يضطرّ آلاف المسافرين اليمنيّين إلى عبور طرقات فرعية عبر الصحراء للتنقل بين محافظتي مأرب والجوف (شمال شرق البلاد)، بعدما أدّت المواجهات المسلّحة إلى إغلاق الطريق الرئيسي الذي يربط بينهما ما يعرض المواطنين للخطر.
ويتحدث المواطن محمد صالح، الذي يعمل في محافظة مأرب، عن صعوبة الوصول إلى منزله في محافظة الجوف من جراء قطع الطريق الرئيسي بين المحافظتين.
ويقول إن عائلته تعيش في منطقة الخلق في محافظة الجوف. ومنذ دخول جماعة أنصار الله (الحوثيين) المحافظة، لم يتمكن من زيارتهم بسبب إغلاق الطريق الإسفلتي.
يضيف لـ "العربي الجديد": "لم أتمكن من السفر إليهم عبر الطريق الصحراوي الفرعي لأنني أملك سيارة أجرة صغيرة لا يمكنها اجتياز الصحراء، كما أن الحوثيّين يتعاملون مع أي قادم إليهم من محافظة مأرب باعتباره عدوّاً حتى وإن كان مواطناً عادياً".
ويشير إلى أن السفر من خلال الفرزة (موقف سيارات الأجرة) أصبح مكلفاً وقد يتجاوز 20 ألف ريال (نحو 33 دولاراً)، علماً أنه لم يكن يتجاوز الخمسة آلاف ريال (نحو 8 دولارات). "والمبلغ خيالي في ظل المصاريف الأخرى التي أحتاجها في المشوار الواحد، والذي أصبح مغامرة بحد ذاته".
ويُؤكّد صالح أنّ العديد من المدنيين خضعوا للتحقيق والابتزاز عند نقاط الحوثيين على مداخل مدينة الحزم (مركز المحافظة)، على الرغم من أنه لا صلة لهم بالجيش والمقاومة. وهذا يُضاف إلى المخاطر التي يمكن أن يتعرّض لها المسافرون في الطريق الصحراوي.
"يتعرّض البعض للنهب على أيدي قطاع الطرق، فيما يضلّ آخرون الطريق وقد يصلون إلى مواقع عسكرية تابعة للحوثيين، ويتعرّضون للتحقيق والابتزاز وأحياناً إطلاق نار من مسافات بعيدة".
المزارع راشد حسن هو أحد المتضررين أيضاً من قطع الطريق بين مأرب والجوف، وقد باتت الصحراء الطريق الوحيد المتاح له ولغيره من المزارعين.
ويقول لـ "العربي الجديد": "نسوّق محاصيلنا في أسواق مأرب، لكننا نعاني بشكل كبير. فالسفر إلى مأرب لم يكن يأخذ من وقتنا إلا ساعتين بينما نحتاج اليوم إلى ست ساعات على أقل تقدير. ولا نستطيع المجازفة والمرور عبر الصحراء من دون الاستعانة بأشخاص يعرفون الطريق جيداً حتى لا نضيع بين الرمال".
ويشير إلى أن الكثير من المسافرين عبر الصحراء ضلوا الطريق، وقد عثر على بعضهم بعد يومين وكانوا على وشك الموت. فالطريق الصحراوي عبارة عن رمال متحركة لا تستطيع كل السيارات عبورها، إذ إن السيارات الصغيرة تغرق وينتظر أصحابها من يسحبهم وينقذهم".
يتابع حسن أن "سيارات نقل الخضار وبسبب ثقل الحمولة، تغرق في الرمال، ونعاني كثيراً لنتمكن من سحبها. وأصبحت هذه الطريق كارثة على المسافرين للأسف".
من جهته، يتوقع حمد بن صالح (اسم مستعار) وهو من سكان الجوف، أن يتعرض إلى خسارة كبيرة هذا العام لأسباب مختلفة، من بينها إغلاق الطريق الرابط بين محافظتي الجوف ومأرب من جراء المواجهات المسلحة.
