أواخر يوليو الماضي، تم تداول خبرا مفاده أن نقطة أمنية في الضالع، جنوبي اليمن، ضبطت شحنة حشيش كانت في طريقها إلى الحوثيين. لكن كافة وسائل الإعلام اليمنية التي تداولت الخبر لم تذكر شيئا عن وجود مبيدات محظورة كانت تغطي شحنة الحشيش المضبوطة !! أو لمن ترجع ملكية هذه الشحنة...؟!
وبعد بحث وتدقيق، من قبل قسم التحقيقات بـ"يمن شباب نت"، حصلنا على معلومات هامة تتعلق بهذه الشحنة المهربة. وبتتبع تفاصيلها توصلنا إلى معرفة بعض خيوط التهريب التي تحدث- بشكل عام- إلى مناطق سيطرة الحوثيين، ومن يقف ورائها؟ وكيف تتم مثل هذه العمليات؟ والمنافذ التي يتم التهريب منها؟
ولقد كان من المهم جدا تتبع اسم الجهة، أو الشركة المالكة لهذه الشحنة المهربة، ما أتاح لنا كشف الكثير من الخيوط التي أوصلتنا إلى الأطراف التي يرتبط مالك الشركة بمصالح معها ويحظى بدعمها.
ولعل أهمية هذا التحقيق تأتي في ظل الإعلانات المتوالية، خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، للسلطات الأمنية التابعة للحكومة الشرعية، عن ضبط شحنات مخدرات (الحشيش بشكل خاص)، كانت في طريقها إلى الميليشيات الانقلابية (الحوثيين) بصنعاء، أو من جهتهم نحو المملكة العربية السعودية.
ويتناول هذا التحقيق الاستقصائي نوعين من التهريب، الأول: يتعلق بتهريب المبيدات الزراعية، لاسيما السامة منها (الخطيرة ومحظورة التداول)؛ أما النوع الثاني: يتعلق بتهريب المخدرات والحشيش. وقد حظى النوع الأول بتركيز أكبر في تحقيقنا الاستقصائي، نظرا لسهولة تتبع- والحصول على- معلومات تفصيلية أكبر في هذا الجانب، على العكس من النوع الثاني، الذي يصعب الحصول فيه على الكثير من التفاصيل.
ومن المهم الإشارة، بداية، إلى أننا اكتشفنا وجود علاقة شبه متصلة بين النوعين من التهريب في بعض العمليات، مثل العملية التي افتتحنا بها هذا التحقيق، وجعلناها مرتكزا للانطلاق إلى بقية المعلومات والتفاصيل الأخرى.
تفاصيل خطيرة.. سموم قاتلة
يؤكد مصدر خاص تواصل معه "يمن شباب نت"، أن شحنة الحشيش التي تم ضبطها في إحدى نقاط الضالع في 28 يوليو الماضي، كانت مغطاة بمبيد زراعي (حشري) سام، خطير وممنوع، يتبع تاجر من محافظة صعدة أسمه "صالح عجلان".
ولم يتم التأكد من مصدر أخر، وخصوصا مصدر رسمي، من تبعية هذه الشحنة للتاجر المذكور. إلا أن المعلومات المؤكدة التي حصلنا عليها تشير إلى أن المذكور يعتبر ثاني أهم تاجر مبيدات زراعية، كما أن نوعية المبيدات الزراعية المضبوطة يعتبر هو وكيلها الوحيد في اليمن، في حين أنه يرتبط بعلاقات وطيدة مع ميليشيات الحوثي الانقلابية. وقد أفردنا جزء من التحقيق لبعض التفاصيل المتعلقة بشركته.
وهنا، سيكون من المهم، أولا، التوقف أمام طبيعة هذا المنتج الحشري وخطورته، وكيف تم التعامل معه من قبل النقطة الأمنية؟ لننطلق منه إلى بقية التفاصيل الأخرى، وعلى رأسها طريقة وآلية تهريب المبيدات المحظورة؟ مع كشف بعض التفاصيل المتعلقة بخطورة بعض المبيدات المهربة إلى اليمن، وبشكل خاص عبر شركة هذا التاجر نفسه.
