تطرقنا في الجزء الأول من هذا الملف إلى تفاصيل المرحلة الأولى من التهريب، والمخصصة للتهريب عبر البحر، بشقيه: رحلة التهريب البحري الأولى خارج المياه اليمنية؛ ورحلة التهريب البحرية الثانية داخل المياه اليمنية وصولا إلى سواحل محافظة شبوة، لنستكمل في هذا الجزء تفاصيل المرحلة الثانية من التهريب، والمخصصة لرحلة التهريب الثالثة والأخيرة والتي تتم عبر الخطوط البرية داخل المحافظة لإيصال السلاح والنفط المهرب إلى يد الميليشيات الانقلابية.
- للعودة إلى مقدمة الملف التوضيحية أضغط هنا
- للعودة إلى الجزء الأول المخصص لتفصيل المرحلة الأولى من التهريب عبر البحر اضغط هنا
- المرحلة الثانية
الرحلة الثالثة من عملية التهريب: تأمين الرحلة البرية عبر خطوط التهريب الداخلية
تقع محافظة شبوة في جنوب الجمهورية اليمنية إلى الشرق من عدن بحوالي 385 كيلو متر، كما تبعد عن صنعاء شرقا بحوالي 474 كم، ويحدها من الشرق وأجزاء من الشمال محافظة حضرموت ومن الغرب محافظة البيضاء وأجزاء من محافظة مأرب التي تمتد أيضا إلى شمالها، ومن الجنوب أبين والبحر العربي وخليج عدن. وتبلغ مساحتها التقديرية 47728 كم مربع، حيث تعتبر بذلك ثالث مدينة يمنية من حيث المساحة، وتضم 17 مديرية.
وقد ساعد هذا الموقع، وتلك المساحة الجغرافية الشاسعة، إلى جانب عوامل إدارية وسياسية واجتماعية أخرى، من تسهيل عمليات التهريب الداخلية لشحنات السلاح والنفط عبر الخطوط البرية داخل المحافظة. الأمر الذي جعلها أحد المنافذ البحرية والبرية للتهريب، حيث تحصل عبره ميليشيات الإنقلاب التابعة للمتمرد الحوثي والمخلوع صالح على السلاح الذي تستخدمه في مواصلة حروبها الداخلية، إلى جانب المواد النفطية التي تستخدمها في تمويل أنشطتها وجهودها الحربية عبر استخدام جزء منه، وبيع جزء آخر في السوق السوداء.
وفي هذا الجزء سنحاول تفصيل الكيفية التي يتم فيها التهريب داخل المحافظة؟ وما هي خطوط التهريب الرئيسية والبديلة التي تمر عبرها شحنات الأسلحة المهربة بعد وصولها إلى سواحل المحافظة؟.
نشاط التهريب..أوقاته وأساليبه
بحسب أحد أبناء منطقة "بئر علي"، فإن نشاط عمليات التهريب والمهربين في المحافظة غالبا ما يبدأ "من الساعة 12 بعد منتصف الليل إلى ما قبل شروق الشمس، لتجنب كشفهم"، حيث في النهار - كما يؤكد: "تكاد تنعدم حركة التهريب". ويضيف "وقد توجد في النادر حركة برية طفيفة نهارا من بعض ناقلات التهريب التي قامت باستلام حمولاتها اثناء الليل، فتتحرك مباشرة وتستمر في تحركها أثناء فترة الليل، وحين يأتي عليها النهار وهي مازالت في مكان غير آمن من الطريق الطويلة، تواصل بعضها التحرك، إما لتصل إلى مكان آمن للمبيت حتى يأتي الليل لتواصل تحركها مجددا؛ وإما أن يغامر بعض المستعجلين منهم فيواصلون تحركهم في النهار دون توقف، وغالبا ما يرجع ذلك بسبب جدول أعمالهم المزدحم، أو للحاق بموعد التسليم".
في محافظة شبوة لا يستخدم المهربون طرقا فرعية أو ملتوية لإيصال المهربات براَ إلى هدفها بسلام، بل يؤكد معظم من أدلوا لنا بمعلومات حول التهريب، وبينهم مسئولون ورجال قبائل، فضلوا الإبقاء على هوياتهم بعيدا عن النشر، أن المهربون غالبا ما يستخدمون الطريق الرئيسية الرابطة بين منطقة "بئر علي" ومدينة "عتق"، عاصمة المحافظة، وصولا الى مديرية "بيحان"، ومنها إلى محافظة البيضاء.
