تواصل التجارة العالمية النزيف بسبب اضطرابات البحر الأحمر واستمرار جماعة الحوثيين اليمنية في استهداف السفن العابرة مضيق باب المندب، وربما يتواصل النزيف ما دام العدوان الإسرائيلي متواصلاً على قطاع غزة. وتم الإبلاغ حتى الآن عن أكثر من 48 هجومًا على سفن منذ 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 وإلى يوم الثلاثاء الماضي.
وحسب تقرير للمنتدى الاقتصادي العالمي في سويسرا يوم الثلاثاء، تهدد هذه الاضطرابات طريقًا بحريًا رئيسيًا ضروريًا لحصة كبيرة من حركة الحاويات العالمية، حيث تمر أكثر من تريليون دولار من البضائع سنوياً.
ورغم أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قادا ما يسمى بتحالف "حماية الازدهار"، لحراسة الملاحة والتجارة في البحر الأحمر، ولكن الهجمات الحوثية المطالبة بوقف الحرب على غزة ومرور المساعدات لأهالي غزة المحاصرين لم تتوقف.
وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية ماثيو ميلر قد أكد يوم الأربعاء أن الولايات المتحدة وشركاءها "سيواصلون اتخاذ الإجراءات الملائمة" لحماية الملاحة في البحر الأحمر من هجمات الحوثيين. وأضاف في بيان أن "الولايات المتحدة تدين الهجمات المتهورة والعشوائية التي ينفذها الحوثيون على سفن شحن مدنية".
وتمر عبر البحر الأحمر نحو 30% من حركة الحاويات في العالم مروراً بباب المندب الذي يقع تحت صواريخ ومسيّرات الحوثيين. ويربط البحر الأحمر بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي، وبالتالي فإن معظم التجارة بين أوروبا وآسيا تمر عبر قناة السويس إلى باب المندب ثم إلى آسيا.
وحتى الآن، دفعت اضطرابات البحر الأحمر الشركات إلى تغيير مسارها حول رأس الرجاء الصالح. وقد أدى هذا الوضع إلى انكماش فوري في السوق العالمية وارتفاع في أسعار الشحن، ما سبب تداعيات سلبية كبيرة لشبكات التجارة العالمية والاستقرار الاقتصادي.
على الصعيد الأوروبي، أدت هجمات الحوثي إلى توقف مصانع السيارات في بلجيكا وألمانيا عن العمل بسبب تأخر وصول قطع الغيار من آسيا، كما تأخرت خطوط أزياء الربيع في بعض المتاجر البريطانية، حسب تقرير لوكالة أسوشييتد برس.
ويرى محللون أن الاضطراب في حركة التجارة بالبحر الأحمر تسبب كذلك بحدوث تأخيرات في وصول السلع وارتفاع تكاليفها والخدمات في أوروبا، في وقت لا تزال القارة تكافح من أجل التغلب على التضخم وتتخوف من عودته للظهور مرة أخرى.
وبحسب خبراء، فإن التهديد على التجارة العالمية يتزايد بشكل كبير كلما طال أمد الحرب في غزة. في هذا الصدد، تقدر تقارير غربية أن اضطراب تجارة البحر الأحمر لمدة عام قد يؤدي إلى ارتفاع تضخم السلع بنسبة تصل إلى 2%، مما يؤدي إلى تفاقم الألم في وقت يعاني العالم بالفعل من ارتفاع أسعار البقالة والإيجارات وغيرها. وقد يعني ذلك أيضًا ارتفاع أسعار الفائدة، مما قد يؤدي إلى إضعاف الاقتصادات.
تراجع حاد في مرور السفن التجارية
في هذا الصدد، تقول مديرة إدارة التجارة والزراعة بمنظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، ماريون جانسن، في تعليقات للمنتدى الاقتصادي العالمي أول أمس الثلاثاء: "كان الشحن التجاري تاريخياً نشاطاً خطيراً بسبب الحروب. وبعد بضعة عقود من السلام والاستقرار النسبيين في المياه الدولية، عدنا إلى الوضع الذي أصبحت فيه الطرق الرئيسية لحركة الملاحة البحرية الدولية رهينة للحروب والهجمات".
وتضيف: "لقد تأثر عبور البحر الأسود بشدة بسبب الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا، والآن حان دور الشحن في البحر الأحمر لتعاني التجارة العالمية من التوترات الجيوسياسية، في وقت تعاني قناة بنما من انخفاض منسوب المياه العذبة، وهو ما أدى إلى تراجع نسبة مرور السفن التجارية بنسبة 36% في القناة مقارنة بالعام الماضي".
وعلى الرغم من أن الزيادات في تكاليف الشحن حتى الآن أقل بكثير من تلك التي شهدتها المراحل الأخيرة من أزمة كوفيد-19، ولكن نظراً لأن الشحن في البحر الأحمر مسؤول عن نسبة 12% إلى 15% من التجارة العالمية و20% من شحن الحاويات العالمي، ترجح جانسن أن تصبح التداعيات أكثر خطورة للتجارة العالمية مع استمرار حالة عدم اليقين.
وتشير تقديرات منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي، إلى أن ارتفاع تكاليف الشحن العالمية، إذا استمرت الأزمة، من شأنه أن يضيف 0.4 نقطة مئوية إلى تضخم أسعار المستهلك في الدول الغربية".