وقد كشف المصدر لـ"يمن شباب نت"، بعض التفاصيل الهامة والخطيرة المتعلقة بهذا المنتج الحشري السام وخطورته، والذي تم ضبطه أعلى شحنة الحشيش المهرب. حيث كان يقوم بعملية تمويه وإخفاء شحنة الحشيش المهربة. وهي طريقة عملية يستخدمها المهربون على مستوى العالم.
وبحسب المصدر، يحمل المبيد الحشري المذكور اسما تجاريا يطلق عليه "الزعيم". وهو نوع يتم استيراده بعبوتين تجاريتين؛ الأولى عبوة (250 مل)، والثانية (100 مل). وتكمن خطورته أنه يحتوي على نسبة (10%) من مادة كيميائية خطيرة هي البيفينثرين (Bifenthrin)، وهي مادة شديدة السمية، لدرجة القتل؛ لذلك تعتبر محظورة التداول، وغير مصرح لها بدخول اليمن إلا إذا كانت نسبتها في المبيد (2%) فقط. ولتهريبها يتم التلاعب بمواصفاتها في المستندات الرسمية الخاصة بالشحنة.
البداية.. أين ذهبت المضبوطات؟
كانت بداية الخيط الذي جعلنا نتتبع هذه القضية، ونبحث في بقية خيوطها، حصول مراسل "يمن شباب نت" على معلومات تفيد أن شحنة مبيدات خطيرة ومحظورة يتم عرضها في سوق المبيدات بأسعار مغرية. ولكون التاجر المورد لهذا النوع من المبيدات معروف في السوق، فقد تم مسك هذا الخيط للبحث عن بقية التفاصيل.
وكانت مصادر تجارية، تحدثت لـ"يمن شباب نت" تحت شرط السرية لخطورة الموضوع، من أن تجارا من مديرية قعطبة (محافظة الضالع)، ومدينة القاعدة (محافظة إب)، حصلوا على عرض مغري من قبل بعض السماسرة، يعتقد أن لهم علاقة بشخصيات عسكرية وأمنية، لشراء كميات من هذا المنتج (المبيد الحشري)، المعروف تجاريا باسم (الزعيم). وذلك بعد أيام فقط من ضبط شحنة الحشيش في نقطة أمنية بالضالع من قبل الحزام الأمني.
وبعد البحث، تأكد لموقع "يمن شباب نت"، أن النقطة الأمنية في الضالع قامت بإرسال كميات الحشيش التي تم ضبطها إلى عدن، لكن من دون تلك المبيدات السامة والمحظورة.
وتفيد المعلومات التي حصلنا عليها، أن عدد الكراتين التي تم ضبطها من هذا المبيد الحشري السام، الذي كان يغطي على شحنة الحشيش، تصل إلى حوالي 500 كرتون.
وأكد مصدر تجاري، له علاقة بتجارة المبيدات داخل اليمن، أن كل كرتون من هذا المبيد يحتوي على 20 علبة- عبوة 250 مل. فيما يبلغ متوسط سعر العلبة الواحدة من هذه العبوة، ثلاثة ألاف ريال يمني.
وعليه، يصل سعر الكرتون الواحد إلى 60 ألف ريال يمني، عند البيع بالتجزئة. بينما يقل سعره إلى 40 ألف ريال يمني بسعر الجملة. بحسب المصدر التجاري نفسه.
وبناء على ما سبق، وبحسبة رياضية بسيطة، فإن إجمالي سعر الكمية المضبوطة، وعددها 500 كرتون تقريبا، يصل إلى 30 مليون ريال يمني (بسعر التجزئة). ويقل الإجمالي إلى 20 مليون ريال، (بسعر الجملة). أي أكثر من 36 ألف دولار، عند سعر صرف 550 ريال للدولار الواحد. (ملاحظة: كانت هذه الأرقام بعد أسبوع تقريبا من ضبط الكمية، أي قبل ارتفاع الدولار الواحد إلى 600 ريال يمني).
