"إلى الـ لا أحد.. وحده من بقي معي في مواجهة الوحشة" هكذا يهدي الشاعر فخر العزب ديوانه الجديد "فراغات الوحشة" ليكشف عن مضامين قصائد الديوان التي جاءت ترجمة لمعاناة الشاعر مع مرض الاكتئاب.
وهو ما انعكس على النصوص الشعرية التي جاءت خالية من العناوين، والتي تم استبدالها بفراغات تعبر عن حالة التيه التي يعانيها الشاعر في واقعه ونصوصه.
الديوان الصادر عن دار أروقة للطباعة والنشر قدمه الشاعر فتحي أبو النصر الذي قال إن فخر العزب يصعد بالقصيدة إلى أعالي جبلنا الكريم والمقدس "صبر" ثم كقروي حزين "يشمط "بها في قلب مركزي المدينة.
ويضيف "أبو النصر": ولد الفخر بين جيلين من الفقد والخسائر السياسية والاجتماعية والثقافية.. لكنه الجيل الأنقى، لأنه الأكثر استقلالا ذهنيا.. والأكثر ثورية.. وفي التجريب على صعيد الكتابة أيضا؛ يكابد من أجل الاختلاف واللمسة الخاصة".
وقدم الشاعر والناقد اليمني أمين العباسي قراءة أبجدية بعنوان "فراغات الوحشة.. تنوع المتن وتوازيه" أشار فيها إلى أنه من أول جملة شعرية, ينفذ إلى عميق ذاتك -ذهنا ووجدانا- عبق الشعرية الفائح في ديوان فخر العزب "فراغات الوحشة". تتسلل تلك الشعرية عبر ردهات الديوان وعتباته بنصوصها المتوازية والمتوارية كما وكيفا في آن.
في الشعر كما في الأشكال الإبداعية والفنية الأخرى هناك بناءان فنيان الأول مشروط بالموهبة, والأخر محكوم بالمعرفة, وهو ما تحقق بامتياز لشاعرنا الفذ فخر, فهو موهوب حد السليقة, وعلى قدر نوعي من التعليم, أكاديميا كمهني إعلامي.
وأضاف العباسي،" لسيرة فخر وبيئتيه المحلية والوطنية, وكذا نشاطه اليومي العام على أكثر من صعيد دور في صقل موهبته وتنميتها, وهو ما توافر لكثيرين غيره, بيد أن ما يميز فخر هو قدرته على الاستفادة الفائقة من بيئتيه ونشاطه والتقاط منهما كل ممكن لتعزيز حضوره الإبداعي ومراكمة أدواته الفنية والمعرفية بغية الإجادة والتجديد".
من قصيدة إلى أخرى ومن عمل إبداعي إلى ثاني يجترح فخر -باستمرار- الجدة والمثابرة على مستوى الموضوع والبناءين الفني والشكلي, لمادته الإبداعية باقتدار, وفي الديوان شذرات صوفية مبثوثة في جوانبه, معلنة عن حالة اعتقادية خاصة, غير مقلدة, ونائية عن التعبير المتزمت.
الشعر فلسفة بما هو تعبير عن أفكار ورؤى وتصورات ومواقف, والفارق -فقط - في اختيار الأسلوب التعبيري من منتج لأخر. فأسلوب الشاعر, وصياغته جماليا تقوم على بناء فني متكامل ومتجانس النسج والإيقاع, لكن المضامين مستوحاة من الوجودين الذاتي للشاعر والكوني من حوله, ومن ثم فإن أغراض كل تجربة شعرية محكومة بهذا الإطار, وبه ومن خلاله تبرز صعودا أو هبوطا إجادة أو رداءة".
وأشار العباسي إلى أن للشاعر فخر, ونظيره حاوي فلسفتان -بالتأكيد- مختلفتان لكنهما تتشابهان من حيث صوفيتي الوجدان المكلوم متعدد منابع الوجع متدفق المقاومة تجاه الإفصاح عنه.
في الشعر هناك ما يسمى بـ"الكلمة المشعة في القصيدة" على حد تعبير البعض, تأتي على شكل "نواة صوتية" هذه النواة هي ما يمكن تسميته بوحدة بناء القصيدة, دورها -إلى جانب أدوار مفردات أخرى- إعطاء الصورة الكلية للقصيدة شكلا ومضمونا.
شكلا حيث البناء الخارجي وما يرتبط به من تجاور بنيوي للمفردات والعبارات والجمل والمقاطع, والعلاقات الناظمة لكل هذه المستويات البنائية, وطرق إخراج تلك المستويات وإظهارها في صيغتها النهائية بنيويا.
مضمونا حيث يكمن المعنى والموضوع بفكرته الرئيسية أو المتفرعة للثاني, وبدلالاته التعبيرية الجمالية للأول. وبحسب نظرية الشكل والمضمون الجامعة: فإن أرقى وأبدع الأعمال الفنية هي التي تجتمع في معمارها الكلي جودتا الشكل والمضمون.
تلك الجودة تنبني من خلال أسس معيارية تنشأ على أرضية متينة متماسكة من الوعي والثقافة والفكر والجمال والفن ذاتية الانهمار, واقعية المثابرة والجدة في التزود بالمعارف وصقل القدرات. إن فكرة الكلمة أو المفردة المشعة في القصيدة هي نفسها فكرة أو بعد البنية المفاهيمية في المجالات العلمية البحتة.