دخل الصراع الاقتصادي في اليمن مرحلة مختلفة لم تعهدها البلاد طوال ثماني سنوات من الحرب الدائرة منذ العام 2015، وذلك بعدما أصبحت البنية التحتية والمنشآت العامة الاقتصادية والموانئ النفطية في مرمى الصواريخ والطائرات المسيرة، وهو ما ينذر بأيام صعبة ستعيشها البلاد في ظل وصول جهود تمديد الهدنة إلى طريق مسدود.
وأثارت الهجمات التي تعرضت لها موانئ يمنية لتصدير النفط الخام في محافظتي حضرموت وشبوة، جنوب البلاد، نفذها الحوثيون بالطيران المسير والصواريخ، أزمة صراع طاحنة تتركز في القطاع النفطي بعد أن كان جزءاً كبيراً من هذا الصراع يدور بصورة غير معلنة واقتصر على طاولات الحوار التي تشرف عليها الأمم المتحدة.
وأعلن الحوثيون عن تنفيذ عملية عسكرية استهدفت ميناء الضبة بحضرموت وفقاً لما هددوا به في وقت سابق من هذا الشهر بعد تحذيرهم الشركات النفطية من تصدير النفط والغاز المسال من الحقول اليمنية واشتراط استخدام عائداتها لصرف مرتبات الموظفين المدنيين.
ولفتت الحكومة اليمنية إلى عملية أخرى نفذت أيضاً في ميناء النشيمة النفطي في منطقة رضوم بمحافظة شبوة، واعتبرت أن هذه الهجمات بمثابة تقويض لكافة الجهود الدولية الرامية لإنهاء الحرب وتحقيق السلام في اليمن بما فيها مساعي تمديد الهدنة وتوسيعها، محذرة من التداعيات الكارثية لهذه الأعمال على ضمان سلامة إمدادات الطاقة، واستهداف البنية التحتية والمقدرات الاقتصادية للبلاد.
أزمة بنيوية
وتعمل في اليمن موانئ بحرية دولية وهي موانئ عدن والحديدة والمكلا في حضرموت، والمخاء والصليف في الحديدة، ونشطون في المهرة، جميعها كانت قبل الحرب مجهزة لاستقبال البضائع والسفن وتقديم خدمات الشحن والتفريغ والتخزين، في حين توجد في اليمن 3 موانئ رئيسية لتصدير النفط والغاز المسال، ميناء رأس عيسى في الحديدة، والشحر في حضرموت، وميناء بلحاف الاستراتيجي في شبوة، إضافة إلى 8 موانئ بحرية محلية، منها الضبة في حضرموت ورضوم في شبوة.
الباحث في مركز الدراسات والأبحاث النفطية أمين العليي يشرح لـ"العربي الجديد"، أن أغلب الموانئ اليمنية خارج إطار الخدمة منذ العام 2015، أهمها الميناء الرئيس الذي يستخدمه اليمن لتصدير النفط والمتمثل بميناء ومحطة رأس عيسى البحرية في الحديدة، شمال غربي البلاد، وهو كما هو معروف متوقف نتيجة تعثر ناقلة صافر وتقادمها وتدهور وضعيتها وتحولها إلى أزمة إقليمية تهدد البيئة والملاحة في البحر الأحمر.
ويشير إلى أن وضعية ميناء رأس عيسى والناقلة صافر تجسد ما ينخر هذا القطاع، الذي يعتبر المورد الأساس للموازنة اليمنية، من فساد وإهمال وتدمير خطوط نقل الطاقة على امتداد الرقعة الجغرافية من مأرب حيث حقول صافر النفطية (شمال شرق)، إلى رأس عيسى بمحافظة الحديدة (شمال غرب اليمن)، وذلك بشكل متعمد، وسط حاجتها لتكاليف ضخمة لإصلاحها وإعادة استخدامها.
ويتابع العليي حديثه بالقول إن ميناء الشحر العامل في حضرموت هو الميناء الرئيس لتصدير النفط المستخرج من حقول المسيلة في المحافظة، بينما ميناء الضبة منشأة محلية يجري من أكثر من عامين استخدامها كميناء لكن بصورة إلى حد ما غير معلنة بشكل يثير الاستغراب، فيما قامت الحكومة اليمنية منذ ما يقارب عامين باستحداث وإعادة تأهيل ميناء النشيمة في محافظة شبوة، جنوب اليمن، وتحويله إلى منفذ بحري رئيسي لتصدير النفط الخام.