غير أن العرض الذي يتداول في السوق، يقل عن المبلغ المفترض بكثير، يقترب من النص تقريبا. الأمر الذي أثار الكثير من الشكوك حولها.
آلية التهريب
وأعتبر المصدر التجاري الخاص، في سياق حديثه مع "يمن شباب نت"، أن الكمية المضبوطة (500 كرتون) لا تعد كبيرة، مقارنة بما يتم استيراده-أو بالأحرى تهريبه شهريا. لا سيما من قبل التاجر المذكور، والذي يعتبر المورد الرئيسي لهذا المنتج.
والسبب في ذلك، بحسب خبير أمني عمل سابقا في مكافحة جريمة التهريب، يعود على الأرجح إلى أن الهدف من استيراد هذه الكمية البسيطة، ربما كان فقط للتمويه، "لتغطية شحنة الحشيش المهربة، التي تصل أسعارها إلى عدة أضعاف سعر كمية المبيدات المستخدمة للتمويه عنها".
وضمن حديثه مع "يمن شباب نت"، شريطة عدم كشف هويته لظروف أمنية بحتة، كشف الخبير الأمني عن معلومات هامة توضح آلية استيراد المبيدات المحظورة، ويندرج في ذلك أيضا المخدرات والحشيش. وهي الألية التي يعتقد أن التاجر المذكور، "صالح عجلان"، يستخدمها، ما جعله يتربع كثاني أكبر تاجر مبيدات على مستوى اليمن خلال أقل من خمس سنوات فقط ؟!
وبحسب المعلومات التي أدلى بها المصدر، تبدأ عملية التهريب أولا عبر المراسلات الخاصة والمسبقة بين التاجر (المهرب) والشركة الخارجية الموردة. حيث يتم الاتفاق على الكمية والسعر وميناء الشحن، الذي يكون عادة عبر دولة جيبوتي أو سلطنة عمان.
ويضيف: بالنسبة للمبيدات السامة والمحظورة، يقوم التاجر بالاتفاق مع الشركة الموردة، على إخفاء التفاصيل الحقيقية للمنتج، من خلال التلاعب بالمعلومات في مستندات الشحن، خاصة بوليصات الشحن.
وأكد المصدر التجاري الخاص لـ"يمن شباب نت"، أن تاجر المبيدات، عجلان، يستورد منتجاته من المبيدات من شركة صينية، ولديه موظف سوداني خاص (تحفظ المصدر عن ذكر اسمه)، مكلف بمهمة تنفيذ المراسلات الإلكترونية عبر البريد الإلكتروني مع الشركة الصينية الموردة للمبيدات.
ولا يستبعد الخبير الأمني أن يتم الأمر نفسه مع الشركة نفسها فيما يتعلق بتهريب المخدرات والحشيش. فإذا كان الهدف الرئيسي هو تهريب المخدرات، كما يقول، "فقد يدخل ضمن الاتفاق المسبق بين الطرفين، أيضاً، طريقة إخفاء البضاعة المحظورة (المخدرات والحشيش)، داخل الحاويات بطريقة آمنة".
إلا أنه- بحسب الخبير: غالبا ما تتم هذه العملية بعيدا عن الشركة الرئيسية التي يتم التعامل معها رسميا (وهي هنا الشركة الصينية التي يستورد منها التاجر مبيداته المحظورة). حيث غالبا- كما يقول- تحدث عملية تعبئة المخدرات واخفائها ضمن البضاعة الرئيسية في موانئ أخرى مشهورة بهذا النوع من العمل، ربما في القرن الأفريقي أو في دولة وسيطة أخرى ذات علاقة وطيدة بالتاجر، أو بسماسرة تهريب دوليين.
