صبيحة السبت، 16 يونيو/ حزيران 2018، ثاني أيام عيد الفطر، كان المصريون على موعد جديد مع رفع أسعار الوقود للمرة الثالثة في أقل من عامين، في إطار الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.
وبينما كان المصريون يحاولون الاحتفال بإجازة عيد الفطر، بالتزامن مع مرور أيام على تولي حكومة جديدة في مطلع الولاية الثانية للرئيس عبد الفتاح السيسي، ومحاولة التكيف مع إجراءات سابقة لخفض الدعم خلال الأيام الماضية، فوجئوا بإقرار زيادة جديدة في أسعار الوقود.
وحذر خبراء اقتصاديون في أحاديث منفصلة مع الأناضول، من تداعيات قرار رفع أسعار الوقود بالإضافة إلى تدابير تقشفية أخرى، على معاودة صعود التضخم وتعميق الركود الاقتصادي، وتفشي الجريمة، وذلك في مواجهة دفاع حكومي مستميت عن جدوى الإجراءات اقتصادياً.
وقررت السلطات المصرية، اليوم السبت، رفع أسعار البنزين 92 أوكتان، نحو 35 بالمائة، والبنزين 95 أوكتان، بنسبة 17.4 بالمائة، وسعر أسطوانات الطهي 66.6 بالمائة، وسعر السولار والبنزين 80 أوكتان (الأقل جودة) 50 بالمائة.
واعتبر وزير المالية محمد معيط، الذي تولى منصبه حديثا، أن قرار تخفيض الدعم الموجه للمواد البترولية "أمر ضروري للحفاظ على استقرار الأوضاع المالية بعد مضاعفة أسعار البترول العالمية وتخطيها حاجز الـ 80 دولارا للبرميل".
ويقدر مشروع الموازنة العامة، سعر برميل البترول بنحو 67 دولار في العام المالي المقبل، مقابل 55 دولار في العام المالي الجاري 2017/2018، وتستورد مصر نحو 35 بالمائة من حاجتها من الوقود.
ويبدأ العام المالي بمصر في مطلع يوليو/ تموز حتى نهاية يونيو/ حزيران من العام التالي، وفقا لقانون الموازنة العامة.
وقال معيط، في بيان صحفي اطلعت عليه الأناضول، "تدخلت الدولة لتصحيح الأسعار المحلية حتي لا تؤثر سلبا على وضع المالية العامة للدولة وتعرضها مرة أخرى للخطر".
وتتوافق وجهة نظر الوزير، مع رأي صندوق النقد الدولي، الذي تنفذ مصر تحت إشرافه برنامجا للإصلاح الاقتصادي، حصلت بموجبه على 6 مليارات دولار من إجمالي القرض البالغ 12 مليار دولار على مدار ثلاثة أعوام.
وفي 5 مايو/ أيار 2018، قال صندوق النقد الدولي إن تأخر مصر في مواصلة تنفيذ الإصلاحات المتعلقة بتخفيض دعم الطاقة يمكن أن يؤدي إلى تعريض الموازنة العامة لمخاطر ارتفاع أسعار النفط العالمية.
وتستهدف مصر خفض عجز الموازنة إلى 8.4 بالمائة في العام المالي المقبل، مقابل 9.8 بالمائة في العام المالي الجاري، و10.9 بالمائة في العام المالي السابق.
وأوضح معيط، أن تقديرات دعم المنتجات البترولية في موازنة العام المالي المقبل تبلغ 89.1 مليار جنيه ( 5 مليارات دولار) مقابل 110.15 مليار جنيه (6.18 مليار دولار) مقدرة بموازنة العام المالي الحالي.
وأشار إلى أن "استمرار الأسعار العالمية للبترول كما هي الآن، كان يتوقع أن يرفع فاتورة الدعم إلى 180 مليار جنيه ( 10.11 مليار دولار) أي ضعف مخصصات دعم الوقود بالموازنة العامة، وهو أمر كان سيأتي على حساب مخصصات قطاعي الصحة والتعليم وجهود توفير فرص العمل".
**"تعويض" الفقراء
أستاذ التمويل والاستثمار هشام إبراهيم (مصري)، يؤكد في حديثه للأناضول، أن إجراء خفض الدعم سواء عن المواد البترولية أو غيرها من السلع والخدمات الأخرى، في إطار إلغائه نهائيا، "سليم تماما من الناحية الاقتصادية".
واعتبارا من 10 مايو/ أيار 2018، قررت مصر رفع أسعار تعريفة ركوب مترو الأنفاق ومياه الشرب وأسعار الكهرباء بالإضافة إلى رفع أسعار الوقود للمرة الرابعة منذ يوليو/ تموز 2014.
وأكد ابراهيم في حديثه للأناضول، على "ضرورة حصول المستهلك على السلعة أو الخدمة الحكومية بسعر التكلفة، ناهيك عن تحقيق هامش ربح، بهدف تحقيق الكفاءة في الإدارة".
