تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، الحادي والعشرون من كانون الأول/ ديسمبر، ذكرى ميلاد الشاعر والكاتب اليمني المصري علي أحمد باكثير (1910 – 1969).
ينسب بعض النقاد ودارسي الأدب إلى علي أحمد باكثير ريادته في كتابة شعر التفعيلة عام 1936؛ أي قبل أكثر من عشر سنوات من نشر نازك الملائكة وبدر شاكر السيّاب أولى قصائدهما، لكن مسألة الريادة تراجعت أهميتها مع صدور العديد من الدراسات التي أبرزت السياقات التاريخية ومجمل الإرهاصات المتعدّدة الرؤى في مصر وبلاد الشام والعراق والتي كان لها دور في تجديد عمود الشعر العربي.
غير أن محاولات الشاعر والكاتب اليمني المصري (1910 – 1969) تظلّ لافتة، حين أقدم وهو لا يزال على مقاعد الدراسة في قسم اللغة الإنكليزية بـ"جامعة القاهرة" على ترجمة مسرحية "روميو وجولييت" لشكسبير، واختار البحور المتحدة التفاعيل التي تستوي تفعيلاتها كالكامل والمتدارك والمتقارب، أما البحور التي اختلفت تفعيلاتها فلم يخترها تلقائياً، وكانت هذه أول تجربة له في شعر التفعيلة، كما توضّح مراجع عديدة.
ورأى باكثير حينها، بحسب مقالات للناقد عبده بدوي، أن "هذا اللون من الشعر يصلح أكثر للشعر المسرحي أو المسرح الشعري، فكان اكتشافه لسر البناء بالتفعيلة بمعنى أن تكون وحدة نغمية تتلاحق بتدفق دون نظرة إلى الحيز الذي تشغله"، وهو ما يؤكدّه السياب الذي اعتبره أول من ابتكر ما أطلق عليه خطأ "الشعر الحر"، أو الشعر المرسل وفق تسمية آخرين، بينما كان كلّ ما كتبه باكثير والسياب والزهاوي والملائكة شعراً موزوناً على بحور العرب، لكنه فارق شكل القصيدة العمودية فقط.
وُلد الشاعر والكاتب المسرحي في إندونيسيا لأبوين يمنيين قبل أن يعود إلى مدينة سيئون اليمنية في العاشرة من عمره، ثم يسافر في الحادي والعشرين من عمره إلى الصومال وأثيوبيا والحجاز، قبل أن ينتقل عام 1924 للدراسة في مصر والتي حصل على جنسيتها في وقت لاحق.
وبسبب شغفه بالمسرح الشكسبيري، قام بترجمة عدد من الأعمال ومنها مسرحية "الليلة الثانية عشرة"، حيث نشر أجزاء منها في "مجلة الرسالة" عام 1932م، ولكن على طريقة الشعر العمودي المقفّى، وأدرك بعد ذلك أن هذا الشكل الشعري لا يناسب فن المسرحية، فقرّر المغامرة بترجمة تلتزم التفعيلة لكنها تخرج عن القافية وشطر البيت؛ صدراً وعجزاً.
حصل باكثير على منحة تفرغ لمدة عامين (1961-1963) حيث أنجز الملحمة الإسلامية الكبرى عن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب في 19 جزءاً، وتعد ثاني أطول عمل مسرحي عالمياً، كما حاز منحة تفرغ أخرى أنجز خلالها ثلاثية مسرحية عن غزو نابليون لمصر "الدودة والثعبان، أحلام نابليون، مأساة زينب"، وطبع الجزء الأول في حياته، والجزأين الثاني والثالث بعد رحيله.
كتب العديد من المسرحيات منها "ليلة النهر"، و"إمبراطورية في المزاد"، و"عودة الفردوس"، و"مأساة زينب"، و"سرّ شهرزاد"، و"الفلاح الفصيح"، و"الفرعون الموعود"، و"حبل الغسيل"، و"شيلوك الجديد".
المصدر: العربي الجديد