طرق التهريب والمنافذ الرئيسية
وهناك عدة طرق لتهريب الممنوعات إلى داخل اليمن، أقدمها الطريقة التقليدية، والتي تستخدم فيها منافذ تهريب غير مؤمنة من قبل السلطات الأمنية اليمنية، خصوصا وأن ساحل اليمن كبير يمتد على مسافة تصل مساحته تقريبا إلى 2000 كيلو متر. ويُستخدم في ذلك مهربون خبراء، لهم باع طويل في هذه المهنة، يقومون بتهريب الممنوعات عبر السواحل اليمنية، من منافذ غير رسمية. ثم يتم نقلها برا ما بين طرق وعرة غير رسمية، تتخللها طرق رسمية ونقاط أمنية يتم التعامل فيها بالمحسوبية ودفع الرشاوى. وقد تشكلت عصابات تهريب متكاملة تضم مهربين وضباط أمنيين وجنود، يساعدون على مرورها بين النقاط دون تفتيش.
وهذه الطريقة، كانت الأكثر استخدما في السابق، قبل الحرب الأخيرة التي اجتاحت البلاد مطلع 2015، حيث تم بعدها تشديد إجراءات الرقابة، خصوصا على السواحل اليمنية، عبر قوات التحالف العربي والقوات الدولية المتواجدة قبالة المياه الإقليمية اليمنية لمكافحة القرصنة والتهريب. والتي ركزت مؤخرا- بشكل خاص- على تهريب السلاح. كما هو الحال أيضا في النقاط الأمنية والعسكرية بين المدن، لاسيما الفاصلة بين المحافظات والمدن المحررة (التابعة للحكومة الشرعية)، وتلك التي ما تزال بيد الانقلابيين الحوثيين.
لذلك، قلَّت كثيرا أساليب التهريب التقليدي، لتنتقل العملية أكثر إلى التهريب عن طريق المنافذ الرسمية، باستخدام التمويه من خلال إخفاء المهربات ضمن مواد تجارية مسموح بها (التلاعب بالمستندات الرسمية من المصدر). وهي الوسيلة التي أصبحت أكثر أمانا. ذلك، لأن معظم العمليات تمر عبر منافذ دخول رسمية، الأمر الذي يساعد، غالبا، على مرورها بشكل طبيعي بين النقاط، طالما وأن لدى السائق إيصالات جمركية رسمية، تؤكد دخولها من منفذ حكومي رسمي. وبالتالي، قلما يتم اكتشاف مثل هذا النوع من عمليات التهريب، عند حالات التشكيك النادرة.
ويذكر أحد مصادرنا التجارية، المطلعة على بعض تفاصيل عمل تاجر المبيدات الحوثي (عجلان)، ثلاثة منافذ رئيسية، أبرزها وأهمها من حيث الأولوية "ميناء عدن"، الذي يرتبط بشبكة تهريب كبيرة تعمل بشكل رسمي في الرقابة والتخليص الجمركي، وتستغل ضعف الدولة في الوقت الراهن، أكثر من أي وقت مضى، في ظل ما تمر به من حرب داخلية طاحنة.
بعد ميناء عدن، كان ميناء المخأ في المرتبة الثانية كمنفذ مهم لتمرير المواد الممنوعة والخطيرة، بما في ذلك المبيدات المحظورة. لكن بعد تحرير المخأ وسيطرة القوات اليمنية عليه بدعم التحالف، مطلع 2017، وجد عجلان البديل بأسرع وقت بحكم علاقاته الكبيرة بشبكة مافيا التهريب. كما يقول المصدر. حيث أنتقل مباشرة إلى ميناء رأس العارة- بمحافظة لحج، كمنفذ بديل للمخأ. وما زال هذا المنفذ البحري يستقبل حاويات المبيدات الزراعية، وغيرها من المحظورات حتى يومنا هذا !!
وكانت أجهزة الأمن بلحج أعلنت في 12 يونيو/ حزيران الماضي، أنها ضبط شحنة، وصفتها بـ"الضخمة"، من السموم المهربة، كان سائقها يحمل ترخيصاً مزيفاً لكمية محدودة من المواد الكهربائية، ليتضّح لاحقاً ان المواد الكهربائية، اضافة لبعض صناديق الإغاثة، ما هي إلا للتمويه عن شحنة ضخمة من السموم المهربة. بحسب الخبر، الذي رصده "يمن شباب نت".
