برزت تحويلات المغتربين كمورد رئيسي وحيد متبقٍّ في اليمن بعدما تسببت الحرب والصراع الدائر في البلاد في توقف مختلف الموارد العامة السيادية، وشكّلت عاملاً أساسياً في عدم انزلاق البلاد إلى أتون المجاعة الشاملة رغم الأزمة الإنسانية المتفاقمة والتي تعد الأكبر على مستوى العالم وفق تصنيف الأمم المتحدة.
وزادت مساهمة تحويلات المغتربين في الاقتصاد اليمني بصورة ملحوظة أثناء فترة الحرب مرتفعة من 9.9% عام 2014 إلى 23.7% عام 2017، حسب بيانات رسمية. وحافظت على ارتفاعها في العامين 2018 و2019 بنسبة 27%، في حين تشهد منذ العام الماضي انخفاضا تدريجيا بسبب ما تنفذه الدول التي تنتشر فيها العمالة من إجراءات مرتبطة بسوق العمل أو التي فرضها تفشي فيروس كورونا، وأدت إلى فقدان كثير منهم لأعمالهم.
وعلى الرغم من اهتزازها خلال العام الماضي والعام الحالي بسبب سياسات بعض الدول الخليجية مثل المملكة العربية السعودية التي تحتوي على النسبة الأكبر من الأيدي العاملة اليمنية في الخارج، من خلال توطين المهن وزيادة الجبايات المفروضة على العمالة الأجنبية، إلا أن تأثيرها تركز بشكل واضح في سوق النقد مع تآكل الاحتياطي من الدولار ونفاده من البنك المركزي اليمني.
ويرى الباحث الاقتصادي، عماد الحيدري، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن تحويلات المغتربين ساهمت في وجود نوع من التماسك الاجتماعي في اليمن، وكان لها دور كبير في تخفيف وطأة الأزمات الاقتصادية على نسبة لا بأس بها من الأسر التي تعتمد أكثر من 40% منها على تحويلات المغتربين.
وأكدت الحكومة اليمنية الأسبوع الماضي أنها تبذل جهودا كبيرة مع السعودية انطلاقا من العلاقات التاريخية بين البلدين، لمعالجة التحديات التي يواجهها المغتربون اليمنيون في المملكة.
وطبقا لمصادر حكومية مطلعة، فإنها تتعامل بحرص بالغ مع هذه التحديات وتداعياتها المحتملة على كافة الأصعدة لما لهذه الشريحة المهمة من دور حيوي في خدمة الاقتصاد الوطني، إضافة للدور المعول عليه في تحقيق الاستقرار وإعادة الإعمار والتنمية وتجاوز الآثار المدمرة التي خلفها الانقلاب الحوثي.
ولعب المغتربون اليمنيون دورا حيويا في خدمة الاقتصاد الوطني على مدار العقود السابقة، وباتت تحويلاتهم تساهم بحوالي ربع النشاط الاقتصادي في البلاد.
ويلفت الباحث الاقتصادي، مراد منصور، إلى أن السلطات المعنية في اليمن فشلت في استغلال هذا المورد بشكل جيد، إذ كان الأمر يستدعي تطوير سياسة وطنية لتعظيم الاستفادة من هذا المورد وتحفيز المغتربين على زيادة تحويلاتهم عبر الجهاز المصرفي، إضافة إلى دراسة جدوى إنشاء بنك للمغتربين بعد تحقيق السلام في البلاد.
يرى الباحث الاقتصادي، عماد الحيدري، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن تحويلات المغتربين ساهمت في وجود نوع من التماسك الاجتماعي في اليمن
ويذكر منصور لـ"العربي الجديد"، أن الفشل أصبح فشلين، أخيراً، سواء في إقناع السعودية بوضع وديعة أخرى بالبنك المركزي اليمني الذي يعاني من انعدام الاحتياطي النقدي من الدولار، أو إقناعها بتغيير تعاملها مع العمالة اليمنية لديها.
وتشمل خريطة انتشار المغتربين اليمنيين في الخارج إلى جانب السعودية التي تعمل فيها النسبة الأكبر من هذه العمالة بنحو 1.5 مليون مغترب عامل، الولايات المتحدة الأميركية التي تأتي في المرتبة الثانية بنحو 400 ألف مغترب تليها بريطانيا ثم بقية دول الخليج، إضافة إلى دول شرق آسيا مثل ماليزيا وإندونيسيا.
في السياق، ساهم تدفق التحويلات في التأثير المباشر في قدرة أسر على الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية والتعليم والمسكن والتغذية السليمة.
وهو ما يحدث حالياً، كما يشير أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء توفيق دحان، لـ"العربي الجديد"، إذ يتحدث عن منعطف خطير للأزمة الإنسانية المتفاقمة في اليمن، التي تفقد عملية التصدي لها تدريجياً أهم الأدوات التي ساهمت في تماسكها النسبي وعدم انهيارها وتفشي المجاعة بشكل واسع في البلاد، والمتمثلة في اهتزاز تحويلات المغتربين والتهديد الذي يحدق بها، وانخفاض المساعدات الإغاثية منذ نهاية العام الماضي. ويلفت إلى نقطة مهمة في هذا الصدد تتعلق بتراجع السعودية عن تسريح العمالة اليمنية لديها خصوصاً من الأطباء والأكاديميين.
ويرى أنها تأتي في سياق امتصاص غضب اليمنيين من هذه الإجراءات، لكن في نفس الوقت هناك إجراءات قاسية أخرى لم يلتفت إليها أحد، في ما يجري فرضه من قبل السلطات هناك من جبايات أثقلت كاهل العمالة اليمنية ودفعت بالكثيرين منهم إلى مغادرة المملكة والعودة إلى اليمن.
المصدر: العربي الجديد