المفاجأة التي تلقتها إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري في عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها المقاومة الفلسطينية بقيادة كتائب القسام (الجناح العسكري لحركة حماس)، لم تكتف بضرب إسرائيل عسكريا وأمنيا وسياسيا وإنما أثرت بشكل مباشر على اقتصادها. ومن أبرز القطاعات المتأثرة جراء الحرب الدائرة حاليا هي قطاعات الصناعة والتكنولوجيا والطاقة والبنوك والسياحة والطيران والطعام.
وفي إطار استعداداها للانتقام من المقاومة استدعت الحكومة الإسرائيلية 360 ألف جندي من قوات الاحتياط لينضموا لـ150 ألفا هم قوام الجيش الإسرائيلي.
وهو أكبر استدعاء إسرائيلي لقوات الاحتياط منذ حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 عندما واجهت إسرائيل حربا من جبهتين الأولى مصرية من الجنوب والأخرى سورية من الشمال.
ومن شأن هذا الاستدعاء أن يضر كثيرا بالاقتصاد الإسرائيلي، فهذه الأعداد الكبيرة تحتاج إلى تجهيزات وغذاء ومأوى إلى جانب سحبها من سوق العمل وتعطيل الأعمال التي كانت تقوم عليها.
وحتى لا تكون الخسائر الاقتصادية كبيرة تحرص إسرائيل عدم الدخول في حرب طويلة. حيث إن مئات الألوف من قوات الاحتياط هذه يعملون بالأساس في قطاعات الصناعة والنقل والتعليم والاتصالات والطاقة والأكل والبنوك.
ومثالا على تأثر الاقتصاد، قطاع التكنولوجيا الذي يشغل 14% من القوى العاملة. وسحب القوى العاملة في هذا القطاع لفترة طويلة سيؤثر في قدرته على الاستمرار من ناحية، ومن ناحية ثانية سيقلل من جاذبية المستثمرين الأجانب فيه. وكان قطاع التكنولوجيا في إسرائيل قد جذب خلال العام الجاري استثمارات من صناديق سيادية بنحو 5.5 مليارات دولار.
وفي أول 10 أيام وحسب اتحاد أرباب الصناعة فقد مُني سوق العمل الإسرائيلي بسبب عدم الوصول إلى أماكن العمل وعدم الإنتاج بخسارة نحو 4.6 مليارات شيكل (1.2 مليار دولار).
وحتى بالنسبة للأيدي العاملة غير المستدعاه للانخراط في الحرب، فإن إنتاجيتها وعملها غير منتظم، حيث هناك دائما قلق من توجيه المقاومة صواريخها. وعند سماع صفارات الإنذار يهرعون لمغادرة العمل والذهاب إلى الملاجئ، وهو ما من شأنه أن يعطل أو يعرقل عجلة الإنتاج.
وفي ظل هذه الأوضاع توقف أكثر من 130 ألف عامل من الضفة الغربية عن العمل في إسرائيل، ومعظمهم يعملون في مجالي الزراعة والبناء، مما دفع وزير الاقتصاد الإسرائيلي نير بركات، إلى السعي لتمرير قرار في الحكومة من أجل جلب 160 ألف عامل أجنبي، وخاصة من الهند، ليحلوا مكان العمال الفلسطينيين.
وفي الأسبوع الأول من الحرب قدر بنك هبوعليم (أكبر بنك إسرائيلي) أن المعركة ضد المقاومة في غزة ستكلف إسرائيل في أقل تقدير 1.5% من إجمالي الناتج المحلي وهو ما يوازي 7 مليارات دولار (وهي أكبر تكلفة قد تكلف إسرائيل في كل مواجهتها مع الفلسطينيين) وجزء كبير من هذه الخسارة هو الاستدعاء الكبير لجنود الاحتياط الذين تركوا وظائفهم، والمتوقع أن تتضاعف هذه التكلفة مع مرور الوقت.
في حين تقدر جهات أخرى أن الكلفة الإجمالية للحرب ستكلف خزينة إسرائيل حوالي 50 مليار شيكل (12.5 مليار دولار).
وفي الأيام الأولى للحرب كُشف عن خسائر بممتلكات المدنيين في إسرائيل بما قيمته 1.5 مليار شيكل (375 مليون دولار)، حيث قدمت لسلطة ضريبة الدخل الإسرائيلية بأول 10 أيام الحرب 15 ألف دعوى تعويضات عن أضرار بممتلكات السكان المدنيين ومن المتوقع أن يصل عدد دعاوى التعويضات 45 ألفا. والمبلغ قابل للزيادة المضاعفة في ظل استمرار الحرب واستمرار المقاومة الفلسطينية بإطلاق صواريخها.
