يتجه الاقتصاد اليمني نحو مزيد من الانقسام والتشظي، بعد سيطرة المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، على العاصمة المؤقتة عدن (جنوب البلاد)، بالقوة المسلحة، إثر معارك استمرت ثلاثة أيام ضد القوات الحكومية الموالية للرئيس عبد ربه منصور هادي الذي لا يزال في المنفى إذ يقيم في العاصمة السعودية الرياض منذ انقلاب جماعة أنصار الله (الحوثيين) نهاية 2014.
ومع تمزق الجغرافيا، يؤكد خبراء أن اقتصاد اليمن سيدفع ثمن تقسيم البلاد إلى أربع مناطق وأربع سلطات، بين الحكومة المعترف بها دوليا، والحوثيين، والانفصاليين المطالبين بانفصال الجنوب، بالإضافة إلى الأمم المتحدة التي أشرفت على اتفاق تسوية سياسية في السويد، تتضمن انسحاب جماعة الحوثي من ثلاثة موانئ يمنية على الساحل الغربي المطل على البحر الأحمر، وأن تتولى المنظمة الأممية إدارة الموانئ وتحصيل إيراداتها.
وأثار انقلاب عدن الشكوك حول وضع البنك المركزي والمؤسسات الحكومية، ويقول الانفصاليون المدعومون من الإمارات إنهم يعترفون بشرعية الرئيس هادي، لكنهم لا يريدون مسؤولين شماليين في عدن ويسعون إلى تشكيل سلطة محلية، مؤكدين قدرتهم على تحقيق الاستقرار الأمني وإدارة المؤسسات وتوفير الخدمات ودفع الرواتب.
لكن خبراء اقتصاد يشككون بقدرة "الانتقالي" على إدارة شؤون عدن وتوفير الخدمات ودفع الرواتب.
وفي هذا السياق، قال عبد الواحد العوبلي، الباحث الاقتصادي، إن المجلس الجنوبي يمتلك قوة عسكرية ومدرعات إماراتية لكنه سيفشل في الإدارة المدنية وتوفير الخدمات في حالة استمرار الصراع مع الحكومة الشرعية.
وأضاف العوبلي أن المجلس الانتقالي يراهن على ضغوط تمارسها السعودية على الرئيس هادي، للدخول في حوار يتم من خلاله إشراك الانفصاليين في الحكومة وعودتها للعمل من عدن الخاضعة لسيطرتهم.
وتسبب انقلاب عدن في ضرب حركة التسوق قبيل عيد الأضحى، وقالت مصادر في الغرفة التجارية عدن إن خسائر التجار والمولات بسبب المعارك تتجاوز مائة مليون دولار خلال ثلاثة أيام، فضلا عن الخسائر المادية بعد تضرر كثير من المخال والمطاعم ومتاجر الملابس.
مصير غامض
حتى الآن لم يصدر أي تعليق حكومي حول الأضرار الاقتصادية للاشتباكات، أو أية قرارات متعلقة بعمل المؤسسات السيادية أو الاقتصادية العاملة في العاصمة المؤقتة عدن (عدا البنك المركزي)، ولا يزال الوضع رهن التوقعات، ويرتبط بالاجتماع المرتقب بين المجلس الجنوبي والحكومة الشرعية في الرياض برعاية سعودية.
وفي هذا الإطار، قال المحلل الاقتصادي حسام السعيدي: "مع ارتفاع حالة الغموض الاقتصادي والسياسي، ووجود صورة ضبابية حول عمل المؤسسات الاقتصادية مستقبلا، فإن الوضع بشأن إدارة المؤسسات الاقتصادية وعلى رأسها البنك المركزي يكتنفه الغموض".
واعتبر السعيدي أن من أهم ارتدادات انقلاب عدن، زعزعة الثقة بالحكومة، وضبابية في مصير المؤسسات والقرارات الاقتصادية السابقة، وأهمها ما يتعلق بعمل البنك المركزي، أو القرار الخاص بحصر استيراد المشتقات النفطية على مصافي عدن، فضلا عن البيئة الأمنية غير المستقرة والمهددة لمناخ المال والأعمال، وارتفاع حالة عدم اليقين.
الطيران والمركزي
وطاولت مظاهر تصدع المؤسسات والخدمات والتغيرات المرتقبة عقب الانقلاب قطاعي الطيران والبنوك وغيرهما.
