بحلول عام 1872 دخلت المطبعة ما كان يعرف بولاية اليمن العثمانية (شمال اليمن) لكن بداية الطباعة تعود لعام 1853 عندما أدخلت سلطات الاحتلال البريطاني أول مطبعة لعدن تلبيةً لاحتياجاتها الإدارية، وهكذا شكّلت المطبعتان بداية لتاريخ الإعلام الحديث في اليمن.
وشكّلت الإذاعة لحظة فاصلة في تاريخ الإعلام باليمن، ففي عام 1946 أهدى الجيش الأميركي نظيره اليمني محطة لاسلكية لتبدأ في العام التالي إذاعة صنعاء -شمال اليمن- قبل أن تتوقف عام 1950.
لكن بداية البث الإذاعي في اليمن يعود إلى عدن عام 1940، حيث بثت السلطات البريطانية أخبار الحرب العالمية الثانية عن طريق بث إذاعي اعتبر الأول في الجزيرة العربية، ولاحقا أصبحت إذاعة عدن -التي تأسست عام 1954- عنوان الإعلام اليمني المبكر لتلك الفترة.
واقع مؤلم
لكن واقع الإذاعة الحالية بعد قرابة 7 عقود لا يشبه ماضيها المشرق، إذ يكاد شهر فبراير/شباط ينتهي ولم يتسلم المذيع منصور سيف سعيد راتبه لشهر يناير/كانون الثاني بعد، في واقعة زادت من تعقيد الحالة المعيشية بسبب التردي الاقتصادي الذي تشهده البلاد، وضاعفت من معاناة العشرات من العاملين في إذاعة عدن التي تستمر في الإغلاق والتوقف منذ أواخر مارس/آذار 2015 بعد اندلاع الحرب والمواجهات العسكرية في عدن.
ويصف وضعه ووضع زملائه بالمزري من حيث الأجور، إذ يتسلم راتبا شهريا يعادل 100 دولار في ظل وضع اقتصادي ومعيشي عصيب.
وأضاف سعيد المذيع في إذاعة عدن منذ 40 عاما قارئا للأخبار ومقدما للبرامج الصحية والزراعية، أن إذاعة عدن تعرضت لمؤامرة من جهات يخيفها تاريخ وعراقة الإذاعة والتلفزيون في عدن، وقد أغفلت المطالبات المتكررة لكوادر الإذاعة لإعادة افتتاحها بعد 6 سنوات من الإغلاق القسري.
وتابع سعيد في حديثه للجزيرة نت أن العديد من زملائه يموتون وهم على فراش المرض بعد أن أفنوا سنوات عمرهم في المجال الإعلامي دون الحصول على علاج فضلا عن حقوقهم المهدورة.
ويبلغ عدد العاملين في إذاعة عدن 191 عاملا ثابتا بينما يبلغ عدد المتعاقدين في الإذاعة ذاتها 35 عاملا، ليبلغ إجمالي العاملين فيها بمختلف الأقسام الفنية والتحريرية 226 عاملا.
كما تتبع إذاعة لحج المحلية (شمال عدن) وأبين المحلية (شرق عدن) إداريا وماليا إذاعة عدن حيث يبلغ عدد العاملين بالنظام الثابت في إذاعة لحج المحلية 12 عاملا في حين يبلغ عدد المتعاقدين 17 متعاقدا بإجمالي 29 عاملا في مختلف الأقسام، ويبلغ عدد العاملين الثابتين والمتعاقدين في إذاعة أبين المحلية 39 عاملا منهم 23 عاملا ثابتا و16 متعاقدا.
افتقاد للإعلام الملتزم
ووجّه منصور النقد للإذاعات التي ظهرت في سنوات ما بعد الحرب بقوله "معظم الإذاعات الحالية ذات نشاط تجاري مغلف بالرسالة الإعلامية المجتمعية، حيث صرنا نفتقد للإعلام الملتزم الذي يحترم الذوق العام حيث نعيش في وضع اللادولة".
ويعود تاريخ إنشاء إذاعة عدن للسابع من أغسطس/آب من عام 1954، وذلك بعد التطور الكبير الذي شهدته مدينة عدن في تلك الحقبة في مختلف مناحي الحياة حيث سمع لأول مرة راديو عدن، وكان بثها يقتصر على ساعتين وكانت تتبع حينها لمكتب العلاقات والنشر للإدارة البريطانية.
ثم توسع البث بعد ذلك إلى 7 ساعات من خلال 25 عاملا وأستديوهين صغيرين، ثم توسعت المحطة في الخدمات البرامجية التي تقدمها في فترة الظهيرة وذلك في عام 1956م بإضافة نصف ساعة أخرى لزمن بثها. وكان توقيت برامجها من بعد الظهيرة من الثالثة والنصف إلى الخامسة مساء بينما برنامج المساء ظل مستمرا من السادسة والنصف حتى الثامنة والنصف.