وأشار إلى أن "نظام الدعم المعمول به حاليا في مصر سواء للمواد البترولية أو غيرها، يستفيد منه الفقراء والأغنياء على حد سواء".
وطالب ابراهيم، الحكومة بالوصول إلى "الفقراء والمستحقين فعليا للدعم، لتعويضهم ما يلحق بهم من تداعيات فورية جراء خفض الدعم".
وشدد أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة القاهرة، على "ضرورة استخدام الوفر المالي المتحقق من رفع أسعار الوقود أو غيرها من السلع في الإنفاق على مجالات الصحة والتعليم، والاستثمار في الرأسمال البشري، لتعم الفائدة على المجتمع ككل".
**ارتفاع التضخم وتردي مستوى المعيشة
من جانبه حذر الخبير الاقتصادي رضا عيسى (مصري)، من "تداعيات استمرار خفض دعم الطاقة أو غيرها، سواء فيما يتعلق بعودة معدل التضخم إلى الارتفاع أو تراجع القوة الشرائية للمواطنين وبالتالي تراجع الاستهلاك وتردي مستويات المعيشة، وتباطؤ وتيرة النمو الاقتصادي".
وشدد عيسى في حديثه للأناضول أن معدل النمو المعلن 5.3 بالمائة في التسعة أشهر الأولى من العام المالي الحالي 2017/2018، "يعود بشكل كبير إلى قطاع البترول والغاز، وهذا قطاع لا يوفر فرص عمل كبيرة ولا ينعكس مباشرة على أحوال المواطنين".
ووفق تقارير الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مصر (حكومي) لعام 2015، فإن 27 بالمائة من سكان البلاد لا يستطيعون الوفاء باحتياجاتهم الأساسية، ويعيش 30 مليون مواطن تحت خط الفقر.
وانتقد عيسى، "مساعي الحكومة المصرية لخفض دعم الوقود وغيره من السلع، وفي نفس الوقت محاولة جمع مزيد من الضرائب من المواطنين، ما يؤثر بالسلب على الظروف الحياتية للمواطنين".
ويقدر مشروع الموازنة العامة المصرية الضرائب بنحو 770 مليار جنيه ( 43.2 مليار دولار) في العام المالي المقبل 2018/2019، مقابل متوقع 624 مليار جنيه ( 35 مليار دولار) في العام المالي الجاري.
وأشار عيسى، إلى أن رفع أسعار الوقود وخاصة السولار، سيؤثر على تكلفة المنتجات الزراعية إضافة إلى زيادة تكاليف النقل، وبالتالي ارتفاع أسعارها بالنسبة للمستهلك النهائي.
وخلال العام المالي الماضي 2016-2017، خفضت مصر دعم الوقود مرتين بنسب متفاوتة في إطار الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، ومع ذلك ارتفع عجز الموازنة إلى 10.9 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي، مقابل مستهدف 9.8 بالمائة وقت إعداد الموازنة.
وفي وقت سابق، قال وزير البترول والثروة المعدنية طارق الملا، إن رفع الدعم الجزئي عن الطاقة أدى إلى خفض الاستهلاك بنسبة 3 بالمائة، بعدما كانت نسبة الاستهلاك أعلى من المعدلات المطلوبة بنسبة 4 بالمائة.
**تفشي الجريمة
المحلل الاقتصادي محمد زكريا (مصري)، يؤكد في حديثه للأناضول، أن تدابير خفض الدعم لها جوانب إيجابية وأخرى سلبية.
ويوضح زكريا، للأناضول، أن "الحكومة غير قادرة على تحمل الأعباء الإضافية في بنود الدعم وأن خفض الدعم على الوقود وغيره من السلع والخدمات، من شأنه زيادة الإنفاق على البنود الأخرى مثل التعليم والصحة وبرامج الحماية الاجتماعية".
أما عن الآثار السلبية لتدابير خفض الدعم، يقول زكريا، إنها ستؤدي إلى نشوب موجة غلاء جديدة أكثر مما هي عليه الآن.
وتوقع زكريا، أن "يعاود التضخم السنوي الارتفاع من جديد ليتجاوز 35 بالمائة بعد أن بدأ في التراجع".
وتراجع معدل التضخم السنوي في مصر إلى 11.5 بالمائة، في مايو/أيار الماضي، مقابل 12.9 بالمائة في الشهر السابق له، بعدما سجل نحو 34 بالمائة في يوليو/ تموز 2017 وفقا للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (حكومي).
وأضاف زكريا، أن "الغلاء قد يؤدى الى زيادة الضغوط على المواطن، وبالتالي خروجه عن النظام الأخلاقي وارتفاع في معدلات الجريمة".
وتوقع بنك استثمار "بلتون" بمصر (خاص)، مؤخرا أن يؤدي رفع أسعار الوقود إلى جانب الارتفاع الأخير في رسوم المياه، إلى ارتفاع التضخم بما يتراوح بين 3-5 بالمائة خلال الربع الثالث من 2018.
(الدولار = 17.80 جنيه مصري)