اختزلت 28 لوحة فوتوغرافية، قدّمها الفنان اليمني عبدالرحمن الغابري في معرضه الأخير في صنعاء بعنوان “حكاية الأرض والإنسان” خصوصية ما تحتضنه بلاده من جمال بصري مصدره الأرض وعنوانه الإنسان. ذلك الجمال الذي استطاعت عدسة هذا الفنان أن تقرأ حكايته على مدى أكثر من أربعة عقود اشتهر فيها بعلاقة استثنائية مع الكاميرا، وهي علاقة برز من خلالها من أهم نجوم الفوتوغرافيا في بلاده وأحد أهم موثقي ملامح الهُوية اليمنية (ضوئياً).
يُعدّ الغابري (1956) من أبرز المصورين الفوتوغرافيين والمخرجين اليمنيين، وممن يرتبط بعلاقة خاصة بالمكون البصري لهُوية بلاده. وقد استطاع على امتداد تجربته أن يتحاور بمهارة مع اللحظة اليمنية ويقتنص عدداً وافراً من أبرز تجلياتها لتُشكل أعماله منهلاً من أهم مناهل الأرشيف البصري اليمني لما يمتلكه من وافر الصور الضوئية عن ملامح الثقافة والهُوية في التاريخ المعاصر لبلاده.
في معرضه الأخير، الذي استضافته مؤسسة بيسمنت “القبو” الثقافية بصنعاء مؤخراً، أختار الغابري مجموعة من أجمل أعماله تخللتها بعض أعمال نجله أمين الذي يعد مصوراً ومخرجاً أيضا.
لم تحمل الصور المعروضة أي توقيع أو حتى إشارة لتاريخ التقاطها، وهو أمر فسره الفنان متحدثاً لكاتب السطور بقوله، إن لكل فوتوغرافي هُوية ضوئية تتميز بها لوحته، أما التاريخ فملامح الإنسان والمكان في الصورة قادرة على أن تعطي المشاهد إشارة لتاريخها. ويعود تاريخ أقدم صورة التقطها الفنان، وتضمنها المعرض، إلى عام 1968، ما يجعل من هذا المعرض اختزالاً لتجربته منذ بدايتها مع الكاميرا في علاقتها بالأرض والإنسان هناك.
توزعت لوحات المعرض بين شقين: الشق الأول كُرِس للإنسان، وعُرض فيه عددا من اللوحات التي تعكس بعض ملامح خصوصية الإنسان اليمنيّ على مدى عقود من التاريخ المعاصر. وتميزت تلك اللوحات بتنوعها من حيث تعبيرهاعن ذلك الإنسان في مراحل عمرية ومناطق متعددة ومحطات تاريخية وحالات مختلفة ممتدة بين البؤس والبهاء، وتعكس جميعها بعضاً من ملامح ثقافية تعكس خصوصية هُوية هذا الإنسان.
لقد جاءت هذه اللوحات لتروي بعضاً من الحكاية اليمنية بما فيها من فصول اندثرت وأخرى باتت مهددة. كل تلك الصور تُبرِز ما يتمتع به إنسان هذا المكان من بساطة وجمال وثراء وما عايشه من ظروف وما عاناه ويعانيه أيضاً. تفاصيل كثيرة تحكيها اللوحات ويتذكر المشاهد من خلالها حكايته في الريف والمدينة، وما كان يرويه له والداه وأجداده.
واللافت أن صور هذا الفنان في علاقته بالإنسان لا تقتصر على التوثيق بل تتجاوزه للتعبير من خلال ما يقتنصه من مناظر تعبر عن أفكار وتحمل رسائل، كمنظر ذلك الطفل الذي يتنصب رافعاً ذراعيه تحت صخرة عملاقة، كأنه يمنعها من السقوط؛ وهو منظر أراد منه الفنان التعبير عن فكرة تحدي المستحيل. في هذه الصور جميعها تنقل الغابري بين عددٍ من مناطق اليمن، ووثق كثيراً من ملامح الحياة التقليدية والتراث الشعبي.
الشق الثاني من المعرض خُصص للمكان، واشتمل على عددٍ من الصور لمناظر في مدن وأماكن يمنية مختلفة، بدءاً من جزيرة سقطرى الواقعة في المحيط الهندي وانتهاء بمدينة صعدة الواقعة في أقصى شمال البلاد. وقد استطاع الغابري بعلاقته الممتدة مع العدسة وحساسيته الفنية العالية وولعه بثقافة بلاده وهُويتها أن يوثق أبرز ملامح الجمال البصري للأرض والمكان سواء في المدينة أو الريف في الساحل أو الجبل في تنويعة لا حدود لحصر عناوينها.
لقد استطاع هذا الفنان أن يقتنص أجمل لحظات تجليات المكان الجمالية، وأعاد تقديمها ضوئياً في لوحات فوتوغرافية تعكس خصوصية العلاقة بالتصوير الضوئي ومدى الاحتفاء الثقافي والفني بالجمال البصري في هذه البلاد المنكوبة سياسياً.
شهد افتتاح المعرض حضورعددٍ من أبرز الأدباء والفنانين، وقد أختار صاحب المعرض أن يكون الافتتاح وقص الشريط جماعياً من نخبة الأدباء والفنانين الذين حضروا الافتتاح.
على الرغم مما قدمه المعرض وعكسته لوحاته من حالة تعبيرية عن خصوصية الإنسان والمكان في هذا البلد القصي، إلا أنه كان من الصعوبة بمكان أن يختزل تجربة صاحب العدسة في علاقته بالفوتوغرافيا لذا فقد أُضيفت فقرة لحفل الافتتاح تمثلت في عرض بجهاز “بروجكتر” لعددٍ كبير من اللوحات الفوتوغرافية للفنان والتي تنقل بواسطتها بين مراحل تجربته، متحدثاً عن عدد من أبرز أعماله في علاقتها ببلاده.
المصدر: القدس العربي