الخط الرئيسي للتهريب
وبشكل أكثر تفصيلا، يسرد لنا أحد رجال القبائل - ممن لديهم خبرة ومعلومات في هذا الجانب - مسار تلك الرحلة البرية التي تسلكها ناقلات التهريب، والتي على رأسها بالطبع تلك المحملة بالسلاح والمشتقات النفطية. يقول: تبدأ رحلة الانطلاق من سواحل شبوة (غالبا من ميناء "بئر علي" أو ميناء "البيضاء")، مرورا بالخط الرئيسي، إلى مدينة "عزان" بمديرية ميفعة، ثم مديرية "حبان"، وصولا الى العاصمة "عتق"، بعد المرور من النقطة العسكرية المتمركزة بـ"الضلعة" بين مديرتي "حبان" و "الصعيد"، والتي تتبع اللواء 30 مشاة بقيادة اللواء ناصر النوبة قائد محور "عتق"، ثم تسلك الطريق الرسمي والعام الى مديرية "مرخة السفلي" ومنها إلى مديرية "بيحان"، الواقعة تحت سيطرة الميليشيات حتى الأن، ومنها الى محافظة البيضاء، ومن هناك تقوم الميليشيات بنقلها بسهولة إلى أهدافها المحددة.
خلق طرق أخرى للتهريب
في أواخر مارس الماضي (2016)، تمكنت قوات الجيش الوطني بمساندة المقاومة الشعبية من فرض حصار على مديرية "بيحان"، الواقعة تحت سيطرة الانقلابين، وذلك من ثلاثة اتجاهات، هي: -
- الأول: من منطقة الصفراء، شرق مديرية "عسيلان"، والتي يمر من خلالها الخط الرسمي الى صنعاء، وقد أصبح مغلقا من قبل اللواء 21 ميكا والمقاومة الشعبية المساندة له منذ بدء العمليات العسكرية الأخيرة، مارس الماضي.
- الثاني: من منطقة عسيلان، حيث يفرض اللواء 19 مشاه بمساندة رجال المقاومة الشعبية حصارا على جزء من المديرية عسيلان، فيما الجزء الأكبر ما يزال تحت سيطرة المليشيات.
- الثالث: من جهة حريب، من طرف اللواء 26 مشاه.
ولقد صعب هذا الحصار من سهولة وصول الأسلحة والمشتقات النفطية المهربة إلى الميليشيات عبر الخط الرئيسي الآمن، غير أن ذلك لم يمنع المهربين من الوصول إلى هدفهم النهائي عبر طرق أخرى، وباستخدام رجال قبائل من المنطقة لقاء مبالغ مالية.
ويوجز لنا أحد رجال القبائل أهم تلك الطرق الثانوية للتهريب، والتي يتم المرور عبرها حاليا بعد حصار المقاومة لمديرية "بيحان"، وهي:-
- الخط الأقصر للتهريب: ويبدأ هذا الخط كالعادة من احد الموانئ العشوائية المؤقتة بساحل شبوة، مرورا عبر الخط الرئيسي بنفس الرحلة السابقة، حتى مديرية "مرخة السفلى"، ومن هناك تبدأ الرحلة بالاختلاف، حيث يتوجه المهربون غربا عبر الطريق المعبد الى مديرية "مرخة العليا"، وهي آخر نقطة بالمحافظة، ومنها مباشرة إلى محافظة البيضاء، غربا.
- الخط الأطول للتهريب: تمر بنفس الخط الرئيسي حتى العاصمة "عتق"، ومن هناك تتجه الرحلة شرقا نحو مديرية "جرذان" عبر طريق عتق – عياذ، ثم تسلك طريق العبيلات الرملية (منطقة صحراوية مفتوحة) بمديرية عسيلان، عبر تجار سلاح من ابناء تلك المناطق، حتى تصل الى "بيحان" من الجزء غير المحاصر عبر مديرية "عسيلان" تحت التي يسيطر عليها المليشيات.
[caption id="attachment_4730" align="aligncenter" width="650"]خريطة توضيحية لخطوط مرور شحنات السلاح والنفط المهربة برا داخل محافظة شبوة [/caption]
مفاجئات غير متوقعة مع القبائل
لكي تصل المهربات إلى أهدافها سالمة عبر تلك الرحلة البرية الطويلة، يتم التعامل والتعاون بين سماسرة تهريب مشهورين، مع زعماء أو رجال بعض العشائر، كما لا يستثنى من هذا الأمر أيضا سمسرة وتفاهمات مع مسئولين نافذين يسهلون مهمة تحرك الشاحنات على طول خطوط التهريب البرية، بما في ذلك حمايتها وتأمينها لقاء صفقات مالية.
ويشير أحد المصادر القبلية إلى أن الأمور قد لا تسير أحيانا على ما يرام "وقد تحدث مفاجئات عرضية نتيجة: إما ضعف في التنسيق، أو تجاهل بعض النافذين القبليين، والاعتماد على بعض إجراءات الحماية بعيدا عن قادة عسكرين أو زعماء العشائر الشهيرة التي تمر شاحنات التهريب في مناطق نفوذهم القبلية".
