أخذ الفنان مراد سبيع الملقب بـ"بانكسي" اليمن على عاتقه توثيق فضائع الحرب في بلاده، وهذا ما أكد عليه وجسده خلال حضوره مهرجان برلين لأفلام حقوق الإنسان بلوحات جدارية توثق كيف أن "أهوال الحرب تبتلع كل شيء".
لا يمتلك الفنان اليمني مراد سبيع الملقب بـ"بانكسي" اليمن، سوى فنه وخاصة فن الغرافيتي ليعكس ويوثق الحرب في اليمن البلد الذي مزقته الحروب وبات يعاني من أسوأ أزمة إنسانية على مستوى العالم.
أبرز أعمال سبيع صور باللونين الأبيض والأسود وراء خلفية حمراء فيما تحل ثقوب سوداء ضخمة محل عيون هذه الشخصيات المرسومة، فيما كتب مراد أن "الحروب تعد أحد الجذور الشريرة وتحول البشر إلى وحوش وضحايا فيما بقى آخرون في مقعد المتفرج".
قام سبيع برسم هذا العمل الفني على واجهة أحد المباني الخاصة بمراسم اتحاد برلين السينمائي المعروف اختصارا بـ (BUFA) الذي يعد بمثابة حرم سينمائي رائع قرب مطار تمبلهوف السابق الذي يعد من أقدم مطارات ألمانيا ويعود إلى بداية عشرينات القرن الماضي.
وفي عام 1912، تم تشييد الأستوديوهات الأولى حيث تم تصوير فيلم "الملاك الأزرق" بشكل جزئي من بطولة النجمة الألمانية مارلينا ديتريش التي تربعت على عرش هوليوود في ثلاثينيات القرن الماضي.
وبات اتحاد برلين السينمائي المقر الرئيسي لمهرجان برلين لأفلام حقوق الإنسان فيما حملت النسخة الرابعة من المهرجان عنوان اسم "فن التغيير" الذي يسدل الستار عليه في 25 من سبتمبر / أيلول الجاري.
وتم توجيه الدعوة للفنان مراد سبيع الملقب بـ"بانكسي" اليمن للمشاركة في معرض فني جماعي ضمن فعاليات المهرجان وقام برسم هذا العمل الفني الذي يعد جزءا من مجموعته الفنية التي تحمل اسم "وجوه الحرب".
وفي مقابلة مع DW، قال سبيع إن هذه المجموعة من أعماله توثق كيف أن "أهوال الحرب تبتلع كل شيء".
فن الشارع رمز للأمل
ولد سبيع عام 1987 في محافظة ذمار اليمنية وقد بدأ الرسم على الجدران بعد ثورة عام 2011 إبان "الربيع العربي".
ومع انزلاق اليمن في صراع مسلح أصبحت الجدران التي حملت أثار الحرب والمعارك بمثابة لوحات فنية يرسمها سبيع الذي قال إنه كان يرغب من وراء ذلك "إظهار أن هناك فنً في هذه الأماكن وأنه لا يزال هناك أملا وأيضا أردت أن اظهر أن هناك أناس يحاربون في لحظة كئيبة عندما يرغب هذا البلد في كتابة تاريخها".
ورغم أنه يتم مقارنة سبيع بفنان الشارع البريطاني بانكسي، إلا أن الفنان اليمني لا يخفي هويته ولا يعمل بمفرده إذ أنه يُشرك الناس في اليمن في تنظيم حملات للرسم على الجدران بهدف نقل مأساة اليمن إلى العالم.
وخلال أول نشاط فني من حملات الرسم التي نظمها سبيع عام 2012 أطلق عليه أسم "لوّن جدار شارعك"، دعا المارة للانضمام إلى الفنانين والرسامين لخلق مساحة من الإبداع المشترك مما يسمح لكل شخص أما بالرسم أو حتى التحدث والخطابة.
وفي ذلك، قال سبيع إنه هدفه كان ضمان أن الفن "ليس ببعيد عن الناس. وفي اليمن حيث لا توجد صالات عرض أو متاحف، لذا يذهب الفن إلى الناس في الشوارع".