لا بيانات موثقة
وتقوم الحكومة اليمنية بتوريد عائدات تصدير النفط الخام وبيعه إلى حساب خاص بها في البنك الأهلي السعودي وبنوك أخرى في سويسرا وإنكلترا وفرنسا، لكن دون تقديم أي بيانات حقيقية موثقة لحجم وكمية النفط الذي يتم تصديره وعائداته المالية.
المحلل الاقتصادي إبراهيم عبيد، يوضح لـ"العربي الجديد"، أن الحكومة اليمنية عملت خلال الفترة الماضية على إجراء تسوية إدارية ومالية وقانونية مع الشركات النفطية والغازية العاملة في اليمن واستئناف الإنتاج من العديد من الحقول والقطاعات النفطية الواقعة بشكل خاص بمحافظتي حضرموت وشبوة، والتعاقد مع شركات لتسويق النفط اليمني، وإيجاد أسواق جديدة للتصدير.
ويشير إلى الاهتمام الفرنسي اللافت بقطاع النفط والغاز اليمني، فهناك تحركات يقوم بها السفير الفرنسي أخيراً عبر موانئ حضرموت وشبوة والتي يعمل فيها منذ فترة مع الشركة الفرنسية المصدرة للغاز اليمني لترتيب إعادة تشغيل ميناء بلحاف الاستراتيجي لتصدير الغاز المسال، لكن دون جدوى حتى الآن بسبب التوترات المحيطة بهذا الميناء وقطاع الغاز المسال بين جميع الأطراف التي تتمركز قواتها العسكرية في مناطق مختلفة حول بلحاف والطريق الواصل بين محافظتي شبوة ومأرب التي تنتشر فيها خطوط نقل الغاز من حقول صافر بمأرب.
تضاعف الأزمات
وأثار القرار الصادر عن مجلس الدفاع الوطني التابع للحكومة اليمنية جدلاً واسعاً في اليمن بعد تصنيفه للحوثيين جماعة إرهابية رداً على استهدافها الموانئ النفطية في حضرموت وشبوة، نظراً للتبعات التي ستنتج عن هذا القرار في مضاعفة الأزمة الإنسانية والمعيشية للسكان في مناطق نفوذ الحوثيين ومنها صنعاء، العاصمة اليمنية، التي تعتبر المركز الرئيسي للبنوك والشركات المحلية والمنظمات الإغاثية والإنسانية.
وسارعت الحكومة اليمنية لعقد اجتماع مصغر طارئ لمناقشة الإجراءات التنفيذية المقترحة في الجوانب الاقتصادية والمالية لتنفيذ قرار مجلس الدفاع الوطني بتصنيف الحوثيين جماعة إرهابية، إذ يتم تداول العديد من المقترحات المطلوب اتخاذها، بحسب مصادر مطلعة، تضمن عدم تأثر المواطنين وأوضاعهم الإنسانية، وسلاسة تدفق السلع والبضائع وطمأنة رأس المال الوطني بعدم تعرضه لأي أضرار جراء هذا القرار.
ويتوقع خبراء اقتصاد ومصرفيون أن تكون هناك تبعات مكلفة للهجوم الذي تعرض له ميناء الضبة في محافظة حضرموت وموانئ نفطية أخرى. ويقول الخبير المصرفي نشوان سلام، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن العملة المحلية قد تتأثر كثيراً بهذا الهجوم على الموانئ النفطية وإحجام الشركات النفطية عن العمل والإنتاج والتصدير وما قد يؤدي إلى اهتزاز الشريان المتوفر لتغذية السوق المحلي بالعملة الصعبة وتمويل الحسابات الخاصة بفتح الاعتمادات المستندية لاستيراد السلع الغذائية، وبالتالي قد يكون هناك اضطراب في سوق الصرف وتهاوي الريال اليمني وتعميق الانقسام المالي الحاصل وانخفاض المعروض السلعي وارتفاع أسعار الغذاء.
العربي الجديد