ويأتي منفذ "شحن" الاستراتيجي، على الحدود اليمنية- العمانية، ثالثا، من حيث كمية المهربات التي تدخل اليمن. حيث تصل البضاعة إلى سلطنة عمان، وعبر منفذ شحن تمر عبر طرق تهريب سرية ورسمية حتى تصل إلى مخازنها سالمة، في العاصمة صنعاء أو محافظة ذمار.
شركة عجلان.. خلفية
شكل اجتياح الانقلابيون الحوثيون للعاصمة اليمنية صنعاء، في سبتمبر/ أيلول 2014، بداية لسقوط الدولة. حيث انتهت الرقابة تدريجيا بشكل كلي على إدخال المهربات، بشكل عام، والمبيدات، بشكل خاص. ومع أن الكثير من التجار توقف عن الاستيراد، إلا أن التاجر المقرب من المتمردين الحوثيين، صالح عجلان، استغل هذا الوضع الجديد ليجد محطة انطلاقه لتكوين ثروة كبيرة على حساب اليمنيين.
وقالت مصادر حكومية بصنعاء، لـ"يمن شباب نت"، إن التاجر "صالح عجلان"، لديه شركتي استيراد؛ الأولى يستخدم فيها اسمه التجاري المسجل لدى وزارة التجارة والصناعة في العمل التجاري لاستيراد المنتجات المسموحة، باسم شركة صالح عجلان واخوانه للتجارة والتوكيلات التجارية المحدودة، ومقيد فيها أسم "صالح احمد راشد عجلان" مديرا عاما للشركة.
فيما أنه يستخدم، أيضا، علامة تجارية أخرى، باسم شركة عجلان الزراعية (فوريكس)، والتي يستخدمها لاستيراد المبيدات المحظورة.
وبحسب المصدر، فإن الهدف من الاسمين، هو التهرب من المسؤولية القانونية أمام الوزارة والقضاء عند اكتشاف تهريب أي مبيد محظور، حيث يدعي بأن هناك تاجر أخر يقوم بالاستيراد باسمه من أجل الاضرار به.
وتفيد المعلومات التي حصل عليها "يمن شباب نت"، أن التاجر صالح عجلان وإخوانه تحول من تاجر مبيدات بسيط إلى أكبر مستورد للمبيدات المحظورة باليمن، لينافس القيادي الحوثي والتاجر الشهير والأول في هذه التجارة "دغسان أحمد دغسان"، الذي ينتمي هو الآخر إلى محافظة صعدة- مركز وعمق جماعة الحوثي المتمردة، المدعومة من إيران.
ويُعرف تاجر المبيدات (دغسان)، أيضا، بأنه قيادي حوثي كبير. وكانت شركته، المعروفة بشركة "بن دغسان" قد أدينت بالتورط في فضيحة المبيدات الزراعية المحظورة والمنتهية التي تم دفنها سرا بحي الجراف بأمانة العاصمة أواخر العام 2013. وهي أكبر فضيحة من هذا النوع في اليمن حتى اليوم.
مبيدات محظورة تقتل اليمنيين
تعتبر معظم المبيدات المحظورة سامة وقاتلة وتسبب أمراض سرطانية. كما أن بعضها تستخدم في الحصول على مواد كيميائية تصنع منها المتفجرات والعبوات الناسفة، خصوصا تلك التي تحتوي مواد كيميائية نتروجينية. الأمر الذي يثير الكثير من المخاوف بشأن استخدام الحوثيين لمثل هذه النوعيات المحظورة في العالم لصناعة المتفجرات.
وفي 11 مايو/ آيار الماضي، قالت السلطات المحلية بمحافظة لحج، أن نقطة تفتيش أمنية بالمحافظة ضبطت شاحنة على متنها اسمدة ومواد كيميائية مهرّبة تستخدم في صناعة المتفجرات. دون أن تشير إلى تبعيتها، لكنها ذكرت أن الشاحنة كانت متجهة إلى المحافظات الشمالية الواقعة تحت سيطرة الميليشيات الحوثية.
