"لم يترك لي مقتل والدي، يوم 16 أبريل/نيسان 2016، ضمن القوات الموالية للشرعية في بلدة الوازعية جنوبي غربي اليمن وانقطاع مرتبه بعد مقتله، ثم إصابة جدتي التي كانت ترعانا بلغم أرضي أفقدها القدرة على الحركة، المجال للبقاء بمنزلي ورؤية إخوتي الخمسة يقتلهم الجوع والفقر، ولهذا خرجت مكرها بحثا عن العمل لإعالة إخواني الخمسة وجدتي".
بهذه الكلمات بادرنا الطفل وهيب حميد القعطبي (10 أعوام) عند سؤالنا له عن الدوافع التي جعلته يتّجه للعمل في هذا السن.
حاول الطفل وهيب القعطبي في الفترة الماضية البحث عن عمل عند العديد من المحال التجارية لكنه لم يفلح، قبل أن يمنحه أحد التجار فرصة العمل من خلال بيع العطور في سوق الشقيرا بمديرية التعزية يمحافظة تعز (جنوب غرب اليمن)، وهو ما أحدث ضجة كبيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد مشاهدته من قبل ناشطين إعلاميين في سوق المنطقة، الذين انتقدوا إيقاف مرتب والده بعد مقتله، وطالبوا التجار والأهالي بالوقوف بجانب الطفل ودعمه.
دعوات مثمرة
ويقول الناشط الإعلامي عبد الجبار علي هادي، وهو أول من صادف الطفل القعطبي بالسوق وقام بالنشر عنه على مواقع التواصل الاجتماعي، في حديث للجزيرة نت إنه فوجئ عند مشاهدته طفلا في هذا السن يلح في العمل إنقاذا لأشقائه الخمسة بعد أن توقف راتب والده، ليقوم بالنشر بصفحته على أمل دعم الطفل، وهو ما تحقق من خلال تجاوب بعض فاعلي الخير من سكان المنطقة.
ويقدر هادي ما تم جمعه من هذه التبرعات بما يعادل 700 دولار تقريبا، ليتم التفكير بعدها في تأسيس مشروع صغير له قابل للتطور، حيث تم فتح محل صغير له لبيع هدايا العيد، بعد تبرع شخص بأرض مجانية للمحل دون إيجار، حيث دشن الطفل العمل في المحل قبل أسبوع.
بين العمل والتعليم
وقدرت الكلفة الإجمالية لتجهيز المحل التجاري بحوالي 450 دولارا، في حين خصص المبلغ المتبقي 250 دولارا لتوفير أدوات بسيطة لتدشين العمل بالمحل، الذي يشهد إقبالا من كثير من المتسوقين لدعم الطفل من خلال الشراء منه، ويطمح متبنو فكرة دعم الطفل إلى توسعة المحل في المرحلة القادمة بما يسهم في تحسين دخل أسرته واستقرارها حفاظا على مستقبل بقية أشقائه، كما يقولون.
ويؤكد الطفل وهيب القعطبي إصراره على إكمال تعليمه، حيث يدرس حاليا في الصف الثالث في المرحلة الأساسية، رغم حاجته القصوى لهذا العمل لسد حاجة أسرته هربا من الجوع والبطالة، حيث أوضح أن لديه شقيقا قريبا من عمره سيعمل على تبادل أوقات العمل معه بما يحافظ على وقت العمل والتعليم.
اتساع ظاهرة العمالة
وحول أسباب زيادة عمالة الأطفال في اليمن، يقول مدير منظمة سياج للطفولة أحمد القرشي للجزيرة نت إن أبرز تلك الأسباب هو الانحدار الاقتصادي الحاد الذي وصل إليه أكثر من 85% من اليمنيين تحت خط الفقر، وهناك نسبة كبيرة من اليمنيين بحاجة إلى الغذاء.
وأشار القرشي إلى أن لديهم تقديرات بعدد الأطفال الذين يعملون في اليمن، وأن معدلاتهم ارتفعت خلال السنوات الأخيرة لتصل إلى أكثر من 3 إلى 4 أضعاف عما كان عليه الوضع قبل عام 2014، موضحا أن أسوأ أشكال عمالة الأطفال في اليمن تتمثل في التجنيد وإشراكهم في العمل المسلح، وإشراكهم في الأعمال التي تمثل ضررا عليهم في صحتهم وفي كرامتهم الإنسانية.
وتؤكد منظمة العمل الدولية أن 1.4 مليون طفل عامل يمني محرومون من أبسط حقوقهم، وأن 34% ممن يعملون في اليمن تتراوح أعمارهم بين 5 أعوام و17 عاما. وفي حين تقدر وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في اليمن نسبة مشاركة فئة الأطفال في القوى العاملة بـ40%، يبلغ متوسط ساعات العمل الأسبوعية للأطفال 23 ساعة، ونصف هؤلاء الأطفال منخرطون في أعمال خطيرة، وقد تتسبب في فقدانهم حياتهم، كما أن 32% من الأطفال العاملين في اليمن يتعرضون للتحرش الجنسي.
المصدر: الجزيرة