اختفت مزارع القهوة اليمنية الشهيرة، لتحل مكانها مزارع "القات"، بعد أن كانت زراعة القهوة تحتل أولوية زراعية ومكانة اقتصادية، لتختفي تدريجياً وتضعف تجارة ازدهرت على مدى قرون طويلة في اليمن، والتي اكتسبت اسمها العالمي "موكا" من ميناء المخا اليمني، والذي كان نقطة وصل بين محبي القهوة وزراعها في اليمن.
وتعاني زراعة القهوة اليوم من تدنٍ في مستوى الصادرات، حيث تسببت الحرب في تدني الإنتاج، ففي العام 2015 تراجع الإنتاج من 55 ألف كيس قهوة إلى 8 آلاف كيس تم تصديرها، مما دفع المزارعين للسعي وراء استبدال شتلات البن بالقات أو بالمحاصيل الأخرى.
"العربية.نت" تحدثت مع شاب يحاول إعادة روح "البن" الأصيلة، وتاريخه عبر إعادة تصدير القهوة اليمنية للعالم، فهو متذوق معتمد للقهوة، حاصل على شهادة التذوق الدولية للبن، من منظمة Coffee Quality Grader الأميركية، ولكنه يفضل أن يطلق عليه لقب "صائد القهوة" هكذا يحب "حسين أحمد" التعريف عن نفسه.
قصة عشق
يقول حسين "إن سرَّ حبي للقهوة كان مرتبطا برائحة أمي، حيث ترعرعتُ في كنف أسرة تعشق البن، ومنذ الصغر كانت أمي ترسلني إلى السوق لشراء البن، وكنت أستمتع بذلك، وعند ذهابي إلى المدرسة، تجهز أمي القهوة ورائحتها تفوح في أرجاء الدار، لتكون تلك الرائحة مصدر سعادتي اليومية، وكانت قهوة أمي هي رفيقتي حتى انتقلت للدراسة في بريطانيا، وزرت هناك العديد من المقاهي بحثاً عن رائحة قهوة أمي، ولكن للأسف لم أستطع أن أجد نفس عبق البن الذي كانت تحضره أمي في صغري، هنا زاد اهتمامي في البن وأنا في بريطانيا، وبعد أن مكثت 10 سنوات، رجعت الي أرض الوطن في أواخر 2007 واستقررت في صنعاء، وعملت في مجال البرمجيات، ولكنني لاحظت أن اقتصادنا مبني على الاستهلاك فقط، فقررت أن أصدر أفضل ما ينتجه اليمن وركزت على البن".
وأضاف حسين: "قضيت أكثر من سنة في الترحال بين جبال اليمن وفي الوديان بحثا عن أسطورة البن اليمني، وتوثيق قدر ما أستطيع من معلومات وبيانات".
اليابان وأول مقهى
يقول حسين: "كانت زوجتي يابانية الجنسية التي قدمت معي إلى اليمن، ولم تستطع أن تتأقلم على العيش في اليمن، وقررنا الهجرة إلى اليابان، حيث قمنا بتصدير البن اليمني إلى اليابان، وبدأنا بإرسال عينات إلى المختبرات اليابانية، وأحرزت هذه العيانات درجة عالية في جلسات التذوق، وهنا تحول العشق إلى عمل، وبعد أن استقررت في اليابان وعملت في تصدير البن الفاخر اليمني إليها، قمت بافتتاح أول مقهى متخصص للبن اليمني في مدينة طوكيو اليابانية في العام 2011، وبظروف أسرية في أواخر 2013 أوقفت العمل، وعدت إلى اليمن، وركزت بعدها لتصدير البن اليمني إلى أميركا".
الصحافة اليابانية تتحدث عن قهوة حسين
وأضاف: "وفي 2014 ذهبت إلى أميركا ومكثت سنتين هناك، وخلالها قمت بدراسة تذوق البن وحصلت على الشهادة الدولية في التذوق، وهنالك أسست شركة تجارية".
وبين حسين وجود صعوبات في الإمداد والتموين، نظير عدم استقرار أسعار صرف العملة، وصعوبة شحن العيانات، والتكاليف العالية للتشغيل مع انعدام توفر المشتقات النفطية والتسهيلات للمزارعين.
"القات" وكارثة بيئية
وشدد على أن المشكلة الأكبر تعود بسبب مزارع "القات" الذي يشكل كارثة بيئية حقيقية داخل اليمين، فالقات يستنزف معظم الماء الجوفي، ويزحف على الأراضي الخصبة التي يزرع بها البن.
وعن مستقبل زراعة البن في اليمن، أكد حسين على ضرورة تطوير المنتج من ناحية الجودة، والتسويق الحديث وبناء مركز تطوير للبن، وإعادة البن اليمني إلى الأسواق العالمية، كما يجب الاهتمام بجعل السعر عادلا للمزارعين، وإلغاء المعاملات السيئة للبن.
وأضاف أن إحياء زراعة البن عبر تحسين المنتج وتسويقه للسوق الأوربي والأميركي بأسعار جيدة للمزارعين، ستحسن زراعة البن ونهضته.
"أرابيكا"
وعن الفارق بين القهوة اليمنية وبقية أنواعها العالمية، ذكر حسين أن القهوة تنقسم إلى قسمين من ناحية السلالات "أرابيكا" وهي أول من زرعها وأنتجها هم اليمنيون، وأنواعها "دوائري، وتفاحي، وعديني، وبرعي"، وعندما انتشر البن في أرجاء المعمورة، ركز المزارعون الجدد على أن يهتموا بالغرسات التي تنتج كميات كبيرة، ولم يهتموا بالجودة، بينما المزارع اليمني استمر في تطوير هذه السلالة وتهجينها، لكي تنتج حبوب بن ذات جودة ونكهة مميزة، أما المزارعون الجدد في دول أخرى، فركزوا فقط على الكميات.
قهوة معدة للتصدير
وتنتشر كل هذه الفصائل في اليمن حسب الارتفاع ووفرة الماء، فبعضها يفضل المرتفعات وبعضها يتحمل الجفاف، ولهذا تجدها منتشرة في كل الأودية، بالرغم من اختلاف الظروف المناخية، وهذه الفصائل تسمى بأسماء محليه "الحمادي، اليافعي، الفضلي، الانسي، المطري، الحرازي، الحيمي، الحفاشي، الخولاني، البرعي، الريمي، الإسماعيلي، الحواري".
وأوضح أن السوق العربية سوق مميزة، وفي تطور مستمر، وأصبحت القهوة الفاخرة المتخصصة في انتشار واسع وتزايد مستمر، والتركيز الحالي على السوق الأوربية.