وأعلنت الخطوط الجوية اليمنية، أول من أمس، توقف الرحلات من مطار عدن وإليه في العاصمة اليمنية المؤقتة، ابتداء من أمس الخميس.
وقالت "الخطوط اليمنية"، في بيان إنه سيتم تحويل كافة الرحلات إلى مطار سيئون (جنوب شرق البلاد)، والذي يخضع لسيطرة الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا.
وفرضت قوات الانفصاليين سيطرتها على المؤسسات الحكومية في عدن، بما فيها البنك المركزي، وقامت باستبدال حراساتها بموالين.
وتسبب انقلاب عدن في إرباك الحكومة الشرعية التي تدرس مؤسسات لها إلى مدينة سيئون بمحافظة حضرموت (جنوب شرق البلاد)، والتي تخضع بالكامل لسيطرة قوات موالية للرئيس هادي، وتختفي فيها النزعة الانفصالية رغم أنها مدينة جنوبية.
وكشف مسؤول حكومي لـ"العربي الجديد" قبل يومين، عن تقديم مقترح إلى هادي لنقل المقر الرئيس للبنك المركزي إلى مدينة سيئون، لكن في رد فعل متأخر وبعد نحو أسبوع من سيطرة الانقلابيين على عدن أعلن البنك المركزي اليمني، أمس الخميس، استئناف نشاطه ،الأحد المقبل، في مقره الرئيس بمدينة عدن جنوبي البلاد.
وقال البنك في تدوينة مقتضبة عبر حسابه الرسمي بموقع فيسبوك، إن الإدارة العليا للبنك المركزي اليمني، تؤكد أن البنك سيباشر أعماله في مقره الرئيس بالعاصمة المؤقتة عدن وجميع فروعه الأخرى كالمعتاد.
وأهاب المركزي بالمواطنين في اليمن، "توخي روح المسؤولية وعدم الانجرار وراء الشائعات".
وكانت مصادر حكومية قالت لـ"العربي الجديد"، إن السعودية والإمارات يحاولان إقناع الرئيس اليمني بتأجيل قرار النقل وإتاحة الفرصة للحوار الذي دعت إليه بين الحكومة والانفصاليين خلال الأسبوع القادم في الرياض. وتعهدت القيادة السعودية للرئيس هادي بإرسال قوات سعودية لحماية البنك المركزي والقصر الرئاسي بموجب اتفاق مع الانفصاليين، وفق المصادر.
ورغم ذلك تؤكد مصادر مطّلعة أن فكرة نقل المركزي ما زالت قائمة في حال عدم توصل الفرقاء إلى حلول تضمن عدم تدخل الانفصاليين في عمل المركزي.
ويسيطر البنك المركزي في عدن التابع للحكومة المعترف بها دوليا على نحو 95% من النشاط المصرفي، ويملك نظام "سويفت كود" للحوالات المالية وحق إدارة الاحتياطيات النقدية في الخارج، كما يسيطر على الاعتمادات المستندية، ويهدد انقلاب عدن بتوقف البنك عن تغطية واردات السلع الأساسية.
وقال عبد الواحد العوبلي الباحث الاقتصادي: "انقلاب عدن يهدد نشاط البنك المركزي بدرجة أساسية وينذر بانهيار جديد لقيمة العملة المحلية، وفي حال ظل البنك يعمل من عدن، فالمتوقع أن يمارس الانفصاليون ضغوطات على قيادة البنك ويتدخلوا في أعماله، على غرار تدخلات الحوثيين التي أدت لنقل البنك من صنعاء".
وليس انقلاب عدن، السبب الوحيد في رغبة المحافظ بنقل البنك من عدن، إذ هناك خلافات داخل البنك نفسه بين المحافظ حافظ معياد الذي يعد من أقارب الرئيس صالح وينتمي إلى مناطق الشمال ونائبه الجنوبي، هدد على أثرها المحافظ بتقديم استقالته ولمّح إلى ارتكاب نائبه مخالفات فساد.
وخرجت الخلافات الداخلية في البنك المركزي إلى العلن، بعد نشر تسريبات ومعلومات يتحدث فيها كل طرف عن فساد الآخر، مما أثار تساؤلات عن حقيقة ما يجري ومدى تأثيره على القطاع المصرفي والعملة المحلية.
الخبير الاقتصادي مصطفى نصر، أوضح أن أي خلاف في إطار مؤسسة البنك المركزي سيكون له تداعيات خطيرة، وستنعكس على السياسة النقدية وسعر الصرف.