ويذكر لنا، على سبيل المثال، حادثة شهيرة وقعت في 20 مارس 2016 م، حين استيقظ أبناء منطقة "بئر علي"، الساعة الثانية والنصف بعد منتصف الليل، على صوت انفجار كبير هز المنطقة والقرى المجاورة لها. وبعد التحقق من الأمر أكتشف أبناء المنطقة أن الانفجار نجم عن احتراق ديانتين (شاحنتي نقل متوسطتي الحجم)، كانتا تحملان على متنهما مواد متفجرة وذخائر مهربة وضعت أسفل الشاحنتين، وكانت مغطاة من الأعلى بكراتين تحوي سجائر مهربة للتمويه على المتفجرات.
ويسرد لنا المصدر تفاصيل القصة الغريبة، قائلا: بعد خروج الديانتين من الميناء برفقة بعض أبناء المنطقة، تم ايقافهما في احدى النقاط القبلية العشوائية، والتي يتم نصبها أحيانا في الحدود الجغرافية لقبيلة ما بغرض الحصول على المال لقاء السماح لشاحنات التهريب بالمرور. ولا يعني رجال القبائل نوعية الحمولة المهربة، إلا من حيث كمية المال الذي يجب أن يدفع، في حال شملت المهربات أسلحة أو ذخائر أو غيره من المواد الخطيرة.
ويضيف: واثناء الحديث والنقاشات بين مرافقي الناقلتين والمتقطعين، تفاجئ الجميع بانفجار احدى الشاحنتين انفجارا قويا واحتراقها لتنفجر بعدها مباشرة الشاحنة الأخرى بسبب قوة الانفجار والحريق الهائل الذي انتشر إلى كل مكان.
وقد راح ضحية الانفجارين أربعة أشخاص، فيما أصيب اثنان آخران بجروح مختلفة. وقيل أن السبب الرئيسي للانفجار هو طلقة مجهولة اصابت المتفجرات في الشاحنة الأولى ما أدى إلى حدوث هذه الكارثة.
اختراق التحصينات الدولية
برغم وجود رقابة دولية، بما في ذلك الرقابة التي تفرضها دول التحالف العربي، على المياه الإقليمية، كما أسلفنا أكثر من مرة، إلا أن ذلك، من الواضح، أنه لم يعجز المهربين من الإفلات من تلك الرقابة بسهولة. حيث لم ينقطع تدفق السلاح المهرب إلى داخل اليمن، طبقا لما تؤكده بعض عمليات الضبط الداخلية لبعض شحنات الأسلحة التي تم ضبطها في نقاط التفتيش البرية داخل محافظة شبوة. ما يعني أنها كانت قد أفلتت من الرقابة الدولية في المياه الأقليمية، ووصلت إلى السواحل اليمنية، وبدأت بالانتقال إلى المرحلة الثالثة والأخيرة من عملية التهريب، إلا أن هذه المرحلة لم تكتمل نتيجة ضبطها قبل وصولها إلى أهدافها الأخيرة.
ونورد موجزا ببعض هذه العمليات، من الأحدث إلى الأقدم، على النحو التالي:-
- مؤخرا، في 12 يوليو الجاري، أعلن عن ضبط شاحنة نقل محملة بشحنة متفجرات من مادة TNT شديدة الانفجار، إلى جانب بعض الحشوات لأسلحة مختلفة، في نقطة "الجلفور" الأمنية على المدخل الشرقي لمدينة عتق، عاصمة محافظة شبوة، بينما كانت آتية من ساحل شبوة وفي طريقها إلى مليشيات الحوثي وصالح الانقلابية. بحسب الخبر الذي نشره "يمن شباب نت" في نفس اليوم، نقلا عن أحد أفراد النقطة، والذي أكد أن السائق أدعى أن الشاحنة تحمل شحنة من علب الزيت الخاص بالسيارات، غير أن أفراد النقطة اشتبهوا بالحمولة فقاموا بتفتيشها، ليتضح لهم انها اكياس معبأة بمادة TNT وبعض الحشوات.
[caption id="attachment_4729" align="aligncenter" width="300"]عينة من شحنة الأسلحة التي تم ضبطها في أحد نقاط التفتيش بشبوة في يوليو 2016[/caption]
- وقبلها بثلاثة أشهر، في منتصف أبريل الماضي تحديدا، تمكن الأمن في نقطة "الجلفوز" أيضا، من كشف وضبط شحنة أسلحة متنوعة، بينها قذائف هاون، كان قد تم أخفائها أسفل مواد غذائية في إحدى شاحنات النقل القادمة من الساحل باتجاه ميليشيات الحوثي في مديريتي عسيلان وبيحان، شمال وشمال غرب المحافظة.