وبالتركيز على الخطورة التي تخلفها المبيدات المحظورة على حياة ألاف من اليمنيين، يأتي منتج "الزعيم" في المقدمة، بمادته الكيميائية المعروفة بالـ"بيفنثرين"، الممنوعة من التداول لخطورتها على حياة الإنسان والبيئة.
ووفقا لتقديرات أحد التجار العاملين في مجال المبيدات، يقدر استهلاك هذه المادة في اليمن بأكثر من نصف مليون لتر سنوياً. ويتواجد هذا المنتج بعبوتين: "250 مل"، و "100 ملي"، وينتشر على نطاق واسع، يقدر بأكثر من 90% من محلات المبيدات باليمن. والمستورد الرئيسي له شركة عجلان وأخوانه للتجارة والتوكيلات التجارية المحدودة.
يأتي بعده منتج آخر يعرف باسم "سوبر أجرانيت"، ويحتوي هو الأخر أيضا على مادة كيميائية شديدة السمية وقاتلة هي الـ"ميثوميل 90%". وهو عبارة عن بودرة يستخدمها تقريبا جميع المزارعين.
وتؤكد مصدر "يمن شباب نت"، أن لدى التاجر عجلان أكثر من خمسة أصناف بأسماء تجارية متنوعة، جميعها تحتوي على هذه المادة الـ"ميثوميل"، الخطيرة وشديدة السمية. وقد وصل سعر الـ10 كيلو جرام من هذا المنتج إلى 200$. وتعتبر مناطق صعدة وعمران وصنعاء وذمار والقاعدة ورداع هي أكثر المناطق لانتشار هذه المنتجات القاتلة التي تعتبر أكبر سبب رئيسي لمرض السرطان.
تجارة الموت امتياز حوثي
وتجدر الإشارة، وفقا لمصادر زراعية، إلى أن اليمن لم تكن في السابق قد شهدت انتشارا لهذه المنتجات بهذه الكميات الكبيرة كما هو اليوم.
وقد كشفت مصادر تجارية، عن امتلاك التاجر "صالح عجلان"، عشرات المخازن التي يخزن فيها هذه المادة، وغيرها، وتحت ظروف تخزين سيئة. وتصل قيمة البضاعة المخزنة فيها إلى مئات الملايين من الدولارات.
وأبرز المناطق التي تتوزع فيها تلك المخازن، بحسب المصادر: مدينة القاعدة، والرضمة، ودمت، ورداع، وذمار، وصعدة، ومنطقة شميلة بصنعاء، وشارع خولان..، وجميعها كما هو ملاحظ في مناطق واقعة تحت سيطرة الانقلابيين الحوثيين.
وفي مارس/ آذار الماضي، أكد تقرير رسمي يتبع حكومة الحوثيين بصنعاء، ونشر تفاصيله برلماني مقرب من ميليشيات الحوثي المتمردة، دخول 429 طنًا من المبيدات الزراعية الخطيرة والمحظورة، خلال الثلاثة أعوام الأخيرة (2015- 2016- 2017).
وحيث أشار التقرير المذكور إلى وقوف شخصيات قيادية في جماعة الحوثي خلف تهريب تلك السموم إلى البلد، فقد ذكر بالاسم استئثار "مؤسسة دغسان" التابعة للقيادي الحوثي دغسان أحمد دغسان، على سوق المبيدات الزراعية المحظورة والخطرة، حيث تم ضبط أكثر من 251 طنًا باسم المؤسسة، خلال الأعوام الثلاثة المذكورة.
وأضاف التقرير البرلماني (عن برلمان الحوثيين بصنعاء)، أن تاجر المبيدات صالح عجلان يأتي في المرتبة الثانية، بعد دغسان، بنصيب تهريب وصل إلى 115 طنًا من المبيدات السامة والمحظورة.
تهريب الحشيش والمخدرات
مؤخر، وخلال الأشهر الثلاثة الأخيرة تحديدا، أعلنت السلطات اليمنية ضبط شحنات مخدرات كانت في طريقها إلى المتمردين الحوثيين، بينها قرابة 50 كيلو جرام من الحشيش المخدر، ضبطت في نقطة أمنية بمحافظة مارب- شرقي اليمن.
