقرب إلى الميليشيات الانقلابية، مقارنة بالمهرة وحضرموت، خصوصا وأن قوات الميليشيات تتواجد في مديريتي عسيلان وبيحان في الطرف الأخر من المحافظة (إلى الغرب)، كما أنها تسيطر على الخط الرئيسي الواصل بين محافظة البيضاء ومحافظة ذمار الواقعة تحت سيطرتها.
للعودة إلى المقدمة التوضيحية للملف أضغط هنا
للعودة إلى الجزء الأول من الملف أضغط هنا
للعودة إلى الجزء الثاني من الملف أضغط هنا