ولم يتوقف الأمر عند حملة "لون جدار شارعك" بل تلى ذلك حملات فنية أخرى إذ أطلق سبيع على حملته الخامسة اسم "حُطام" وقد بدأت في مايو/أيار 2015 بالتزامن مع تصاعد وتيرة الحرب والمعارك في اليمن.
أسوأ أزمة إنسانية في العالم
ويشهد اليمن منذ قرابة سبعة سنوات حربا مدمرة تسببت في أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وفقا للأمم المتحدة.
ويدور الصراع في اليمن بين القوات الحكومية المدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية منذ 2015 من جهة، وبين المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران ويسيطرون على مناطق عديدة في البلاد بما في ذلك العاصمة صنعاء منذ بد هجومهم منذ عام 2014.
وكان تأثير الحرب على سكان اليمن كارثيا وبالغ الخطورة إذ أفادت منظمة إغاثية أوروبية أواخر الشهر الجاري "باستمرار تدهور وتفاقم أسوأ أزمة إنسانية في العالم بمستويات غير مسبوقة من نقص الاحتياجات."
وقالت اﻹﺩﺍﺭﺓ ﺍﻟﻌﺎﻣﺔ ﻟﻠﻣﻔﻭﺿﻳﺔ ﺍﻷﻭﺭوﺑﻳﺔ ﻟﻠﻣﺳﺎﻋﺩﺍﺕ ﺍﻹﻧﺳﺎﻧﻳﺔ ﻭﺍﻟﺣﻣﺎﻳﺔ ﺍﻟﻣﺩﻧﻳﺔ (DG ECHO) إن أكثر من عشرين مليون شخص في اليمن باتوا في حاجة ماسة إلى المساعدة؛ أي ما يعادل 66٪ من السكان فيما أصبح أكثر من 16 مليون منهم يفتقرون إلى الحصول على غذاء.
وتقدر المنظمات الحقوقية بتشريد أكثر من أربعة ملايين شخص داخل البلاد منهم أكثر من 10 ألاف أسرة نزحت جراء القتال خلال العام الجاري.
انتقاد المجتمع الدولي
وبسبب الصراع، لم يجد سبيع خيارا سوى الفرار من اليمن بسبب مواقفه السياسية. وفي ذلك، قال إنه في الوقت الذي كان يُتوقع أن ينحاز النشطاء وأصحاب الرأي إلى طرف دون آخر، رفض سبيع هذا الأمر وقرر أن "ينتقد كافة الأطراف بسبب أن الجميع يرتكب جرائم".
وأصيب أحد أشقائه، وهو صحافي، بالرصاص في كلا ركبتيه فيما تم التحقيق مع مراد عدة مرات.
وحتى فنيا، لم يتمكن سبيع من الرسم بحرية ما دفعه إلى السفر برفقة شقيقه إلى مصر ليصل إلى باريس قبل عامين بدعم من صندوق حماية الفنان، وهو برنامج دولي يرمي إلى تقديم الدعم والملاذ الآمن للفنانين المعرضين للخطر.
وعقب وصوله إلى باريس، أصبح سبيع نشطا في مجاله الفني إذ قام برسم لوحة جدارية تندد بصفقات السلاح الفرنسية للسعودية.
يشار إلى أن ألمانيا تساهم في الصراع في اليمن حيث تدور رحى حرب بالوكالة وذلك من خلال تصدير أسلحة للدولة المنضوية في التحالف العسكري بقيادة السعودية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
وفي ذلك، قال سبيع "لسوء الحظ تصب الحرب في اليمن في صالح العديد من الشركات الأوروبية"، منددا بصمت المجتمع الدولي إزاء استمرار حصد الحرب أرواح اليمنيين الأبرياء في عبارة لخصها بقوله: "اليمنيون هم من يدفعون الثمن".
ورغم أن نظرته قاتمة حيال مستقبل بلاده، إلا أن سبيع يشدد أن ما يهمه هو أن يستمر في نشاطه الفني إذ قال "هدفي الآن ينصب على التعليم. لأن كل الشرور مرجعها الجهل".
المصدر: DW