وقالت السلطات الأمنية بالمحافظة إن تلك الشحنة كانت قادمة من لبنان، وتم اخفائها داخل أكياس قهوة. بحسب تصريحات ادلى بها مسئولون يمنيون في 2 أغسطس/ آب الجاري.
وقبلها بأيام قليلة فقط، أعلنت السلطات الأمنية بمارب، أيضا، عن ضبط وإحراق أكثر من 352 كيلو جرام من الحشيش مخفية داخل أكياس أسمنت، مؤكدة أنها أيضا كانت في طريقها إلى المتمردين الحوثيين في العاصمة صنعاء.
وقبل نهاية الشهر الماضي، في 25 أغسطس الماضي، قالت الأجهزة الأمنية في محافظة الجوف إنها ضبطت كمية كبيرة من الحشيش المخدر على متن شاحنة نقل كبيرة كانت في طريقها إلى مناطق سيطرة المليشيا الحوثية الانقلابية. بحسب ما نقلته وكالة الأنباء اليمنية الحكومية (سبأ).
ونقلت الوكالة الرسمية عن مصدر بالشرطة أنه تم ضبط ما يقارب 25 كيس من المخدرات، في كل كيس 20 كجم من الحشيش المخدر من أنواع مختلفة.
وقال مدير عام شرطة المحافظة العميد الركن سليم السياغي "إن الأجهزة الأمنية تمكنت من ضبط ما يقارب نصف طن من الحشيش المخدر، وهي المرة الثالثة خلال الشهر الجاري بأساليب ووسائل مختلفة".
والاثنين الماضي، فقط، الموافق 03 سبتمبر، ضبطت نقطة عسكرية تابعة للجيش الوطني بالمنطقة العسكرية الخامسة، كمية ضخمة من الحشيش في قرية السادة، التابعة لمديرية حيران، شمال محافظة حجة، على متن سيارة "هايلوكس"، كانت في قادمة من مناطق سيطرة الحوثيين ومتجهة إلى المملكة العربية السعودية.
وقال مصدر عسكري أن 275 كيلوا من الحشيش متنوعة ونوع خام أفغاني الصنع، تم ضبطها من قبل قوات الجيش الوطني...، مؤكدا أن المهربين يتبعون بعض مشرفي القيادات الحوثية حيث مرت الكمية من نقاط الحوثيين بكل سهولة بحسب الاعترافات الأولية.
واضاف، أن هذه الدفعة ليست الأولى التي تضبطها قوات الجيش بالمنطقة، حيث وسبق أن ضبطت كميات مختلفة خلال الأشهر الماضية.
ورجح الخبير الأمني، الذي تحدث مع "يمن شباب نت"، أن يكون نجاح تاجر المبيدات "عجلان" في إدخال مبيداته المحظورة والممنوعة بهذه الطرق والوسائل السهلة، أغراه على استغلال مثل هذا الوضع الرخو لتهريب المخدرات بين الحين والأخر. خصوصا إذا ثبت بالفعل ان شحنة الحشيش التي ضبطت في الضالع في نهاية أغسطس الماضي، تعود له.
وكشفت مصادر تجارية مطلعة، أن تهريب المواد المخدرة يمكن أن يتم عبر إخفاءها تحت بضاعة مستوردة بشكل رسمي، من مبيدات وأسمدة ومركبات زراعية، بما في ذلك داخل أسطوانات تستخدم لرش المبيدات.
ومن المؤكد أن مثل هذه العمليات التي تم كشفها وإحباطها، لم تكن سوى جزء يسيرا فقط من مئات عمليات التهريب التي لم تكشف طوال الفترة الماضية.
وثمة قاعدة متداولة، عن خبراء التهريب، تؤكد: أن وراء كل عملية تهريب يتم ضبطها، ما لا يقل عن عشر عمليات تهريب ناجحة. في حين تزيد هذه النسبة في الدول الضعيفة في الإجراءات الرقابية، أو التي تمر باضطرابات سياسية وحروب.