ويقول لـ "العربي الجديد": "كنت قد زرعت في أرضي البصل ومنتجات أخرى، وقد تكبّدت خسائر كبيرة في مقابل شراء البذور والأسمدة والمبيدات ومستلزمات الري طوال الفترة الماضية. لكن مع نضوجها وحلول موسم تسويقها، حصل ما لم يكن في الحسبان".
وأشار إلى أن محافظة مأرب بالنسبة للمزارعين تعدّ سوقاً مناسبة في ظل قرب المسافة بينهما والكثافة السكّانية والنازحين وإمكانية تسويقها في الخارج. لكن المواجهات تسببت في إغلاق الطريق الإسفلتي الذي يربط المحافظتين ببعضهما بعضاً. يقول: "لم يتبق أمامنا إلا الطريق الصحراوي على الرغم من خطورته، وانتقال المعارك إلى الصحاري".
ويعتمد غالبية سكان محافظة الجوف على مهنة الزراعة كمصدر وحيد لغالبية الأسر في هذه المحافظة. يضيف: "هذا المصدر الوحيد أصبح مهدداً بالتوقف، ما يعرّض حياتنا وحياة مئات الآلاف من سكّان المحافظة للخطر في حال استمر الوضع على ما هو عليه، وقد تصل تداعياته الكارثية إلى كل بيت في اليمن، علماً أن الجوف تزوّد غالبية المحافظات بالمنتجات الزراعية، وتساهم في ثبات قيمة الأسعار المنخفضة رغم العراقيل والصعوبات التي تواجه المزارعين".
إلى ذلك، يفسر سائق سيارة النقل (هايلوكس)، محمد الجوفي، أسباب ارتفاع تكاليف أجرة نقل المسافرين المتنقلين بين الجوف ومأرب محملاً الأحداث التي شهدتها محافظة الجوف مطلع العام الجاري وما تلاها من قطع الخط الاسفلتي الذي يربطها بمحافظة مأرب.
ويقول الجوفي بأن "الوصول إلى المحافظتين أصبح محدوداً عبر طرق فرعية وسط الصحراء تستغرق منا نحو 6 ساعات. هذه الطريق صعبة والمسافة أطول، والمشي فيها يقتصر على النهار فقط، وهذا معناه أننا لا نستطيع عمل أكثر من مشوار واحد (ذهاب وإياب) وأحياناً نحصل مشوار واحد خلال يومين، لعدم وجود المسافرين الذين يخشون الطريق والأمن على أنفسهم وممتلكاتهم".
يضيف لـ "العربي الجديد": "في السابق، كنت أستخدم الطريق الإسفلتي في نقل المسافرين وكان المشوار الواحد يستغرق نحو ساعة ونصف الساعة أو ساعتين. وكان بدل إيجار الراكب الواحد لا يتعدّى الستة آلاف ريال (نحو 10 دولارات) ذهاباً أو إياباً، باعتبار أن المسافة أقصر. كان السائق يستطيع العمل نهاراً أو ليلاً لأن الطريق آمن وتوجد فيه أكثر من عشر نقاط عسكرية تحمي المسافرين".
ويوضح الجوفي بأنّ حركة المسافرين بين المحافظتين لم تكن تتوقف ليلاً أو نهاراً، وهذا ما يتيح للسائق الذهاب أكثر من خمس مرات ذهاباً وإياباً، "وبالتالي يتمكّن من تأمين أموال أكثر في مقابل جهد ووقت ومصاريف أقل. وفي المجمل، يشعر بالأمان".
يضيف: "نحن لا نستغل الظروف لنهب أموال المسافرين وابتزازهم. فما نحصل عليه ندفعه لشراء المحروقات في اليوم نفسه، في ظل ارتفاع أسعار السلع والمحروقات".
ويأمل الجوفي أن تعود الأوضاع في مأرب والجوف إلى سابق عهدها بهدف تحقيق الأمن والاستقرار للناس. ويعيش اليمن حرباً منذ نحو خمس سنوات، أدت إلى أضرار بالغة في مختلف القطاعات، وحرمت ملايين اليمنيين من مصادر دخلهم.
وتشير التقارير الأممية إلى أن اليمن يمر بأسوأ أزمة إنسانية في العالم، ويحتاج 80 في المائة من سكانه (24 مليون شخص) إلى مساعدات.
العربي الجديد