- وفي 30 نوفمبر الماضي، ضبطت النقطة ذاتها شحنة أسلحة وذخائر مضادة للطيران، كانت مغطاة بأقمشة على شاحنة نقل، قالت المعلومات التي نشرتها الصحافة، أنها أيضا قدمت من سواحل شبوة وفي طريقها إلى الانقلابين الحوثيين.
- وقبل ذلك بنصف شهر تقريبا، وتحديدا في 11 أكتوبر، أعلن عن ضبط سيارة نقل بشبوة، كانت محملة بأسلحة في طريقها للحوثيين.
أربع حقائق مساعدة
ليست هذه هي كل العمليات التي ضبطت، بل هي ما استطعنا توثيقة مما أعلن عنه، بينما أن هناك شحنات ضبطت ولم يعلن عنها، بخلاف بعض الشحنات التي تم قصفها جوا إما بعد وصولها إلى سواحل شبوة، وإما كانت قد مضت في منتصف طريقها على الخط البري إلى ميليشيات الحوثي.
وعلى الرغم من ذلك، أيضا، ثمة حقيقة متداولة على نحو كبير مفادها أن ما يتم تهريبه وإيصاله بأمان إلى يد الميليشيات من سلاح مهرب يتجاوز أضعافا مضاعفة مما تم كشفه وضبطه أو قصفه..!
أما سبب اعتبار ذلك كحقيقة، لا كتحليل أو توقع، فيعود إلى أربعة حقائق متعاضدة:-
- الحقيقة الأولى: تعود إلى عدم كفاءة الرقابة الخارجية على البحر. وذلك أمر تؤكده وقائع تسرب شحنات أسلحة تم كشفها داخل الأراض اليمنية بعد أن تجاوزت الرقابة الدولية على البحر بسهولة. وهذا يعود إلى عدة عوامل، بينها: طول الشريط الساحلي اليمني (يصل إلى 2000 كيلو متر تقريبا)، إلى جانب موقع اليمني الجغرافي المطل على بحار ومحيطات مفتوحة على امتداد البصر (البحر العربي والمحيط الهندي)، في الوقت الذي يستخدم فيه المهربون وسائل تهريب صغيرة تتفادى رادارات الرقابة الدولية..الخ
- الحقيقة الثانية: ضعف الإجراءات الأمنية الداخلية، في محافظة تعد هي الثالثة في الجمهورية من حيث مساحتها الجغرافية. وغالبا ما كانت "المصادفة هي العامل الحسام في كشف وضبط معظم شحنات الأسلحة المهربة، كما أكد لنا ذلك أحد أفراد نقطة "الجلفور" الواقعة على المدخل الشرقي للعاصمة عتق.
- الحقيقة الثالثة: وجود تواطئ من بعض المسئولين في السلطة المحلية والجيش في المحافظة. يشتغل بعضهم كسماسرة مع المهربين لقاء تكسب مبالغ ونسب مالية كبيرة. في حين أن ضمير الرقابة الداخلية غالبا ما يتم شراؤه بالمال،
- الحقيقة الرابعة: اشتغال بعض زعماء ورجال القبائل بعضهم كمهربين وبعضهم كمساعدين، والبعض الأخر كشركات حماية للمهربين. وهذا غالبا يأتي بسبب انعدام أو ضعف مصادر الدخل الأخرى في المحافظة. كما يبرر عدد من أبناء المحافظة.
ولتعزيز تلك الحقائق نستشهد بما كتبه مدير عام هيئة المصائد السمكية بمحافظة شبوة "حميد الكربي"، على صفحته الشخصية بالفيسبوك، وكنا قد أشرنا إلى أجزاء منها في الجزء الأول من هذا الملف، حيث اتهم الكربي بمعرفة قوات الحماية البحرية "بجميع المهربات من المشتقات النفطية والمهربات المحرمة التي تأتي عبر الموانئ على مرئ من تلك القوات". بعد أن كان قد حذر من عمليات التهريب عبر مواني محافظة شبوة، وأكد أنهم طالبوا الدولة وقيادة التحالف "بإعادة النظر واغلاق تلك الموانئ الغير قانونية او تقوم الدولة بتشغيلها وتحمل مسؤوليتها".
لمعرفة المزيد حول التهريب في شبوة، تابع الجزء الثالث من هذا الملف: موقف السلطة المحلية
كما يمكنك الإطلاع على الجزء الأول: رحلة التهريب البحرية من خارج المياه اليمنية إلى سواحل شبوة.