يتعرض التراث الثقافي اليمني لمخاطر عديدة تحت نير الحرب المستعرة هناك منذ أكثر من أربع سنوات، وفي مقدمة هذه المخاطر تكالب لصوص الآثار على نبش المواقع، ونهب المخازن وسرقة الكثير من الآثار النفيسة؛ ففي الوقت الذي أودت الغارات الجوية والمواجهات المسلحة، بعددٍ من المواقع والمتاحف، وأتلفت آلاف القطع الأثرية، كما حصل لمتحف ذمار (وسط) ومتحف تعز (جنوب غرب).
لم تتوقف أعمال اللصوص عن نبش ونهب وسرقة وتهريب الكثير من المقتنيات الأثرية؛ وهو ما يمثل كارثة حقيقية في ظل اتساع رقعة التهريب، وتجاهل جميع السلطات لمسؤولياتها الوطنية؛ وهو ما نقرأه في ما يتم تداوله من الآثار اليمنية في الأسواق الأوروبية والأمريكية مؤخراً.
كما أن مخزون ما تبقى من المتاحف (23 متحفاً تتبع وزارة الثقافة) التي لم تطلها الحرب بشكل مباشر، بات معرضًا بشكل غير مباشر للتلف لعدم توفر إمكانات الحفظ والعناية اللازمة، وليس ببعيد ما تداولته وسائل الإعلام في الفترة الماضية عما تتعرض له المومياوات في متحف قسم الآثار في جامعة صنعاء، ومخزن المتحف الوطني في صنعاء.
وقبل ذلك وبعده، ماتزال هذه المتاحف مهددة بالسرقة في ظل وضع اللادولة، لاسيما وقد تمت سرقة بعضها قبل الحرب، كمتحف قصر السلطان القعيطي في المكلا (شرق) ومتحف عدن الوطني (جنوب) عام 2013، وقبل ذلك نهب متحف زنجبار في أبين، ومخزن الحوطة في لحج (جنوب) خلال مواجهات الجيش الحكومي مع مسلحي جماعة «أنصار الشريعة» التابعة لتنظيم «القاعدة» عام 2012.
إلى ذلك تداول ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي، مؤخراً، منشوراً عن تعرض مخزن متحف مأرب (شرق) لسرقة من المسؤولين على حراسته، وفق ما أورده أحد الناشطين على «فيسبوك» من أبناء مأرب، مؤكداً سرقة المخزن بكل ما فيه، وقال إنه كان يضم عشرين ألف قطعة…
وهو ما نفاه مدير فرع هيئة الآثار في مأرب، وفق رئيس الهيئة في صنعاء مهند السياني متحدثاً لـ«القدس العربي»؛ إلا أن الأخير أعرب عن خشيته من أن يكون نفي الأول محاولة للتغطية على خبر صحيح، مشيراً إلى أن الحرب عملت على تقسيم عمل الهيئة، فأصبحت للحكومة في عدن هيئة للآثار مستقلة عن التي في صنعاء.
وبالتالي فإن نفي مكتب آثار مأرب الذي بات يتبع الهيئة في عدن قد يكون محاولة لعدم الإفصاح بما حصل هناك، خوفاً من ردود الفعل المدنية على حد قوله، لكنه تمنى «أن يكون خبر السرقة غير صحيح، لأنه لو حصل فسيمثل خسارة كبيرة لا تعوض؛ لأن المخزن يضم نتاج عمل عدد من بعثات التنقيب في مأرب على مدى عقود».
وتحدث السياني عن واقع سيئ تعيشه الآثار في عموم اليمن منذ بدء الحرب، بل إن الوضع يزداد سوءاً عاماً بعد آخر، «بل إن استمرار الحرب يمثل تهديداً بالغ الخطورة على تراث اليمن». وكان نهب وتهريب الآثار مشكلة يمنية قائمة قبل الحرب؛ إلا أن الحرب أسقطت ما كان متوفراً من إحساس متواضع لدى السلطات، كان يؤدي بها للقيام بجهود محدودة تجاه حماية هذا التراث.
ردود فعل غاضبة
توالي أعمال النهب والسرقة لمواقع ومخازن الآثار في اليمن، يثير باستمرار ردود فعل مدنية غاضبة، وآخرها ما عبّر عنه بيان صادر عن «جماعة نداء السلام» ممهورا بأسماء عددٍ من أبرز الأدباء والمثقفين اليمنيين.
حيث حذر البيان، الذي نشره نقيب الصحافيين اليمنيين الأسبق عبدالباري طاهر على حائطه في «فيسبوك»، مما «تتعرض له الآثار في اليمن وتحديداً في مأرب، مركز الحضارة اليمنية لآلاف السنين، من سرقة وتهريب منذ عدة أعوام».
وقال البيان إنه «بموازاة الحرب الأهلية والتدخل الإقليمي والدولي جرى ويجري تدمير اليمن ككيان ووطن وتأريخ وحضارة ونسيج مجتمعي». ووفق البيان فإن «آلاف القطع الأثرية تسرق وتهرب في ظل فقدان المسؤولية من قبل السلطة التابعة للشرعية، والموالية للتحالف السعودي الإماراتي».
