في السابعة صباحا من كل يوم يَحزم الطالب اليمني هارون المقطري دفاتره ويتوجه نحو جامعة صنعاء مشيا على الأقدام. يقول هارون للجزيرة نت إنه يضطر لقطع أكثر من ثمانية كيلومترات، وهي المسافة الفاصلة بين كليته ومقر إقامته، نتيجة عجزه عن توفير ثمن المواصلات.
يشكو هارون في حديثه للجزيرة نت قساوة الأوضاع التي يعيشها. يقول بلوعة "أريد أن أتعلم وأحقق طموحاتي في دراسة الهندسة لكن الظروف تحاصرني من كل اتجاه، والدي يعمل موظفا براتب زهيد قد لا يناله أحيانا".
بنبرة ممزوجة بالحيرة والحزن، يضيف هارون "أحيانا لا أجد ما يسد حتى ثمن فطوري وأضطر لتناول وجبتين في اليوم، أفكر جديا في الانقطاع عن التعليم".
يتساءل هارون "كيف لي أن أوفر قيمة أدوات الدراسة وإيجار السكن وكذلك مصاريفي اليومية؟، هذه الأشياء تستنزف جهدي ووقتي الذي أقضيه في التفكير ومن المفترض أن استغله في القراءة والبحث".
كفاح ومعاناة
ويعتبر هارون مجرد نموذج بسيط لعشرات الآلاف من طلاب يمنيين يعيشون هذه المعاناة. يؤكد طالب الصيدلة موسى العقبي بدوره أنه أجبر مع بعض زملائه ممن يدرسون على نفقتهم في الجامعات الخاصة على إيقاف الدراسة نتيجة عجزهم عن تسديد الرسوم للجامعة.
من جهته، قال طالب في كلية الطب بجامعة صنعاء -مفضلا التحفظ عن هويته- إنه توقف عن الدراسة منذ أكثر من عام نتيجة عجزه عن دفع تكاليف بقائه في صنعاء، مضيفا للجزيرة نت أنه عاد إلى قريته في تعز (جبل حبشي) ويفكر حاليا في الالتحاق بإحدى جبهات القتال نتيجة ضيق العيش والفراغ الذي يعيشه، على حد تعبيره.
ورغم هذه المعاناة التي يعيشها الطلاب اليمنيون، فإن هناك نماذج تستحق التوقف، وتحديدا في تعز التي يوجد فيها عشرات الطلاب تواصلت الجزيرة مع البعض منهم وتبين أنهم يقضون نصف أوقاتهم في مواقع عسكرية لحماية المدينة، حسب أقوالهم، ويستمرون في الوقت ذاته في مواصلة دراستهم الجامعية.
عماد الشرعبي واحد من الطلاب الذين يلتزمون بحضور دروسهم الجامعية صباحا ثم يعودون مع شباب آخرين من المدينة في المساء للتناوب والمكوث في بعض المواقع العسكرية. يقول عماد للجزيرة نت "هذه مدينتنا، الأهم أننا لا نترك الدراسة، سنحمل الكلاشنكوف بشكل مؤقت وسلاحنا الأقوى هو التعلم والوعي كي نبني مستقبلا جميلا لهذا البلد الذي أنهكته الحرب".
ولا تقتصر معاناة الطلاب اليمنيين في الداخل فحسب، بل هناك أيضا المئات من الطلاب اليمنيين الذين يعيشون في عدد من عواصم العالم من دون مستحقات مالية ولجؤوا إلى تنفيذ إضرابات واحتجاجات أمام سفارات بلادهم، وهناك من اضطر إلى ترك دراسته والعودة إلى اليمن، وفقا لحديث مسؤولين في اتحاد طلاب اليمنيين بالخارج.
انعكاس مباشر
يرى الدكتور في علم الاجتماع في جامعة صنعاء عبد الباقي شمسان أن معاناة الطلاب اليمنيين اليوم لا تنفصل عن المستوى المعيشي للمواطنين، وهي انعكاس مباشر لمشكلة انقطاع المرتبات التي أثرت على الوضع العام وشملت أعراضها الحالة النفسية لأساتذة الجامعة مؤثرة على استعدادهم وجاهزيتهم لإلقاء دروسهم.
ويعيش معظم أساتذة الجامعة، وفقا لحديث شمسان مع الجزيرة نت، في حالة توتر، الأمر الذي ينعكس على الطلاب الذين يعيشون أيضا حالة إحباط تام خصوصا وأن الطالب يكون في الغالب مرتبطا بالتفاؤل والمستقبل ولديه طموحات عالية، وعندما يجد كل الأبواب مسدودة ينعكس ذلك عليه بشعور سلبي.
وهناك مشكلة أخرى أكثر خطورة متعلقة بالطلاب الذين يتلقون تعليمهم في مناطق سيطرة الحوثيين، حيث تجري إعادة تشكيل ذاكرتهم الوطنية وتشويهها بمعلومات عقائدية تتقاطع مع مفاهيم الوطنية وإحلال مجموعة من الأفكار الخاطئة بسحب أساتذة جامعيين تحدثوا للجزيرة نت.
أرقام مفزعة
وتشير تقارير للأمم المتحدة إلى أن هناك ما يقرب عن 20% من طلاب جامعة صنعاء (نحو 85 ألف طالب) باتوا غير قادرين على الحضور إلى الفصول الدراسية.
وبحسب دراسة أجراها الأكاديمي في جامعة صنعاء محمد الصوفي فإن هناك 12 مبنى جامعيا حكوميا تعرض للدمار بشكل تام، كما تعرض 25 مبنى جامعيا آخر للدمار الجزئي خلال السنوات الماضية.
ويؤكد مراقبون أن كل هذه التحديات لا سبيل لمواجهتها إلا باهتمام حقيقي بالتعليم، كما أن انغلاق الأفق المستقبلي أو الواقع المأمول لدى الشباب له آثار نفسية على الاستيعاب، وبدأت نتائجه تبرز مؤخرا من خلال اختيار بعض الطلاب الذهاب إلى جبهات الحرب خاصة في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين أو التفكير في تعاطي مواد مخدرة، حسب شمسان.