يعيش اليمن مع الإعلان عن بدء العام الدراسي الجديد، على وقع جدل وسخط واسع، بسبب رسوم التعليم في المدارس الخاصة والأهلية، والتي زادت بنسبة كبيرة هذا العام مقارنة بالأعوام الماضية، وهو ما يجعل التعليم وارتياد المدارس في البلد الذي مزقته الحرب لمن استطاع إليه سبيلاً.
معظم الأسر اليمنية التي تكافح وتبذل جهوداً مضنية في توفير ما تيسر من الغذاء والوجبات اليومية قد تتجه إلى إسقاط التعليم من حساباتها لهذا العام، في حين دأبت كثير من الأسر بشكل تدريجي خلال السنوات الثلاث الماضية تحديداً على سحب أبنائها من المدارس أو التوقف عن تعليمهم والدفع بهم إلى سوق العمل لمساعدتهم على توفير ما أمكن من الدخل والمتطلبات والاحتياجات المعيشية اليومية.
ورصدت "العربي الجديد" ما يجري في هذا السوق بعد تحول التعليم في اليمن إلى تجارة مربحة واستثمار مزدهر وحصالة كما يصفه مواطنون لجمع النقود، واطلعت على القوائم المالية والرسوم التي حددتها عدة مدارس أهلية وخاصة في صنعاء وعدن وتعز ومحافظات يمنية أخرى، إذ تتفاوت هذه المبالغ بين المحافظات والمناطق الخاضعة لطرفي الحرب، الحكومة المعترف بها دولياً والحوثيين.
وتصل رسوم تسجيل طالب في الصفوف الأولى للمرحلة الأساسية في صنعاء إلى نحو 150 ألف ريال في المدارس المصنفة من الدرجة الرابعة والثالثة، وتراوح بين 180 و200 ألف ريال في المدارس المصنفة بشكل غير رسمي من الدرجة الثانية، ويقترب المبلغ من مستوى 250 ألف ريال (500 دولار بحسب سعر الصرف في صنعاء)، بينما يزيد هذا المبلغ ويتفاوت من مدرسة لأخرى، في حين تصل الرسوم إلى ضعفي هذا المبلغ للمرحلتين الإعدادية والثانوية.
الرسوم بالدولار
في عدن وتعز وبقية المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، تحدد الرسوم بالدولار كما هي الحال في صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فيما الرسوم تصل إلى ضعفي السعر المتداول في العاصمة اليمنية بحسب كلّ مرحلة دراسية، بسبب فوارق الصرف بين مناطق الحكومة ومناطق نفوذ الحوثيين، إذ يصل سعر صرف الدولار في عدن إلى نحو 1175 ريالاً مقابل الدولار الواحد، بينما يجري تداوله في صنعاء عند مستوى 560 ريالاً.
وعبر مواطنون عن صدمتهم مما وصفوه بالجشع من قبل إدارات المدارس الخاصة والتي تستغل بطريقة بشعة تردي التعليم الحكومي المجاني بعد توقف صرف رواتب المعلمين في نهاية العام 2016، وما لحق بالمدارس والمنشآت التعليمية العامة من تدمير وأضرار بالغة بسبب الحرب والمواجهات المسلحة واتخاذ كثير منها كثكنات عسكرية أو تحويلها إلى مأوى للنازحين.
عبد الكريم فؤاد، وهو ناشط اجتماعي في عدن، يتحدث لـ"العربي الجديد" عن اختلاف الوضع في العاصمة المؤقتة للحكومة اليمنية ومناطق نفوذها عن صنعاء بسبب عودة المدارس الحكومية للعمل وإعادة صرف رواتب الموظفين من الكادر التعليمي، لكنّ المشكلة في الازدحام ومستوى الخدمة المقدمة الذي يجبر بعض الأسر على التوجه بأبنائها إلى المدارس الخاصة، إضافة إلى ارتفاع تكاليف الرسوم والمستلزمات المدرسية والأزمات المعيشية التي تؤثر على قرارات وأولويات كثير من الأسر.
حسن جازم، من سكان صنعاء، وهو رب أسرة تتكون من 10 أفراد معظمهم أطفال تراوح أعمارهم بين 7 و15 عاماً، يعبر لـ"العربي الجديد"، بحدة عن غضبه لهذا الاستنزاف الذي يتعرض له اليمنيون والذين أصبحوا عرضة للاستغلال.
ويقول خبراء اقتصاد إن جزءاً كبيراً من الأموال التي استوعبها قطاع التعليم الأهلي تعود لمستثمرين مرتبطين بشكل أو بآخر بتجارة الحرب في اليمن والتي كونت طبقة ثرية ساهم بذخها المفرط في رفع تكاليف ورسوم المدارس الأهلية وتسبب أبضاً في خلق فجوة طبقية واسعة نظراً لأن الكثير من الأسر أصبحت غير قادرة على تعليم أبنائها.
استثمار رائج
ويشير الخبراء إلى أن التعليم أضحى استثماراً رائجاً، كونه آمناً ومجدياً، كما يجد إقبالاً من الكثير من المستثمرين والمقترضين بهدف تكوين مشاريع خاصة. ويقول عبد الرقيب العمراني، وهو من سكان صنعاء، لـ"العربي الجديد"، إن لديه خمسة أبناء موزعون على المراحل التعليمية الثلاث، لكنه عندما توجه لتسجيلهم في المدارس الخاصة التي يلتحقون بها منذ العام الماضي وجد أن هناك زيادة كبيرة في الرسوم.
يضيف العمراني متحدثاً لـ"العربي الجديد"، أن ذلك يتطلب موازنة لا يقدر عليها، لأنه سيضطر لمضاعفة مبلغ الأقساط التي يتم دفعها للمدارس كل شهرين، الأمر الذي أجبره على مراجعة السياسة التعليمية التي يتبعها والاكتفاء بتعليم الأبناء الملتحقين بصفوف المرحلة الأساسية، في حين يتوجه الآخرون الأكبر سناً إلى سوق العمل.
وبينما يعتبر كثيرون أن أطراف الحرب سواء في صنعاء أو عدن حولوا التعليم إلى تجارة مربحة، يرى فهمي صادق، وهو مسؤول إداري في إحدى المدارس الخاصة في صنعاء، أنّ مثل هذه المشاريع ساهمت في تغطية الفراغ الذي تركته الدولة والحكومة وتقديم الخدمة التعليمية، مشيراً في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنه تجري مراعاة الأوضاع الإنسانية والاقتصادية والمعيشية للمواطنين في تحديد الرسوم.
لكنّ الخبير الاقتصادي أنور غالب يشدد، في حديث مع "العربي الجديد"، على أنّ الخدمات العامة تحولت إلى تجارة بإشراف السلطات المعنية، كما هو الحال في بعض المدن مثل صنعاء، التي لا تقوم بأي دور في تقديم هذه الخدمات للمواطنين الذين اعتادوا عليها مجانية أو بأسعار رمزية، والاكتفاء بفرض الجبايات وتحصيل الأموال.
العربي الجديد