في مواجهة أطماع الإمارات للسيطرة بالقوة العسكرية على الموانئ اليمنية، تلوح الحكومة الشرعية في اليمن باللجوء إلى الصين ومنحها امتياز تشغيل وإدارة ميناء عدن جنوب البلاد، الذي يجذب اهتمام بكين ويعد محورياً ضمن مبادرة الحزام والطريق الصينية التي ترفع شعار "طريق واحد حزام واحد".
والتقى الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في الحادي عشر من مارس/ آذار الجاري، في العاصمة السعودية الرياض، بالسفير الصيني لدى اليمن، وذكرت وكالة الأنباء اليمنية الرسمية (سبأ) آنذاك، أن اللقاء بحث العلاقات الثنائية وسبل تعزيزها.
لكنّ مصدرا حكوميا رفيع المستوى قال لـ"العربي الجديد" إن الرئيس اليمني طلب من الحكومة الصينية تفعيل الاتفاقية المبرمة بين البلدين عام 2013، لتطوير ميناء عدن في مشروع تبلغ تكلفته 507 ملايين دولار بتمويل صيني.
وأضاف المصدر أنه " ليس من المستبعد أن يعرض الرئيس هادي مستقبلا على حكومة الصين تسليمها إدارة ميناء عدن باتفاقية طويلة المدى، بعد أن ضاقت الحكومة اليمنية ذرعاً بالتدخلات الإماراتية لعرقلة أعمالها وسعي أبوظبي للهيمنة على ميناء عدن".
ووقع اليمن منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني 2013 في العاصمة الصينية بكين على اتفاقية توسعة وتعميق محطة الحاويات بميناء عدن بين مؤسسة موانئ خليج عدن والشركة الصينية لهندسة الموانئ المحدودة، وذلك في إطار زيارة هادي للصين، وشمل الاتفاق إدارة ميناء شنغهاي للمنطقة الحرة بعدن وإنشاء شركة نقل بحري خفيف ومتوسط بين البلدين.
ويتضمن المشروع بناء رصيف إضافي بطول ألف متر وعمق 18 مترا وتعميق وتوسعة القناة الملاحية الخارجية بطول 7400 متر وعرض 250 مترا وعمق 18 مترا، إضافة إلى القناة الملاحية الداخلية بطول 3800 متر وعرض 230 مترا وعمق 18 مترا.
وكان وزير النقل اليمني كشف لـ"العربي الجديد" في 31 ديسمبر/كانون الأول 2014، عن تجميد الصين لمشروع تطوير ميناء عدن، والذي كان متوقعاً أن يبدأ تنفيذه مطلع عام 2015 بسبب الحرب.
ورأى خبراء اقتصاد أن المشروع، حال تنفيذه واستكمال تجهيزاته، سيمثل نقلة نوعية للعمل الملاحي في ميناء عدن القريب من خط الملاحة الدولية، فضلاً عن قيامه بإعادة الميناء إلى خارطة المنافسة الدولية من خلال المواصفات الحديثة التي سترفع طاقته التخزينية من مليون حاوية إلى ما بين 2.5 و3.5 ملايين حاوية، وسيرفع القدرة على استيعاب السفن التي تحمل 18 ألف حاوية نمطية.
وكان اليمن قد أنهى اتفاقية تأجير ميناء عدن مع شركة موانئ دبي العالمية في العام 2013، مقابل تعويض 35 مليون دولار قدمتها اليمن لموانئ دبي عقب اتهامها بالفشل في إدارة الميناء.
ويدار ميناء الحاويات في عدن حاليا من قبل "شركة عدن لتطوير الموانئ" وهي شركة يمنية تابعة لمؤسسة موانئ خليج عدن تم إنشاؤها في العام 2013 كشركة تابعة لسلطات الميناء عقب خروج موانئ دبي العالمية من الميناء، فيما تسعى الإمارات إلى إعادة شركة موانئ دبي مرة أخرى.