وقال نصر: "في حال تصاعد الخلاف وتسببه في عرقلة أعمال البنك، فسيؤدي إلى أزمة حقيقية في القطاع المصرفي".
أربع مناطق
وأصبح اليمن مقسما اقتصاديا بعد انقلاب الانتقالي إلى أربعَ مَناطق أساسية، يُسيطر عليها: الحكومة الشرعية، الحوثيون، المجلس الانفصالي، الأمم المتحدة، مع تهديدات من الانفصاليين بشن حروب جديدة ضد الحكومة في المدن الخاضعة لسيطرتها ضمن مناطق جنوب البلاد.
عدن التي أصبحت تحت سيطرة الانفصاليين، لديها موارد جيدة لعل أهمها التي تأتي من ميناء عدن وهو الميناء الرئيس لليمن حاليا، تليها عائدات بيع المشتقات النفطية ثم الرسوم الضريبية وعائدات المطار، ويؤكد خبراء أن إيرادات المدينة لا تكفي لتغطية رواتب الموظفين وتوفير الخدمات وتشغيل المؤسسات.
ويعدّ ميناء عدن من أكبر الموانئ الطبيعية في العالم، وتم تصنيفه في الخمسينيات من القرن الماضي كثاني ميناء في العالم بعد ميناء نيويورك لتزويد السفن بالوقود. ويقع ميناء عدن على الخط الملاحي الدولي رابطاً بين الشرق والغرب، وفيه السفن التي لا تحتاج لأكثر من 4 أميال بحرية فقط لتغيير اتجاهها للوصول إلى محطة إرشاد الميناء.
ويتميز الميناء بحماية طبيعية من الأمواج، والرياح الموسمية من الاتجاهات الأربعة، وذلك لموقعه بين مرتفعي جبل شمسان على بعد 553 متراً وجبل المزلقم على بعد 374 متراً، ما يمكّنه من العمل بدون توقف طوال العام. ويغطي الميناء مساحة مقدرة بـ8أميال بحرية من الشرق إلى الغرب و5 أميال بحرية من الشمال إلى الجنوب.
ولأهمية هذا الميناء الاستراتيجي، ترى الإمارات، أن ميناء عدن يشكل أبرز التهديدات بحيث يمكن أن يقضي على الأهمية الاستراتيجية لمدينة دبي، ولهذا فقد سعت باكراً لتعطيل الميناء المطل على مضيق باب المندب غربي محافظة تعز اليمنية، بما يحمله من أهمية استراتيجية كممر للتجارة العالمية، ومن ثم السيطرة العسكرية والسياسية على مدينة عدن عبر تواجدها الميداني الذي أتاحته لها عاصفة الحزم ولتكتمل سيطرتها عبر حلفائها في الداخل والمتمثلين في بعض فصائل الحراك الجنوبي والحركات السلفية.
وتتركز ثروات النفط والغاز في مناطق شرق وجنوب شرق البلاد، وتسيطر الحكومة بالكامل على محافظة مأرب النفطية حيث توجد أكبر حقول النفط والغاز الطبيعي المسال، كما تسيطر جزئيا على محافظتي حضرموت وشبوة الغنيتين بالنفط، لكنها سيطرة مهددة بعد إنشاء الإمارات ألوية عسكرية تابعة للانفصاليين ومجهزة بأحدث المعدات.
وسعت أبو ظبي إلى استغلال وجودها العسكري ضمن التحالف العربي الذي تقوده السعودية للحرب في اليمن، إلى بسط سطوتها الاقتصادية ونفوذها الإقليمي.
وتسيطر الإمارات على خمسة موانئ من أصل ثمانية للتحكم في حركة الملاحة والتجارة الواردة إلى اليمن وتعزيز نشاط ميناء جبل علي.
وقامت الإمارات عبر قوات يقودها العميد طارق صالح ابن شقيق الرئيس علي عبد الله صالح، بالسيطرة على مضيق باب المندب الذي يعد من أهم منافذ التجارة العالمية، بالإضافة إلى ميناء المخا التجاري المهم على الساحل الغربي لليمن.
كما تسيطر الإمارات على جزر يمنية منها جزيرة بريم (مَيّون) التابعة لليمن، وجزيرتي زقر وحنيش في البحر الاحمر عبر قوات نجل شقيق صالح.
المصدر: العربي الجديد