بينما تستمر أزمة الطاقة الكهربائية في التفاقم مخلفة تبعات جسيمة على معيشة اليمنيين وتردي الأنشطة والقطاعات الاقتصادية، ارتفعت الأصوات المطالبة بوضع حد لهذه الأزمة المتفاقمة والمتكررة، والتي وصلت خلال فترة الصيف الراهنة إلى مستويات قياسية تفوق قدرات احتمالها.
وتعيش معظم المحافظات اليمنية، خصوصا الجنوبية والشرقية، أوضاعا مأساوية نتيجة تفاقم أزمات المشتقات النفطية وتردي خدمة الطاقة وانقطاع التيار الكهربائي لمعظم فترات اليوم، كما هو حاصل في عدن العاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية ومحافظتي لحج وأبين المحاذيتين لها.
يأتي ذلك في الوقت الذي يشهد فيه اليمن صراعات واسعة على أكثر من صعيد مع توقف عملية تصدير النفط وعدم وجود أي مؤشرات واضحة على حلحلة ملف قطاع الغاز الطبيعي المسال لإعادة التصدير، في ظل تفاقم الأزمات الناتجة عن تدهور وتردي خدمة الكهرباء وما خلفته من تبعات مؤثرة طاولت منظومة العمل الحكومي على كافة المستويات.
ويضع خبراء اقتصاد ومختصون في إدارة الموارد الطبيعية مجموعة مقترحات لاختراق هذا الجدار السميك من الأزمات المعقدة والمستعصية عن الحل، بالنظر إلى تعدد الخيارات التي بالإمكان اللجوء لها لاستغلال بعض القطاعات المترنحة كقطاع الغاز المتردي، في ظل انعدام استفادة اليمن من مشروع الغاز المسال إلا بنسبة محدودة لا تتعدى 5% من عائدات المشروع مع تزايد الاحتياجات لأبسط الخدمات التي يجب على الحكومة توفيرها.
ويشدد الخبراء على ضرورة إعادة تقييم الاحتياطيات الغازية بأنواعها المصاحبة والحرة، وتصميم استراتيجيات فنية وهندسية لزيادة استكشاف وإنتاج الغاز في اليمن.
تتضمن أهم هذه المقترحات تسخير جزء من أي أموال قد يتم تخصيصها لإعادة الإعمار في اليمن أو أي مخصصات أو ودائع ومنح وتمويلات دولية لتنفيذ مجموعة من المشاريع في هذا القطاع، كالعمل على إنشاء محطة مركزية كبرى على الأقل (2000 ميغاوات) في منطقة بلحاف بمحافظة شبوة، يتم تغذيتها من خط أنبوب الغاز الواصل إلى بلحاف، وبناء شبكة كهربائية تخدم كل المدن الساحلية الممتدة على شواطئ خليج عدن، إضافة إلى استكمال إنشاء محطة مأرب الغازية.
الاستشاري في تنمية الموارد الطبيعية عبد الغني جغمان، يقول لـ"العربي الجديد": "عن أي موارد وتصدير نتحدث وما يدور على هذه الموارد من صراعات طاحنة، بينما تغرق أغلب المدن اليمنية في الظلام والأزمات المعيشية الناتجة عن ارتفاع أسعار المشتقات النفطية وشح المعروض منها، إذ تقتضي الضرورة أولا توفير الاحتياجات الضرورية من غاز منزلي وكهرباء، عندها يمكن التفكير في تصدير أي كميات فائضة".
كما يتطلب الأمر تقييم الاحتياطيات الغازية في قطاعات شبوة وربطها بخط أنبوب تصدير الغاز المسال إلى بلحاف، أو بناء محطات كهروغازية في حقول العقلة وعسيلان وشرق الحجر، حسب الاستشاري اليمني.
الخبير الفني في مجال البترول توفيق ردمان، يرى في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الأمر ليس بهذه السهولة لتنفيذ مثل هذه المشاريع التي تحتاج إلى تكاليف واستثمارات ضخمة، بالنظر إلى وضع اليمن الراهن وبروز كثير من الاحتياجات الضرورية التي ينبغي التركيز عليها وتغطيتها، إضافة إلى ما يواجه هذا القطاع من تحديات فنية ولوجستية، وتردي وضعية الحقول والعملية الإنتاجية وما يفرض ذلك من أهمية قصوى لإعادة تقييم ومراجعة وهيكلة هذا القطاع.
وتشير البيانات الرسمية إلى أن اليمن يمتلك مخزونات متواضعة من الغاز تقدر بنحو 16.5 تريليون قدم مكعب، يتركز معظمه في حقل صافر رقم (18) بمحافظة مأرب شمال شرقي اليمن، في حين تتواجد نسبة ضئيلة لا تتجاوز 12% في حقول شبوة وحضرموت جنوب شرقي اليمن.
ويقدر حجم احتياج اليمن الفعلي من الطاقة بنحو 14 غيغاوات (1غيغاوات = 1000 ميغاوات)، ويتوقع ارتفاعه إلى ما يقرب من 19 غيغاوات في 2030.
الخبير الهندسي في مجال الكهرباء هارون الشميري، يوضح لـ"العربي الجديد"، أن أهم خيارات الحلول المتاحة تواجهها تعقيدات واسعة، وهو اللجوء إلى القطاع الخاص للاستثمار في مجال الطاقة الكهربائية كما هو حاصل في جزء من مناطق اليمن، لأن ذلك يتطلب تهيئة بيئة استثمارية مناسبة ومشجعة لجذب رؤوس الأموال لإنشاء محطات كهربائية في ظل انعدام البنية التحتية.
في السياق، تستعد السلطات المحلية في محافظة مأرب لتدشين عدد من الإجراءات والتدابير لتعزيز أداء قطاع الكهرباء ورفع قدراته الفنية من أجل ضمان استمرار التيار والتغلب على الانقطاعات، وزيادة الطلب على الطاقة مع موجة الحرارة غير المسبوقة وتوسع المخيمات بزيادة عدد النازحين وزيادة الأنشطة التجارية والاستثمارية والعمرانية.
يأتي ذلك، مع انضمام مأرب إلى محافظات جنوب وشرق اليمن التي تعاني من انقطاع الكهرباء، وهو ما دفع السلطة المحلية والمكاتب الحكومية المعنية لدراسة أسباب الانقطاعات، والتحديات التي تواجه هذا القطاع بمختلف منشآته وإداراته، وكيفية مواجهتها بهدف تقليص العجز في ظل الزيادة المضطردة بالطلب على الطاقة.
العربي الجديد