لأعوام، لم يكن هناك وسيلة تعبر بها هيفاء سبيع عما يجري في اليمن سوى الرسم على جدران، لذا حينما علمت بأمر استقبالها لطفلتها الأولى، قررت ألا تبرح مكانها في الشارع، وأن تجعل من تجربتها لوحات فنية، يتسع مدى تعبيرها ليشمل كل أم يمنية تضع مولودها في ظروف عصيبة كالوضع الراهن.

في 21 سبتمبر 2014، اجتاح المقاتلون الحوثيون العاصمة صنعاء وسيطروا على السلطة، ومن بعدها دخل اليمن في حرب لم يخمد أثرها حتى اليوم، فيما تشير إحصائيات الأمم المتحدة إلى مصرع نحو 300 ألف على مدار هذه الأعوام.

ترسم هيفاء على الجدران في الشوارع، منذ عام 2015، مع تصاعد الوضع في اليمن، استمدت منها القوة، وكذلك أرادت أن تفعل حينما اشتدت عليها فترة الحمل، رغبت أن تشارك فرحتها باستقبال طفلتها الأولى كما أعتادت لأعوام أن تحمل همومها.

في ديسمبر 2020، عادت هيفاء مجددًا للرسم على الحوائط، لكن هذه المرة مختلفة؛ كانت الفنانة اليمنية في الشهر السادس من حملها حين عزمت على تفيذ الخاطر الذي ألحّ عليها "دائمًا ما كنت أفكر برغبتي في رسم نفسي أثناء الحمل"، وبالفعل تمسكت هيفاء بفرشاتها وراحت ترسم ملامحها على الجدران في خطوة غير مسبوقة لها.

لنحو أسبوعين واصلت الفنانة العمل لإنهاء جداريتها "رسمتها بكل حب ورسمت مشاعري بالألوان على الجدران". تحدّت الأم الصعاب الجسدية والنفسية التي تمر بها في هذه الفترة، ووصلت لحد منع الطبيب لها من الحركة، لكنها وجدت العون "لولا مساعدة زوجي ومساندته لما استطعت الرسم".

بحث زوج هيفاء معها عن الجدار المناسب لرسمتها، وشاركها أثناء التنفيذ، وفي 17 ديسمبر 2020، أنهت الفنانة اليمنية لوحتها أمام كلية اللغات والتربية في مدينة عدن –جنوبي اليمن، ومنحتها اسم "سننجو معًا".

كانت فترة الحمل "سيئة للغاية نفسيًا وصحيًا" كما تصف هيفاء في حديثها لمصراوي، لم تخل الأيام من مخاوف تراود الأم ويعج بها محيطها من صعوبة الحصول على الرعاية اللازمة بسبب الحرب وقلة الأجوية، وعدم توفير الكادر الطبي المؤهل للعناية ومتابعة وضع الحوامل خاصة الحالات الحرجة.

وفق آخر تقرير لليونسيف عن الأمومة والأبوة في ظل الصراع في اليمن، وصدر في يونيه 2019: تموت أم وستة مواليد كل ساعتين بسبب مضاعفات الحمل أو الولادة، وهو معدل مرتفع منذ تصاعد النزاع، إذ تموت سيدة من بين 260 امرأة، فأصبح اليوم يشهد 12 حالة وفاة عام 2018، بعدما كان 5 وفيات يوميًا عام 2013، كما لا ينجو سوى طفل واحد من بين 37 مولودًا في الشهر الأول.

وقفت هيفاء أمام جداريتها، التقطت صورتها الأولى مع طفلتها قبل ثلاثة أشهر من استقبالها، جعلتها بداية لحملة فنية جديدة لها أطلقت عليها "النساء والحرب"، وضعت كل المخاوف وراء ظهرها، وتركت فقط الأمل "إيماني أن القادم سيكون أجمل والحرب لابد أن تنتهي وترى طفلتي الحياة بشكل جميل".

في مارس الماضي، وضعت هيفاء طفلتها "نادين"، جاءت الصغيرة للحياة بصعوبة عبر عملية قيصرية. سلمت الأم من المخاوف السابقة إلا أمرًا واحدًا "اكتئاب فترة الحمل وما بعد الولادة"، أيام أخرى صعبة عايشتها الفنانة اليمنية، تتمنى ألا تمر بها أي أم، لكنها لم تستلم، وعادت ثانية للرسم.

مع مطلع سبتمبر الجاري، أمسكت هيفاء أدواتها لتضع خطوط ملامحها مبتسمة، لكن هذه المرة مع طفلتها، أكملت المشهد على جدار منزل أسرتها في صنعاء، بعدما ضاقت عليها الحوائط بسبب تهديدات الحوثيين كما تقول لمصراوي.

سجلت هيفاء ضمّتها ونظرتها لـ"نادين"، التي هونت عليها الفترة الصعبة بعد الولادة "عانيت من الإحباط والإكتئاب وعدم رغبتي في القيام بأي شيء لكن ما جعلها جميلة في نفس الوقت وجود طفلتي بجانبي".

لم تنس هيفاء نصيب جداريتها الثانية من الوصف، أطلقت عليها "أمومة". وقفت الأم العشرينية أمامها أيضًا، لكن هذه المرة محتضنة طفلتها لتوثق لحظة اكتمالها ومعها شعور بالإمتنان. تعتبر هيفاء رسم نفسها فترة الحمل وبعد الولادة "إنجاز" يذكرها كيف استطاعت تخطي المصاعب والأوقات الصعبة.

استقبلت هيفاء ردود غمرتها بالسعادة، تركت الكلمات أثرًا في نفسها، تحتفظ ذاكرتها ببعضها مثل "إنك أم عظيمة.. تتهنى طفلتك بأم مبدعة مثلك. رسمتيها بحب أعتقد لها معزة خاصة عندك وعندنا كأمهات".

تتزود الأم بما حصلت عليه من فرحة حينما يختل اتزان أفكارها، فيما تنظر لطفلتها فتتأكد أن أحلامها ومخاوفها اليوم باتت مختلفة "أصبحت أكثر ارتباطًا بها. أصبحت أخاف عليها وعلى نفسي أكثر من ذي قبل وأتمنى أن لا ترى ما رأيناه من مآس وحروب".


المصدر: موقع  مصراوي