وأضاف، «تستباح الآثار العائدة لآلاف السنين، وتنهب وتدمر وتسرق، ولا نجد من يستنكر أو يحتج» وناشد «الضمير العربي والإنساني، لشجب وإدانة تدمير ونهب وسرقة آثار إنسانية، امتدت لآلاف السنين»، داعياً القوى الإقليمية في التحالف الذي تقوده السعودية وإيران والرباعية الدولية «للعمل على وقف حرب لا غاية لها ولا هدف إلا تدمير ونهب ثروات اليمن وتمزيقه».
وخلال الحرب تعرض عددٌ من المتاحف للتدمير مثل، متحف ذمار الإقليمي الذي أتت غارة جوية للتحالف عام 2015 على المبنى ودمرته مع مخزونه، الذي يضم 12500 قطعة، ولم يتم الحصول من بين الانقاض سوى على 5000 قطعة
وتشتهر محافظة مأرب (شرق) بعدد من المواقع الأثرية المهمة، وشهدت مناطقها قبل الميلاد قيام واحدة من أهم ممالك اليمن القديم، وهي مملكة سبأ، ومن أبرز المواقع الأثرية هناك سد مأرب القديم، ومعبد أوام، ومعبد بران المعروف باسم «عرش بلقيس».
ولا تقتصر أعمال النهب والسرقة للآثار في اليمن على منطقة دون أخرى، ففي مارس/آذار الماضي تم الكشف عن عبث لصوص بمومياء شمال صنعاء ومن ثم الإعلان لاحقاً عن كشف أثري لمقبرة مومياء كبيرة، في ما لم يتم توفير الحراسة اللازمة لها، كما تداول ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي مؤخراً أنباء عن موقع أثري كبير في محافظة عمران شمال (خاضعة لسلطة الحوثيين)، يتعرض لعبث.
وليس ببعيد ما تتعرض له مدينة صنعاء القديمة، وهي مسجلة في قائمة التراث العالمي الإنساني، من تزايد في مخالفات البناء وتشويه النمط المعماري؛ وهو ما دفع بالمنظمة الدولية وضع المدينة في قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر.
وتوجد أربعة مواقع يمنية مسجلة في قائمة منظمة «اليونسكو» للتراث الإنساني والطبيعي العالمي، ممثلة في (مدينة صنعاء، مدينة زبيد، مدينة شبام حضرموت، جزيرة سقطرى)، والمدن الثلاث تم وضعها، للأسف، في قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر في ظل ما تعرضت له قبل الحرب وخلال الحرب من مخالفات تهدد نسيج تراثها المعماري. وصدرت بيانات من منظمات دولية على مدى الحرب تطالب أطراف الصراع بحماية التراث الثقافي، وتجنيب المواقع التاريخية والثقافية أي عمليات عسكرية.
لم تعد الحال تقتصر على نبش ونهب وسرقة وتهريب الآثار، بل يمتد إلى وجود متاجر يمنية لبيع الآثار. يقول أحمد سلام كبتا، وهو باحث في شؤون التراث لـ«القدس العربي»، إن تجار الآثار في اليمن صاروا يعرضون القطع الأثرية والمخطوطات في أسواق مفتوحة على شبكة الإنترنت على مرأى ومسمع من الجميع، كما صارت هنا وهناك دكاكين في بعض المناطق تبيع الآثار والمخطوطات، مؤكداً أن الآثار اليمنية تعيش مرحلة غير مسبوقة في نهبها وبيعها وتهريبها والتهاون في حمايتها من جميع السلطات وجميع المناطق بلا استثناء.
ونتيجة لذلك زادت، في السنوات الأخيرة، تجارة الآثار اليمنية في عددٍ من الأسواق العالمية، خاصة الأسواق الأمريكية، ونتيجة لذلك خاطبت وزارة الثقافة في الحكومة الشرعية، الحكومة الأمريكية مطالبة بإصدار تنويه بمنع الاتجار بالآثار اليمنية في أسواق الولايات المتحدة. وسبق أن طالبت صحف أمريكية كـ «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز» وزارتي الخارجية والخزانة استخدام سلطتيهما في إغلاق سوق الفن الأمريكية في وجه المقتنيات الأثرية اليمنية.
استهداف الذاكرة
وخلال الحرب تعرض عددٌ من المتاحف للتدمير مثل، متحف ذمار الإقليمي الذي أتت غارة جوية للتحالف عام 2015 على المبنى ودمرته مع مخزونه، الذي يضم 12500 قطعة، ولم يتم الحصول من بين الانقاض سوى على 5000 قطعة، كما تم حرق متحف تعز الوطني في مواجهات بين قوات «أنصار الله» (الحوثيين) والقوات الموالية للحكومة الشرعية، فيما تم نهب ما تبقى من محتوياته من قبل جماعة متطرفة ومازال مصيرها مجهولاً حتى الآن.
ووفق إحصائية رسمية غير نهائية تعرض (66) موقعا أثرياً يمنياً للقصف المباشر وغير المباشر، من طيران التحالف منذ بدء الحرب، وحسب إحصائية أولية لهيئة الآثار في صنعاء فإن جماعات متطرفة مسلحة استهدفت وهدمت ما بين 30-35 مسجداً وضريحاً ومزارًا تاريخيًا روحيًا في عموم البلاد منذ بدء الصراع.
المصدر: القدس العربي