وكشفت أبوظبي عن أهدافها عقب ثلاثة أشهر من تحرير مدينة عدن من قوات الحوثيين والرئيس الراحل علي عبدالله صالح في يوليو/تموز 2015، وقام وفد من شركة موانئ دبي التي تملك منطقة جبل علي الحرة، نهاية أكتوبر/ تشرين الأول من ذلك العام، بزيارة إلى المدينة، في مهمة قيل إنها "لإعادة تأهيل ميناء عدن"، حسب وكالة أنباء الإمارات آنذاك.
ودخلت الإمارات اليمن تحت غطاء "إعادة الشرعية"، لكنها توجهت إلى الموانئ التجارية والنفطية، وأصبحت تسيطر الآن على موانئ الجنوب، من المكلا شرقاً وحتى عدن غرباً، إلى الموانئ الغربية للبلاد، ومنها ميناء المخا الذي استخدمته كمقر لقواتها.
ويصنف اليمن على أنه دولة بحرية، ولديه شريط ساحلي بطول 2200 كيلومتر يحيط به من الغرب والجنوب، وعلى امتداده موانئ مهمة وعشرات المدن الساحلية.
ويعتبر اليمن محوراً مهما في خطة الصين الطموحة لبناء طريق تجاري حديث على طريق الحرير متعدد المسارات إلى بقية آسيا وأوروبا والشرق الأوسط، لكن أهداف الصين في اليمن مرتبطة بتوقف الحرب وفقا لمحللين، يرون أن من شأن وقف الحرب في اليمن أن يكون له فوائد اقتصادية كبيرة للصين.
وقال أحمد حسان، الخبير في الملاحة البحرية، إن الحرب في اليمن تعيق خطط الصين لإدارة وتشغيل ميناء عدن، وإن الوضع الأمني المضطرب يشكل خطراً أمام الاستثمار الصيني في هذا البلد.
وأضاف حسان لـ"العربي الجديد" أن "موقع اليمن مهم للغاية بالنسبة للصين من أجل توسيع مشروعها المتمثل في مبادرة طريق الحرير، لكن ليس من الواضح إذا كانت ستغامر بالاستثمار في تشغيل وتطوير ميناء عدن في ظل الاضطرابات، وهل ستدخل في مواجهة مع القوات الإماراتية التي تسيطر على ميناء عدن عسكريا وتسعى لإعادة شركة موانئ دبي لإدارته".
وتابع أن بكين تطمح للوصول إلى مضيق باب المندب، الذي يربط القرن الأفريقي بالشرق الأوسط، وأن الوصول إلى هذه النقطة الحرجة من شأنه أن يسهل هدف الصين المتمثل في توسيع مبادرة طريق الحرير.
وأعلنت الحكومة الصينية في 15 مايو/ أيار 2017، أنها ستستثمر 124 مليار دولار، في مشروع اقتصادي طموح يشمل إنشاء موانئ وطرق وسكك حديدية في عشرات الدول حول العالم في نطاق مبادرتها التجارية. ويهدف هذا المشروع، الذي أزيح عنه الستار للمرة الأولى في عام 2013، إلى تعزيز الأواصر التجارية بين قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا والقارات الأبعد. ويشمل الاستثمار الصيني الذي يهدف إلى تمتين علاقات الصين مع شركائها التجاريين 9 مليارات دولار على شكل معونات للدول النامية والمؤسسات الدولية التي تشكل جزءا من مشروع الحزام والطريق.
ويعود اهتمام الصين باليمن إلى عقود، حيث ساعدت بكين في تطوير البنية التحتية في اليمن منذ خمسينيات القرن الماضي. وتعمقت العلاقة بوضوح في السنوات الأخيرة.
وقبيل اجتياح الحوثيين للعاصمة اليمنية صنعاء في سبتمبر/ أيلول 2014، كان السفير الصيني بصنعاء تشانغ هوا يبحث مع الحكومة اليمنية مسألة انضمامها إلى مبادرة طريق الحرير. وبحسب السفير الصيني فإن ميناء عدن يحتل صفحة مهمة في تاريخ طريق الحرير البحري، مشيرا إلى امتلاك عدن إمكانية كبيرة للنمو باعتبارها محطة مهمة.