وفي ظل هذه الأوضاع تشهد الأسواق الإسرائيلية ارتفاعا كبيرا بأسعار السلع الاستهلاكية، فمنذ اليوم الأول سُجل إقبال غير مسبوق على السلع الاستهلاكية مما أدى لمضاعفة أسعارها في ظل لجوء الكثيرين لتخزين السلع الأساسية خشية تفاقم الأوضاع.
توقف شركات
وفي الأيام الأولى للحرب، أوقفت شركات عالمية عدة بعض عملياتها في إسرائيل، أو طلبت من موظفيها العمل من المنزل. فقالت شركة "نستله" السويسرية، إنها أغلقت مؤقتا أحد مصانعها للإنتاج في إسرائيل "كإجراء احترازي".
كما أغلقت مجموعة شركات "إنديتكس" الإسبانية العالمية مؤقتا 84 متجرا تابعا لها في إسرائيل، بعد يومين من عملية "طوفان الأقصى".
من جهتها أخبرت سلسلة متاجر "إتش آند إم" السويدية -التي تمتلك 20 متجرا في إسرائيل- عملاءها أنه "بسبب الوضع الراهن، قد يكون هناك تأخير في مواعيد التسليم"، بالنسبة لعمليات الشراء عبر الإنترنت.
وفي قطاع الأعمال طلب بنك "جي بي مورغان تشيس" من 200 موظف في إسرائيل العمل من المنزل. كما طلب كل من بنك "غولدمان ساكس" ومورغن ستانلي من العديد من موظفيهما في إسرائيل الشيء نفسه.
الطيران
وفي اليوم الثالث لعملية طوفان الأقصى علقت نحو 42 شركة طيران أميركية وكندية وأروبية رحلاتها إلى إسرائيل، وأجلت هذه الشركات موظفيها من هناك مع تصاعد الأحداث.
وفي محاولة منها لإنقاذ قطاع الطيران، وضعت السلطات الإسرائيلية خطة لتقديم ضمان حكومي بـ6 مليارات دولار لتغطية التأمين ضد مخاطر الحرب لشركات الطيران الإسرائيلية، وسيمنح إطار الضمان هذا شركات الطيران الإسرائيلية وثائق تأمين ضد مخاطر الحرب، وبالتالي ضمان استمرارية العمليات الجوية في إسرائيل.
الطاقة
وفي قطاع الطاقة، كانت شركة شيفرون الأميركية قد أعلنت في العاشر من الشهر الجاري، إغلاق حقل غاز "تمار"، قبالة الساحل الشمالي لإسرائيل. وعلقت شيفرون الصادرات عبر خط أنابيب غاز شرق المتوسط تحت سطح البحر والذي يمتد من عسقلان في جنوب إسرائيل إلى مصر.
ومن شأن هذه الإغلاقات أن تكبد قطاع الطاقة والغاز الإسرائليين مئات الملايين من الدولارات أسبوعيا، حسب تقديرات وسائل الإعلام الإسرائيلية.
وقدّرت صحيفة "دمار كر" -التي تعنى بالاقتصاد- أن الحرب على غزة تُعرّض استثمارات الغاز الطبيعي في إسرائيل للخطر.
وتوقعت أن توجه الحرب ضربة قوية لطموحات إسرائيل في أن تصبح مركزا لتصدير الغاز الطبيعي إلى أوروبا وأماكن أخرى.
وتغطي حقول الغاز الطبيعي قبالة السواحل الإسرائيلية نحو 70% من إنتاج الكهرباء واحتياجات الطاقة في البلاد.
الزراعة
تعد أراضي غلاف غزة -التي تعرضت بشكل مباشر لعملة طوفان الأقصى- مصدرا لنحو 75% من الخضراوات المستهلكة في إسرائيل، إضافة إلى 20% من الفاكهة، و6.5% من الحليب.
وتُعرف المنطقة المحيطة بقطاع غزة باسم "رقعة الخضار الإسرائيلية" وتحوي أيضا مزارع للدواجن والماشية، إلى جانب مزارع للأسماك.
وقبل نحو أسبوعين، قررت الحكومة استيراد 10 ملايين لتر من الحليب شهريا، أي 33% من سوق الحليب بإسرائيل، لمدة 3 أشهر، و50 مليون بيضة، بحسب صحيفة "غلوبس" الإسرائيلية.
المصدر : الجزيرة