وتضيف جانسن: "نشهد بالفعل موجة من الاضطرابات في سلسلة التوريد، بعضها شديد بما يكفي لإغلاق المصانع، خاصة في قطاع السيارات. فقد ارتفعت تكاليف الشحن وتضاعفت ثلاث مرات في بعض الأحيان".
في الشأن ذاته، يقول الزميل بمنتدى المحيط الهادئ الدولي ستيفن أولسون، إن "كل هذه الاضطرابات تترجم حتماً إلى تكاليف أعلى في السلع. وسواء كان لها في نهاية المطاف تأثير كبير على التضخم العالمي فسوف يعتمد إلى حد كبير على مدة وشدة الهجمات".
وتشير بعض التقديرات إلى أنه إذا استمرت هذه الاضطرابات لمدة عام، فإنها يمكن أن تؤدي إلى زيادة بنسبة 2% في تضخم السلع.
ويرجح تحليل موديز أن الشركات العالمية ربما تستوعب الأسعار المرتفعة في الوقت الحالي، إلا أن هناك آثارا اقتصادية أوسع إذا أصبح البحر الأحمر طريقًا تجاريًا غير قابل للحياة.
وتشير "موديز أناليتيكس"، إلى أن شركات صناعة السيارات في أوروبا تواجه بالفعل منافسة شديدة من الصين في تأمين حصتها في السوق في آسيا. وفي الوقت نفسه، فإن اعتماد آسيا على أوروبا في الحصول على الآلات والمواد الكيميائية المتخصصة، يعني أن الاضطرابات الكبيرة يمكن أن "تضعف الإنتاج في مراكز التصنيع المتقدمة في آسيا، مما يؤدي إلى استنزاف المخزونات وترك خطوط الإنتاج عاطلة عن العمل".
وكانت آسيا قد شهدت للتو تحولاً طال انتظاره في نشاط المصانع في يناير/كانون الثاني، مع عودة كوريا الجنوبية وفيتنام إلى انتعاش الطلب في الأسواق المحلية والخارجية. كما تراجع التصنيع في تايوان واليابان.
الهند تخسر 30 مليار دولار
تعد الهند واحدة من أبرز الدول المتضررة من اضطرابات البحر الأحمر، ويقول معهد كريسيل للأبحاث الهندي في تقرير يوم الأربعاء: "في حين أن تأثير اضطرابات البحر الأحمر على مختلف القطاعات التجارية في الهند يختلف من سلعة لأخرى، إلا أن قطاع السلع الرأسمالية والأسمدة هو الأكثر تأثراً".
وتعتمد الهند بشكل كبير على طريق البحر الأحمر عبر قناة السويس في تجارتها مع أوروبا وأميركا الشمالية وشمال أفريقيا والشرق الأوسط. وشكلت هذه المناطق نحو 50% من صادرات الهند البالغة 18 تريليون روبية (نحو 217 مليار دولار) ونحو 30% من الواردات البالغة 17 تريليون روبية (نحو 205 مليارات دولار) في العام المنتهي في مارس/آذار 2023، وفقاً لبيانات معهد كريسيل الهندي.
وبسبب الأزمة يتأخر وصول الشحنات حاليًا لمدة تتراوح بين 21 و28 يومًا. وقال ساشين شاتورفيدي، المدير العام لنظام البحوث والمعلومات للدول النامية في كريسيل، إن الأزمة قد تكلف البلاد أكثر من 30 مليار دولار من الصادرات للسنة المالية التي تنتهي في مارس/آذار المقبل.
ووفقاً لتقرير كريسيل، فإن التأخير في تسليم البضائع في الوقت المناسب يؤثر على قطاع السلع الرأسمالية، حيث يؤدي إلى تراكم المخزون بشكل غير مرغوب فيه وبالتالي يضعف الكفاءة التشغيلية لشركات الهندسة والمشتريات والبناء العاملة في هذا القطاع، كما أنه قد يؤدي أيضاً إلى تجميد تحويل الطلبات المحتملة، مما يؤثر على ديناميكيات الإنتاج بشكل عام.
ويقول كريسيل "إن تعقيدات إدارة سلسلة التوريد أصبحت أكثر وضوحاً في الهند مع طول أمد أزمة الشحن بالبحر الأحمر".
أما بالنسبة للأسمدة، فيقول معهد الأبحاث الهندي: "ظهر التأثير الكبير من حيث تمديد الجداول الزمنية للشحن بما يقرب من 15 يوماً". وتعتمد الهند بشكل كبير على الشرق الأوسط في توريد الأسمدة، وخاصة على إسرائيل والأردن.
وحسب البيانات التي أوردها المعهد، فإن نحو 10 إلى 15% من واردات الأسمدة الرئيسية وهي موريات البوتاس أو كلوريد البوتاسيوم، تأتي من إسرائيل إلى الهند، فيما يشكل الأردن نسبة تراوح بين 25 و30% من نفس هذه الصادرات. كل ذلك يشير إلى أن المعادن والمنسوجات كانت أقل تأثراً بأزمة الشحن بالبحر الأحمر.
لكن قطاعات النفط الخام والأدوية والشحن تأثرت بدرجة متوسطة بالأزمة، وفقًا لـCRISIL. وتعتمد شبه القارة الهندية في واردات النفط على روسيا (37%) والعراق (21%) والسعودية (14%).
العربي الجديد