وهذا التوسع أسهم في تقديم النشرات الإخبارية حيث كانت النشرة الأولى في الرابعة مساء والنشرة الثانية كانت في السابعة مساء والنشرة الثالثة في الثامنة و20 دقيقة. ودخلت الإعلانات التجارية في الإذاعة لأول مرة في مايو/أيار من عام 1963 بعد تزايد المستمعين للإذاعة.
وتطورت الإذاعة تقنيا في نهاية الخمسينيات. وبحلول 1967 -بعد ثورة 26 سبتمبر اليمنية- تغير اسم الإذاعة إلى "جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية"، وبعد يونيو/حزيران 1969 اتسع مدى إرسال الإذاعة ليغطي بلدانا عربية عديدة شملت أجزاء من الجزيرة العربية وشمال أفريقيا واستمرت بفعالية حتى منتصف التسعينيات عندما تعرضت للنهب والتدمير قبل أن تعود في أكتوبر/تشرين الأول 1996.
تطور فكري وثقافي
ويقول علي سلام فارع، معد برامج ومحرر بإذاعة عدن، للجزيرة نت، إن "التطور الاقتصادي الذي شهدته عدن إبان الاستعمار البريطاني رافقه تطور فكري وثقافي مع ازدياد السكان في مستعمرة عدن الوافدين من المحميات الجنوبية وشمال اليمن وبالذات تعز حيث كانت هناك حاجة لوجود وعاء فكري وطني تمثل بتأسيس الصحف فبدأت صحيفة فتاة الجزيرة تدخل هذا الوعاء، بالإضافة إلى صحف أخرى فأراد المستعمر أن يواكب منجزاته الاقتصادية لرفع وعي أهالي عدن فأسس إذاعة عدن".
وأشار سلام فارع إلى أن الإذاعة قدمت ثقافة لا تتعارض مع نظام المستعمر، ومع ذلك، كان للثقافة الدينية دور كبير في هذه المرحلة وكذلك نشر الموسيقى والأغاني التراثية، كما حظي الأدب والشعر بمساحة في إرسال إذاعة عدن بحكم بروز شعراء في عدن والجنوب ذوي مكانة كبيرة كالشاعر لطفي أمان وجرادة فقد انتشرت الأغنية العدنية في الستينيات على مستوى الجزيرة والخليج العربي ومصر ولبنان وسوريا.
نشر ثقافة التسامح
وأوضح فارع أن إذاعة عدن قدمت رسالتها الإعلامية بقالب اجتماعي في معظم برامجها المباشرة والمسجلة وكانت مساهمة في نشر الثقافة الاجتماعية المختلفة من خلال وضع الحلول للمشكلات الاجتماعية في البرامج الجماهيرية الموجهة وتقديم الخدمة البرامجية التربوية التعليمية ونشر الثقافة الصحية والبيئية من خلال البرامج التنموية وتشجيع المواهب الفنية والأدبية، إضافة إلى نشر ثقافة الأمن والقانون والتسامح الأخلاقي بين أفراد المجتمع.
ووفق وكالة سبأ الحكومية، فإن وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني ناقش مع قيادات في الوزارة إعادة تشغيل المؤسسات الإعلامية الرسمية -ومنها إذاعة عدن- لكن اجتماعات مماثلة في فترات سابقة عقدت لمناقشة وضع المؤسسات الرسمية لم تُفضِ لعودة العمل في هذه المؤسسات.
الراديو والسلام
تذكر الأمم المتحدة أن الراديو وسيلة الإعلام الأكثر وصولا للجمهور في كل أنحاء العالم، وترى أنه طريقة اتصال قوية وغير مكلفة للوصول إلى المجتمعات النائية والفئات المستضعفة مثل الأميين وذوي الإعاقة والفقراء.
واليوم، تحتفي الأمم المتحدة باليوم العالمي للإذاعة تزامنا مع ذكرى إطلاق إذاعة الأمم المتحدة التي أنشئت عام 1946، وتعتقد أنها ما تزال فعالة في التواصل والتغيير، وتضطلع بدور كبير في التواصل خلال حالات الطوارئ والكوارث.
وبحسب منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)، يمثل الراديو منبرا للمشاركة في النقاش العام بغض النظر عن المستوى التعليمي للناس.
وطالبت الأمم المتحدة في احتفالات العام الجاري بالراديو، بالتركيز على تأثير الراديو في السعي إلى عالم أكثر سلاما وتسامحا، واقترحت أفكارا لبرنامج الاحتفالات مثل الاستخدام المكثف لوسائل الإعلام الاجتماعي.
المصدر: الجزيرة نت